18 ديسمبر، 2024 8:47 م

ما بين الثقافة والسياسة !

ما بين الثقافة والسياسة !

الهموم الثقافية لا تقتصر على زاوية واحدة من الابداع، وانما تشمل كل مفاصل الحياة اليومية التي يعيشها المثقف، فما بين الكتابة التي هي مسؤولية تاريخية، وما بين الاشارة الى السلبيات التي ترافق الثقافة عموما، نجد ان الوعي عند المثقفين، قد ازداد بفعل الجانب السياسي الذي شغل الجميع، واعني ان الثقافة وهمومها تقدمت على الجانب السياسي ، لان الثقافة وفي كل مراحلها التاريخية كانت متقدمة على الايديولوجيات (السياسية)، لان الثقافة هي النبع الاول الذي يرتشف منه المثقف المبدع تجربته الانسانية، عكس السياسي الذي تسنح له الفرص في ان يتقدم بمنصبه السياسي على اقرانه، سواء أكان مثقفا ام غير مثقف وهذا ما افرزته الساحة السياسية كما يعرف الجميع، حيث نجد ان الوعي الثقافي يختلف من سياسي الى اخر، وبحسب الدرجات الاكاديمية والمعرفية والابداعية الذي يمتلكها هذا السياسي او ذاك، ولقد جرب هؤلاء السياسيون حظهم في دخول المعترك السياسي في اكثر من جانب وهم من دون قاعدة فكرية تستند على هذا الوعي الذي ذكرناه، لهذا فشلوا في التأثير على شريحة واسعة من المجتمع وبخاصة النخب المثقفة التي رفضتهم ، لانه ليس لديهم اي دور في الارتقاء بالمجتمع وتنفيذ متطلباتهم او اعطاء منهج وطني يخدم المواطن، حيث سمعنا بشعارات من دون تطبيق ، وعرف المجتمع ان هؤلاء يلهثون وراء المناصب لاغير، وبعد ان جربوا (ضربة الحظ) في الانتخابات.
لقد بقي المثقف يدافع عن صفاء الثقافة العراقية ودورها التاريخي في الارتقاء بالفرد العراقي، وبقيت الثقافة تتفجر كلما سنحت لها الفرصة في الوصول الى العقول التي تريد الحفاظ على الصورة الوطنية التي يحملها المواطن، ليس من باب المثالية او المزايدة السياسية، وانما من باب الحرص او العرف الاجتماعي والهم الثقافي الذي يتسع لاكبر شريحة من المجتمع، وهذا مالمسناه في الانتخابات الاخيرة، فالمثقف يدرك جيدا ان الاساليب التي اتبعها بعض السياسيين في الدعاية كانت على حسابه اولا، وعلى حساب الاموال الطائلة التي تحصل عليها اثناء وجوده في منصبه، وهي اموال العراقيين ثانيا، وعرف ان اللعبة السياسية تفوق الابداع الثقافي ، لان المثقف لا يملك غير رأيه وكتاباته في الصحف والمجلات، ولا يستطيع المثقف ان يقوم بدور لايليق به على المستوى الفكري والسياسي، وبالتالي فأنه يدلو بدلوه الحقيقي تجاه ما يعترك في مجتمعه من امور متناقضة ومحيرة، لانه يضع ابهامه بشرف على مسؤوليته الثقافية التاريخية في عقله وضميره وقلبه ، لا ان تنسحب قدمه الى الشطط والانحراف.
ان المثقف العراقي والثقافة العراقية يمران بأزمة حقيقية، فالمبدع العراقي سواء اكان في الداخل او الخارج، همه الاول الارتقاء بالثقافة التي يشوبها الغموض ، علها تعود الى مكانتها الوطنية والعربية، وتأخذ مسارها الحقيقي بين الثقافات، اما من الناحية الاخرى ، فان المثقف العراقي بحاجة الى الاهتمام به ودعمه من كافة الجوانب، وعلى المؤسسات الثقافية ان تدرك ان الثقافة واحدة، وهي غير خاضعة لمزاج هذا الوزير او ذاك الوكيل، وعلى وزارة الثقافة ان تعيد النظر بعلاقتها مع الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين. لان الاتحاد هو الركيزة الاساسية في بناء ثقافة متواصلة وملتزمة تجاه المجتمع، ومن ثم فأن التعاون بين وزارة الثقافة والاتحاد في اقامة النشاطات داخل العراق وخارجه، يجب ان يخضع لمعايير ثقافية وابداعية صحيحة. ويجب ان يمثل الادباء العراقيون من هو مبدع في المهرجانات الثقافية في الخارج، لا ان يوفد من يوفد وحسب درجة المسؤول في الوزارة، وحسب علاقته بهذا الموظف او ذاك، لان اشرف من يمثل الثقافة في الخارج هم الادباء والمثقفون المبدعون العراقيون الذين يمتلكون تاريخا ادبيا ناجزا.. وان لا تقتصر هذه الايفادات على اسماء مكررة، فالفرصة متاحة لجميع المبدعين الذين يمثلون الثقافة العراقية بحق.