بدا واضحاً لجميع المتابعين أنّ سلسلة المعارك التي جرت في الآونة الأخيرة في محافظة حلب وتحديداً في ريفها الشرقي ،ما هي إلا هدف من سلسلة أهداف استراتيجية كجزء من خطة ورؤية أكبر، لمسار الحسم العسكري التي يعمل عليه الجيش العربي السوري،فاليوم وصلت قوات الجيش العربي السوري إلى مشارف بلدة ومحطة الخفسة بريف حلب الشرقي بعد معارك ضد تنظيم داعش الإرهابي ، وتقدم الجيش على ثلاثة محاور اثنين منها باتجاه الخفسة ومحطتها؛ حيث حرر مؤخرًا بلدة جب قهوة والتي تبعد قرابة الثلاثة كيلومترات عن الخفسة، فيما تدور معارك على مداخل بلدة كيارية والتي تبعد 2 كم عن محطة المياه الرئيسية والمغذية لحلب، فيما حرر أيضًا خربة عباكية القريبة من مطار الجراح.
اليوم، لا يمكن إنكار أنّ خسارة تنظيم داعش لمواقعه المتقدّمة بمحيط بلدة الخفسة ، سوف تشكل بمجموعها عبئاً ثقيلاً على صانعي قرار الحرب على سورية، ولهذا يسعى الجيش العربي السوري بما لديه من قوات بعموم هذه المناطق لحسم هذه المعارك سريعاً لما تمثله من ضربة قاسمة لمشروع الحرب على سورية ، ولبداية مرحلة جديدة سوف تنطلق باتجاه الرقة عبر ريف حلب الشرقي .
هنا لا يمكن إنكار حقيقة أنّ محافظة الرقة بموقعها الاستراتيجي بشمال شرق سورية، تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية وتحتلّ أهمية استراتيجية، باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتدّ على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق وسط سورية وشرقها وشمالها، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية المرتبطة بالجانب العراقي والتركي، إضافة إلى كونها تشكل نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بمدينة دير الزور شرقاً وحلب شمالاً، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمحافظة الرقة في خريطة المعارك المقبلة بالشرق والشمال الشرقي والشمال السوري بشكل عام.
الجيش العربي السوري ، بدوره كان قد تكيّف سابقاً مع ظروف معركة الرقة التي انطلقت سابقاً عبر ريف محافظة حماه الجنوبي الشرقي باتجاه ريف الرقة “الشمالي الغربي ” وتحديداً باتجاه بلدة الطبقة،ولكن لظروف عدة توقفت المعركة حينها وتراجعت القوات إلى مواقعها بريف حماه ، والواضح اليوم أنّ القيادة العسكرية السورية بدأت من جديد فعلياً برسم ملامح جديدة لطبيعة المعركة في عموم مناطق ريف الرقة الغربي والتي من المتوقع ان تنطلق هذه المرة من ريف حلب الشرقي ، وها هي طلائع الجيش اليوم تقف على مشارف العمق الاستراتيجي للريف الشرقي لحلب ، وهذا ما أثمر مرحلياً مجموعة انهيارات واسعة في صفوف مسلحي التنظيم، وهذا الانهيار سيكون ضربة قاصمة للتنظيم الذي متوقع أن يخسر وداعموه في الأيام القليلة المقبلة مواقع هامة بريف حلب الشرقي .
ويمكن أن نقرأ وبناء على متغيّرات الساعات الأخيرة والتطوّر الملموس والنوعي في عمليات الجيش العربي السوري بعموم مناطق ريف حلب الشرقي التي تتجه نحو الخفسة وضفاف الفرات الغربية ومشارف الطبقة والرقة، أنّ خطط القادة الميدانيين في الجيش اتجهت بالمنحى الإيجابي، فخريطة العمليات العملياتية والتكتيكية والاستراتيجية وتبادل الأدوار والانتقال من خطة إلى أخرى والتكيّف مع ظروف المعركة بسلاسة ملحوظة، هذه المتغيّرات التي أدارتها بحرفية وحنكة ملحوظة القيادة العسكرية الميدانية للجيش العربي السوري بمجموعها، أثمرت وبعمليات نوعية وخاطفة عن ضرب خطوط الدفاع الأولى لمسلحي تنظيم داعش ومن ثم التقدّم السريع نحو الإشراف المباشر على عمق بلدة الخفسة ، من خلال تحرير مجموعة طرق وبلدات هامة تشرف على عمق الخفسة ، وبهذا يكون الجيش العربي السوري قد أمّن «مرحلياً» أولى مراحل التقدّم باتجاه البلدة ومنها لاحقاً إلى مدينة الطبقة ومنها إلى العمق الإستراتيجي لمحافظة الرقة.
ختاماً ، في هذه المرحلة، وبعد أن أصبح الجيش العربي السوري على مشارف المحيط الاستراتيجي للطبقة ،هنا تمكن قراءة الواقع وبشكل منطقي وأكثر واقعية، فعمليات الجيش السريعة والنوعية والخاطفة، شكلت صفعة قوية لتنظيم داعش ولصانعي قرار الحرب على سورية، وهذا ما سينتج عنه في الساعات الآتية انهياراً كاملاً للتنظيم في الخفسة ومنها بمرحلة لاحقة إلى مدينة الطبقة ومحيطها، وما سيصاحب كل هذا وذاك من انكسار تدريجي لمنظومة الحرب على سورية.