لم تحظَ زيارة رسمية لمسؤول كبير او رئيس دولة الى العراق، مثلما حظيت بها زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني، والتي تمت باجواء مغايرة جدا ، عن الاجواء التي تمت بها زيارة عدد من الرؤوساء والمسؤوليين الذين سبقوا روحاني بزيارة العراق.
ظاهرا ان الزيارة لتعزيز العلاقة بين البلدين، والقيام بتوقيع عدد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية التي تخدم مصلحة البلدين، وهذا الامر شيء مشروع لا غبار عليه ، وهو ما تسعى اليه اي دولتين جارتين او كل دول العالم، لكن بحقيقة الامر ان العلاقة بين العراق وايران لا تحتاج الى تعزيز، فاذا كانت هذه العلاقة انتعشت بشكل كبير بعد عام 2003، فهي اليوم تعيش في اوج صلابتها وخاصة بعد الدور الايراني في موضوع حرب العراق ضد الارهاب وما قدمته من مساعدة كان العراق في امس الحاجة لها، بعد ان اوصد العرب بوجهه كل سبل الدعم والقبول به، بل ساهم العرب بتدميره وكان لهم دور رئيسي بتدفق الارهاب اليه ودعمه دعما منقطع النظير.
ان هناك مستويات عدة لزيارة روحاني الى العراق، وهذه المستويات تتفاوت من حيث الاهمية، وهي ليست مختصة بالعلاقة بين البلدين فحسب، انما تحمل رسائل عديدة للحكومتين ولشعبيهما وكذلك لدول المنطقة، وايضا لامريكا والكيان الصهيوني.
اما على مستوى البلدين، فهذه الزيارة عبرت عن مستوى العلاقة اللصيقة المبنية على الثقة اللا متناهية والمصالح المشتركة، وحاجة البلدين لبعضهما بشكل يصل الى الاشتراك في المصير.
كما انها تعبر عن اهمية العراق كبلد نجح في استيعاب الجميع، ونأى بنفسه عن كل المشاكل التي تعصف بالمنطقة، وعدم تدخله في شؤون الاخرين رغم المآسي التي تعرض لها والخسائر الجسيمة التي تكبدها، فضلا عن تعبيرها عن قدرة العراق الى المساهمة في استقرار المنطقة ككل ، وهذا ما عبر عنه رئيس الجمهورية برهم صالح الذي قال، ان “العراق يعيش لحظات تاريخية ، حيث عانى ما عانى نتيجة الصراعات الاقليمية ، مبينا ، ان “دول منطقة تتفهم ضرورة الاستقرار ودعمه في العراق ليكون ساحة لتلاقي المصالح”.
بالمقابل، عدّ الرئيس الايراني حسن روحاني، ان “العراق دولة اسلامية عربية هامة ، ويجب ان تحظى بعلاقات اقرب مع دول المنطقة، ونريد ان نكون بجانب العراق ومتحدين مع العراق، ليس ضد الاخرين ، انما لنستقبل الاخرين وتكون العراق ارضية لهذا الامر “.
ان هذين التصريحين من صالح وروحاني، لا يمكن ان يعلن عنهما باول لقاء بينهما في بغداد من باب الترف والمجاملة، انما يحملان رسائل مهمة جدا لدول المنطقة، وتوحيان عن مشروع وساطة كبيرة ربما سيضطلع به العراق مستقبلا لانهاء التوتر بالمنطقة ، والعلاقة غير الجيدة بين ايران وبعض دول المنطقة وخاصة الخليجية منها .
وهذان التصريحان يمكن ان ينضم اليهما تصريح وزير الخاريجة الايرانية محمد جواد ظريف، الذي اعلن من قلب العاصمة بغداد قبل زيارة روحاني لها بيوم واحد، عن استعداد ايران بالجلوس على طاولة واحدة مع السعودية لفتح جميع الملفات والبدء بعلاقات جديدة مبنية على المصالح المشتركة.
اذن .. ان تعزيز العلاقة بين العراق وايران ، ربما هي هدف ثانوي، مقابل الهدف الكبير الذي يمكن ان يكون العراق محوره ومحركه الرئيس، وهو تقمص دور الوسيط (المقبول) لدى الجميع في تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة المختلفة والمتصارعة فيما بينها.
فالعراق اليوم ، رغم ما تعرض له من أشقائه العرب، الا انه استطاع بشكل او باخر ان يحمل شعار (عفا الله عما سلف)، وهذا هو الذي شجع الدول العربية والخليجية الى الاقبال على العراق اكثر وفتح نسبة معينة من قنواتها الدبلوماسية.
ان الدول العربية رغم علمها بان العراق لا يحمل اي مشروع استهدافي لدول الخليج او المنطقة، الا ان هذه الدول كانت تتخذ من علاقة العراق الطيبة بايران ذريعة لاستهدافه، لكن بعد ان وصلت الى قناعة بان علاقة العراق بايران لن تؤثر علاقته بباقي الدول بدأت تستوعب وجود واهمية العراق.
ووفق هذه الرؤيا، فان اي طرف مهما كان حجمه لا يمكن ان يستطيع الاضطلاع باي مشروع تقاربي بين دول الخليج وخاصة السعودية من جهة ، وبين ايران من جهة اخرى، غير العراق الذي يعد القادر الوحيد على انهاء المشكلات بين ايران والسعودية .
كما ان هذه الزيارة فيها مستوى عال من حيث الاهمية بموضوع الحرب على الارهاب، فعند دخول الرئيس الايراني روحاني الى بغداد (التي يجب الاعتراف انها اهم ساحة لعدوتها امريكا)، كان دخوله اليها بمظهر المنتشي بالنصر على الارهاب ، الذي هو معبر عن الانتصار على امريكا نفسها.
وربما هذا السبب الرئيس الذي جعل كل وسائل الاعلام الامريكية والصهيونية تهتم غاية الاهتمام بهذه الزيارة وتراقبها اولا باول وتنقل احداثها بشكل ملفت.
والملفت اكثر ان روحاني وفريقه الدبلوماسي لم يتطرقوا الى المشكلات التي تعصف بينهم وبين دول الخليج، الا انهم لن يتخلوا عن دورهم في دعم المقاومة المسلحة في المنطقة، وقد اشار روحاني الى هذا الامر بشكل صريح، عندما تطرق بشكل واضح الى انتصار العراق بمعركته ضد داعش، ودعم بلاده للعراق في هذه المعركة.