ما بين المنتصر والمنكسر ” الحرب الأخيرة “

ما بين المنتصر والمنكسر ” الحرب الأخيرة “

حقّاً ومئة حقٍ وحقٍّ انها لمثار سخرية أن يتكرر لغاية الآن في الصحف وعموم بعض الميديا ( مسألة التساؤل عمّن انتصر ومَن خسِر في الحرب الإيرانية – الإسرائيلية التي بدأت في 13 حزيران- يونيو الماضي واستمرت 12 يوماً ) , ولعلّ اولى علائم التعجب والإستغراب بهذا الشأن أنّ تلك الحرب قد انتهت كليا – War is over , فعلامَ ” الإلحاح ” او الإصرار في طرح هذا التساؤل , مع اجابةٍ مسبقة لصالح هذا الطرف او ذاك , كما ما هي الماهيّة والآلية لمثل هكذا حسابات تفتقد التدقيق والموضوعية المجرّدة .؟

  في كافة معارك وحروب التأريخ المعاصر وحتى الأقدم منه بعقودٍ وعهود ” إن لم نقل قرون ” , كانت حسابات الإنتصار والخسارة تعتمد اولاً على انتزاعٍ اراضٍ من الطرف الآخر مما يضطره للإقرار بها وبالهزيمة , كما حدث في نكسة الخامس من حزيران في حرب 1967 كمثالٍ مختارٍ فقط , كما الى ذلك كذلك يجري احتساب مديات ونسبة تدمير الأهداف الأقتصادية والمنشآت الحربية والستراتيجية الأخرى كتمهيدٍ اولي نحو استسلامٍ مفترض او تقديم تنازلاتٍ ما لوقف القتال لتجنب بلوغ حالة الأستسلام واستبدالها بصناعة سلامٍ اضطرارية .! , كما يُشار الى نسبة الخسائر البشرية العالية للجنود , ونسبة تدمير الدبابات وبطاريات المدفعية والصواريخ والآليات والمركبات العسكرية والأسلحة الأخرى كإسقاط الطائرات الحربية واغراق السفن عند احد طرفي الحرب قياساً الى الطرف المقابل < ولسنا هنا بصدد الإسترسال في تفاصيلٍ عن التشويش الألكتروني او عمليات تسلل قوات الكوماندوس الى خلف خطوط العدو الى ايٍ من الجانبين المتنازعين وما تقوم به من عمليات تخريب وتفجير> , وما برحنا نتحدث هنا ضمن مسار الخطوط العامة ..

من الطبيعي في كل معركة او حرب أن يتكبد الطرفان المتنازعان خسائراً متفاوتة كميا ونوعياً , ولولا جرى اسقاط العديد من الصواريخ الأيرانية الموجهة لإسرائيل ( من قبل الأمريكان والبريطانيين والفرنسيين ) لكانت خسائراسرائيل فادحة الى حدٍ ما , عدا أنّ الصواريخ الأيرانية تفتقد دقة التسديد وكان آخرها سقوط صاروخ ايراني على مستشفى في مدينة بئر السبع في جنوب اسرائيل , وصاروخ آخر على مرآب حافلات وسيارات , ولولا سقوط او اسقاط هذا الكم من الصواريخ الأيرانية هذه , فما كان لأسرائيل التي تبلغ مساحتها 145 , 22 الف كيلومتر مربع من تحمّل هذه الضربات الصاروخية , أمّا المُسيّرات فكان اسقاطها اكثر سهولة بسبب حركتها البطيئة وحيث تستغرق 6 – 4 ساعات للوصول الى اجواء اسرائيل .

   كانت مبادرة الرئيس ترامب بتكليف دولة قطر لتطرح وقف اطلاق النار على الأيرانيين ” رغم قصف قاعدة العيديد الأمريكية – القطرية والتي ابلغ الأيرانيون قطر والأمريكان مسبقا قبل قصفها , مع موافقة مسبقة اسرائيلية لوقف اطلاق النار ” فكانت هذه المبادرة ذات فائدة مشتركة لطهران وتل ابيب .! حيث الضربات الأمريكية للمفاعلات الأيرانية كانت ثقيلة الوزن بجانب ما دمّرته ال F – 35للعديد من الأهداف العسكرية الأيرانية , وقد بذل طيارو هذه المقاتلات جهوداً جسيمة ” من الناحية الفنية ” في قطع المسافات الطوال بين اسرائيل وايران وبعدة طلعات وغارات جوية طوال فترة الحرب اوالقتال , وكان لعموم اسرائيل من التقاط الأنفاس واخراج الآلاف المؤلفة الذين اختبأوا في الملاجئ , ولم يحدث مثل ذلك في ايران عموما والتي تبلغ مساحتها  145 و1 مليون وستمائة وثمانية واربعين كيلومتر مربع , اي ما يمكّنها من استيعاب الضَربات الجوية من الناحية الكمية وليست النوعية .

في واقع الأمر فلا مجال للمقارنة بين ” المنتصر والخاسر ” فلا طرف انتصر كليّا , وكلامهما تعرّضا لخسائرٍ متفاوتة للغاية , بالرغم من أنّ خسائر الأيرانيين تفوق ما تكبّدته اسرائيل بأضعاف المرّات , وانّ التطرّق لتحديد الجانب المنتصر يندرج في خانة   Uselessness– عديمة الفائدة , ولا يعدو كونه كلامٌ شبه ببغاوي لملء فراغاتٍ اوصَفحات .!

اذ تتجّه الأنظار من زواياً دولية مختلفة للإنتظار لعقد جولة المفاوضات السادسة بين الأمريكان والأيرانيين او الأولى بعد توقّف الحرب , مع اخذٍ بإعتباراتٍ ما لشروطٍ ايرانية مسبقة لعقدها تتضمن ” تعهدا امريكيا بعدم توجيه ضربات امريكية اخرى او لاحقة ” ويكاد يغدو من المُحال موافقة الأدارة الأمريكية على ذلك , وامسى الإنتظار لتغييرٍ ما في المواقف بما يكون كأنه الحد الفاصل ولو من زاوية التكتيك القابلة وذات المرونة بالمتغيرات .

يُشار ومن زاويةٍ تُعتبر ضيّقة , بأنّ عميد كلية العلوم السياسية في جامعة تل ابيب , صرّح يوم امس بأنّ اسرائيل قد تعاود توجية الضَربات الموجعة لإيران .! , وحديث هذا غير قابلٍ للهضم حتى لو كان موجّها من جهات اسرائيلية عليا ضمن اعتبارات الحرب النفسية البدائية .!

أحدث المقالات

أحدث المقالات