تعتبر شخصية الشيخ عبد الواحد الحاج سكر من الشخصيات الفذة في تأريخ العراق الحديث لما تركته من أثر لا ينسى في مرحلة مهمة وخطيرة من التأريخ المعاصر ألا وهي مرحلة التأسيس للدولة العراقية الحديثة وما رفقها من أحداث مهمة كان أهمها قيام ثورة العشرين في 30 حزيران 1920 . الشيخ عبد الواحد الحاج سكر هو عبد الواحد آل سكر آل فرعون ياقوت عبود بن ابراهيم بن طوفان بن دليهم بن حسن بن حسون ((بن علي بك )) بن الأمير حسين الأشحم شيخ مشايخ آل فتله، ولد الشيخ عبد الواحد الحاج سكر في ناحية المشخاب ( ابو صخير ) التابع لقضاء المناذرة التي تبعد 30 كم جنوب النجف الأشرف والتي تحولت فيما بعد إلى قضاء في العام (1880 م ) وتربى في كنف والده الشيخ سكر بن فرعون المتوفي سنة (1911م )، نشأ الشيخ عبد الواحد نشأة مترفة خصص له والده أساتذة أكفاء تعلم منهم مبادئ العلوم العربية والدينية آلت إليه زعامة آل فتله بعد وفاة والده وورث عنه أراض واسعة . يصفه المؤرخ العراقي الكبير علي الوردي ( كان عبدالواحد بالواقع قوي الشخصية ذا شجاعة ودهاء وكان بالاضافة إلى ذلك متدينا كثير التهجد في صلاته قيل أنه كان يقضي في صلاته أحيانا أربع ساعات وقيل أيضا أنه وبالرغم من تهجده وكثرة صلاته كان لايتردد بأن يأمر بسفك الدماء أذا أقتضت التقاليد العشائرية1
ولقد كانت اسهامات الشيخ عبدالواحد الحاج سكر بالشأن الوطني العراقي وضرورة الخلاص من ربقة الإحتلال البريطاني مبكرة وبالتحديد في السنوات الأولى التي تلت انتهاء الحرب العالمية الأولى حيث ذكر قاطع العوادي بعض الشخصيات التي عملت لذلك ويرد بينهم ذكر الشيخ عبدالواحد يقول: )سافرت إلى النجف للأطلاع على الرأي هناك واجتمعت مع الشيخ جواد الجواهري والشيخ عبد الكريم الجزائري فوجدت الفكرة الثورية سائدة في أذهان العموم ولقد دعيت إلى مأدبة في بيت السيد ابراهيم الجصاني وصادفت عنده السيد سعيد كمال الدين ونوه عنه السيد ابراهيم بكلمة هي : أن هذا السيد نظيرك بالوطنية فقرت نفسي لديه وتفاوضت معه في شيء من المذاكرات ولقد ذكر لي أن في النجف جماعة من المشايخ يشتغلون لتلك الغاية فسألت عنهم فأجاب أنهم السيد علوان الياسري والسيد نور الياسري والسيد محسن ابو طبيخ والشيخ عبد الواحد الحاج سكرولما أجتمعت بهم وجدت أن فكرة الثورة ضد حكومة الأحتلال لغاية الاستقلال العراق في الحكم الذاتي محققاً عند الجميع 2 وكان الشيخ عبد الواحد من الشخصيات الخمسة التي أختارها المجتمعون في بيت السيد أبو القاسم الكاشاني لمناقشة موضوع التحضير واعلان الثورة ضد الإنكليز ولقد حدث ذلك ليلة
النصف من شعبان الموافق يوم 4 أيار 1920 أي قبل شهرين من اعلان الثورة العراقية الكبرى وكان المجتمعون لفيف من رجال الدين وشيوخ العشائر ورجال الحركة الوطنية في بغداد أما الرجال الخمسة الذين وقع عليهم الاختيار لمقابلة الميرزا محمد تقي الشيرازي وأخذ رأيه بالموضوع بعد فشلهم في الإتفاق على إعلان الثورة فهم ( الشيخ عبدالكريم الجزائري وجعفر ابو التمن والسيد نور الياسري والسيد علوان الياسري والشيخ عبد الواحد الحاج سكر ) وفيها منحهم الميرزا فتواه بالموافقة على قيام الثورة مع ضرورة حفظ الامن والنظام أسهم الشيخ عبد الواحد بانشاء وتأسيس فرع جمعية ( حرس الاستقلال ) في النجف الأشرف التي ضمت في عضويتها نخبة من العلماء الأعلام وشيوخ العشائر أمثال الشيخ جواد الجزائري والسيد عبد الكريم الجزائري ومحمد رضا الشيرازي والسيد نور الياسري والسيد محسن ابو طبيخ والسيد علوان الياسري والسيد كاطع العوادي ومحمد كمال الدين واخرين . يعتبر يوم 1 تموز 1920 أي بعد يوم واحد من اعلان قبائل بني حجيم اطلاق شرارة الثورة ضد البريطانيين في الرميثة هو يوم اعلان الثورة في منطقة الفرات الأوسط رغم عدم جود علم لعشائر الفرات الأوسط بذلك حيث حضر أربع حكام عسكرين بريطانين هم الميجر نوربري والميجر نيجول والكابتن هوبكتر والكابتن مان إلى مضيف الشيخ مجبل الفرعون وبحضور الشيخ عبد الواحد الحاج سكر وحاول نوربري اقناع مجبل الفرعون والشيخ عبدالواحد أن يكونا مع الجانب البريطاني ففشل في ذلك فشلا ذريعا وكان الشيخ عبد الواحد من أقوى المتصدين لهؤلاء حيث قال : ( أن لنا غاية نسعى إليها وهي الإستقلال التام. فأجابه نوربري : أن هذا سيتم بعد أن تتدربوا على الحكم الذاتي تدريجيا. فرد عليه الشيخ عبد الواحد : هل التدريب هو نفي العلماء والزعماء؟ فاذا كنتم صادقين في قولكم فاطلقوا صراح الميرزا محمد رضا نجل آية الله الشيرازي والآخرين من أحرار كربلاء وثانياً أجلوا الحكام السياسين عن الفرات وأجمعوهم في بغداد ونحن نرسل مندوبين عنا للمفاوضة معكم وعند ذلك نصدق بوعودكم ) وعند خروج الميجر نوربري من مضيف الشيخ مجبل الفرعون هوَّست عشيرة آل فتلة ( هج ماحصلني ورد خالي ) و( ياعراگي البابك فكيته) 3
وفي 11تموز 1920 أجتمع رؤساء المشخاب في بيت عبد الواحد الحاج سكر و قرروا البدء بإعلان الثورة على أن تكون أول راية ترفع للثورة هي راية السيد نور الياسري و ذلك لما فيها من تأثير معنوي في أوساط العشائر و في اليوم التالي رفعت الراية و انطلقت الهوسات و لعلعة الرصاص تملأ الفضاء في أنحاء المشخاب و تقدمت جموع العشائر نحو أبو صخير و حاصرتها ومن ثم تم طرد القوات البريطانية منها . معركة الرارنجية : يصف شيخ المؤرخين علي الوردي معركة الرارنجية قائلاً 🙁 يمكن أعتبارها نقطة تحول في ثورة العشرين وأعظم معاركها على الأطلاق فأن الكارثة التي حلت بالإنكليز فيها ووفرة الغنائم التي وقعت بأيدي العشائر أصبحت محور دعاية كبرى للثورة )4
وبالفعل تعتبر هذه المعركة من الفواصل التأريخية المهمة في تأريخ العراق الحديث وهي أقرب إلى الملحمة منها إلى المعارك العسكرية وكان الشيخ عبد الواحد هو قائدها وبطلها الأول والرارنجية أسم لمناطق زراعية واسعة بين الحلة والكفل تبعد عن الأولى 12 ميلا وعن الثانية 8 أميال وتبلغ مساحتها 4000 دونم وفيها حدثت واحدة من أعظم وأكبر معارك ثورة العشرين وهي معركة الرارنجية ففي 23 تموز 1920 حيث كان الرتل البريطاني المسمى ( برتل مانجستر ) بقيادة الكولونيل لوكل والذي بلغت أعداده أكثر من 800 مقاتل يعسكر قرب قناة الرستمية القريبة من الرارنجية للإستراحة وهو في طريقه إلى الكفل وصلت رسالة بعد ظهر ذلك اليوم إلى الشيخ عبد الواحد الحاج سكر الذي كان يعسكر مع العشائر الثائرة غرب الرارنجية من أحد رؤساء خفاجة تنبأه بمقدم الرتل البريطاني فأرسل الشيخ عبد الواحد بالحال أحد أتباعه لطلب النجده من عشائر الكفل فهبت لنجدته كل العشائر الثائرة هناك وقبيل غروب الشمس وحين كان الرتل البريطاني مطمأناً زحفت إليه العشائر بقيادة الشيخ عبد الواحد الحاج سكر ومرزوق العواد شيخ عشيرة العوابد من ثلاث جهات جنوباً وشرقاً وغرباً، استمرت المعركة أكثر من ست ساعات أستبسل فيها الثواراستبسالاً نادراً وأبدوا شجاعة كبيرة في مقارعة البريطانيين وصلت حد العراك بالسلاح الأبيض مستخدمين وسائلهم البدائية مثل الفالة والمكوار والخنجر، ولم يستطع النجاة من المعركة من البريطانين إلا نصفهم كما ذكر الكولونيل آرنولد ولسن الحاكم البريطاني للعراق بعد ذلك في مذكراته، فيما وصفها هالدين قائد القوات البريطانية بالعراق ب(الكارثة ).
كان حصاد الثوار وغنائمهم من المعركة قد بلغت 52 رشاش وأعداد كبيرة من الحيوانات ومقادير لاتحصى من العتاد والنقود والأطعمة وكان الشيخ عبد الواحد يعطي لكل من يأتي له برشاش بريطاني 15 ليرة ذهب فتجمع لديه أربعون رشاشاً وكان بينها أيضاً مدفع عيار 18 رطل . الأيام الأخيرة للثورة:
كان لسقوط طويريج والكوفة واستسلام كربلاء والنجف في وقت متأخرمن ثورة العشرين قد أثر بشكل مباشر في انهيار معنويات الثوار وتركهم السلاح وعودتهم إلى ديارهم ولم يثبت منهم في ساحات الحرب إلا القليل ممن تحصنوا في أبو صخير مثل نور الياسري وعلون الياسري ومحسن أبو طبيخ وعبد الواحد الحاج سكر، ولم تحاول القوات البريطانية الدخول في معارك مباشرة مع الثوار في هذه المنطقة لمعرفتها بقوة الثوار واستمكانهم فعمدت إلى أستخدام الطائرات في قصفها، واستمر القصف ستة أيام وبعد ذلك أرسل إليهم الحاكم البريطاني بعض الأشخاص من رؤساء العشائر يعرضون عليهم الاتفاق على صيغة وثيقة صلح يرتضونها وكان الشيخ عبد الواحد يفكر بالرحيل إلى الحجاز ولقد جهز نفسه لذلك، لكنه غير رأيه بعد ذلك بعد أن تم استدراجه من قبل البريطانيين للإيقاع به، حيث يصف فريق مزهر الفرعون ذلك بأن رسالة وصلت من الشيخ محسن شلاش للشيخ عبد الواحد الحاج سكر وهو في أبو صخير تخبره برغبة الحاكم العسكري للواء النجف والشامية بمقابلته وأنهم يتعهدون له بشرف بريطانيا والحظ والبخت أن لايمسوه بسوء: ( أحضر عندنا لأجل بعض المذاكرة وأنت أمين بشرف حكومة بريطانيا والحظ والبخت تأتي سالماً وتعود غانماً وبوجداننا
نحن الموقعين على المذكرة ترجع لمحلك(5 ولقد قرر الشيخ عبد الواحد أن عليه أن يلبي هذه الدعوة فذهب أولاً لزيارة ضريح الإمام علي عليه السلام ومن ثم تم اصطحابه من هناك بعد أن أتم مراسم الزيارة والصلاة إلى مقر الحاكم البريطاني ووكر الذي وصف الشيخ عبد الواحد الحاج سكر بالخائن ورفض مصافحته فما كان من الشيخ عبد الواحد إلا أن رد عليه بقوة : ( أن الحكومة وعدتنا بالإستقلال ولم تف بوعدها ثم سلطت علينا موظفيها فعاملونا معاملة سيئة ماكنا نعتقد أن الحكومة تعاملنا مثل هذه المعاملة ) المصدر6 وعلى أثر هذه اللقاء والمحادثة تم أعتقال الشيخ عبد الواحد الحاج سكر وأقتياده مخفوراً إلى سجن الكوفة ومن ثم أصدر البريطانيون بلاغاُ عسكرياً يوم 4 تشرين الثاني 1920 يذكرون فيه أن الشيخ عبد الواحد الحاج سكر قد استسلم دون قيد أو شرط . موقف الشيخ عبدالواحد بالمحكمة : اتسم موقف الشيخ عبد الواحد الحاج سكر خلال المحاكمة العسكرية التي جرت في مدينة النجف الأشرف بالشجاعة والثبات حيث رد على سؤال الحاكم البريطاني عندما سأله عن المحرضين على الثورة والمشاركين بها معه 🙁 أنه هو وحده المسؤل عن عن قيام الثورة ولم يقم بها أحداً غيره وليس لأحد ذنب غيره (7
ولقد أجمل الشيخ عبد الواحد الحاج سكر مجمل الأسباب التي قادت إلى قيام ثورة العشرين بتفصيل وأسهاب حيث أنه وضع اللوم كله على الموظفين البريطانيين ووصفهم ( بأنهم عاملوا العراقين بقسوة مع العلم أن الحكومة البريطانية كان قد وعدتهم مرارا بالاستقلال التام ثم قال بدلاً من انجاز تلك الوعود جرى نفي العلماء والرؤساء إلى خارج العراق وأصبح كل عراقي غير آمن على نفسه وماله ولما أخذ العراقيون يطالبون الحكومة بأنجاز الوعود مطالبة سلمية وجه الموظفون أليهم الحملات العسكرية وصاروا يقتلون فيه ويحرقون ويحبسون وينفون فاضطر العراقيون إلى الدفاع بسلاحهم عن حياتهم وشرفهم )8
وبعدا الأنتهاء من سماع أقواله قررت المحكمة قرارها بنفي الشيخ عبد الواحد الحاج سكر إلى خارج العراق وأودع خلالها في سجن الحلة، ولقد عانى الشيخ في سجنه معاناة كبيرة فلقد تعمد البريطانيين إلى التضيق عليه ومعاملته بطريقة سيئة كان الغرض منها ايذائه والنيل منه على ما فعله بجيوشهم خلال ثورة العشرين فلقد أجبر على ارتداء ثياب السجناء دون غيره من رؤساء العشائر والمحبوسين معه وقيدت أقدامه بسلاسل الحديد لتمنعه من أداء الصلاة كما يريد، ثم نقل إلى سجن بغداد وفي بغداد لم يمكث طويلا حيث أنه أخذ لمقابلة طالب النقيب وزير الداخلية في الحكومة العراقية أنذاك الذي أبلغه أن الحكومة البريطانية قررت ترحيله إلى البصرة والمؤسف والغريب في هذا الأمر الذي تعرض له الشيخ هو أن السيد النقيب كان أكثر أصراراً من البريطانيين على ضرورة ابعاد الشيخ عبد الواحد من بغداد إلى
البصرة حيث يذكر الشيخ هذه الواقعة ويقول أن أحد الضباط البريطانين سأله بعد خروجه من مكتب النقيب : (ماذا يريد منك هذا الوزير ؟ ولما علم بأمر ترحيله إلى البصرة حالاً قال ماقيمة أمر هذا الوزير ثم أخذ يذم السيد النقيب بكلمات نابية وقال أن السيد النقيب سيلاقي عقابه الصارم على تهوراته الكثيرة )9
يصف الجنرال هالدين القائد العسكري للقوات البريطانية في العراق الشيخ عبد الواحد الحاج سكر بقوله ) اذا أفتخر العرب فمن حقهم أن يفتخرو مادام فيهم رجل مثلك بما أبهرت عيوننا نحن الغربين حيث أنك قمت بثورة في العراق ضد بريطانيا تلك الدولة التي تعد من أعظم دول العالم ناشداً من ثورتك أستقلال بلادك وبذلت أموالاً ونفوسا وقدت تلك الثورة بنفسك وأخوانك من آل فرعون وأنت تسيرأمام قومك حتى نلت مناك ولم تنكر ذلك في كل أدوارك وأطوارك حتى في محاكمتك أمام المجلس العرفي العسكري كنت محافظا على الصدق والاخلاص لبلادك10
انتقل الشيخ عبد الواحد الى سكر إلى جوار ربه في بغداد في 7 تشرين الثاني 1956 عن مرض لازمه نحو سنة ودفن في مقبرته الخاصة بالنجف الأشرف وقد أصيبت قبائل العراق كلها بصدمة عنيفة لسماعها نبأ موته وأشتركت جميعاً في تشييعه تشييعاً مهيباً ببغداد . يصفه هبة الدين الشهرستاني بقصيدة يمدح بها سجناء ثورة العشرين في سجن الحلة : ( ولا فتى حراً كعبد الواحد ) ورثاه الشاعر محمد باقر الحلي عند تشيعه : لعمري لقد أكسبت قومك سؤددا ويهون ما أمسيت ظلما تكابدا فأن بك ذاك الخصم في الظلم مفردا فأنك يا عبد الحقيقه واحدا