درج الفلاسفة قبل كارل ماركس على مناهج يستهدفون من ورائها تفسير الكون، يطرحون الأسئلة ويجيبون عنها. أما الماديون الصراعيون فيريدون تبديل الكون وبعثه خلقا آخر. الماركسية موقف ثائر لا موقف المتفرج على الكون، فالإنسان الماركسي الفاعل العامل الحي هو خالق التاريخ.
من العناصر التي ساعدت ماركس في تركيز مقولاته ازدهار العلوم كافة في عصره ومنها العلوم الاجتماعية والاقتصادية في أوائل القرن التاسع عشر.
ولا شك أن ماركس تأثر كثيرا بالمفكر الانكليزي آدم سمث القائل: إن الإنسان حيوان اقتصادي وإن التجارة في جوهره إذ يشعر بحاجة ملحة الى البيع والشراء، كما يشعر بضرورة تبادل الكلام، ومن هذا الميل الطبيعي نشأ انقسام العمل، فكان الحداد والخياط والصباغ والفلاح، ونشأ التعاون وتبادل المنافع.
غير أن آدم سميث وسواه من المفكرين ظلوا نظريين، فوقفوا حيال رأس المال والعمل كما وقفت البرجوازية حيال الارستقراطية، ، وكانت تلك النظريات الصائبة مفتقرة الى جرأة ماركس نفسها؛ ثورة عملية عمالية ما عتّمت أن نشبت في فرنسا وهي ثورة العمال سنة 1831 ، وتحركت في تلك الآونة الطبقة العاملة في إنكلترا.
هنا وهناك بدأ غليان العمال واستشعرت تلك الطبقة حقها في الوجود، فتطلعت الى المستقبل بعين الأمل محاولة كسر أغلالها والانفلات من مظالم الرأسمالية، وأخذت تكيل اللطمات للبرجوازية الشائخة البالية الأعصاب. في هذا الجو عمل ماركس، وركز أسس الديالكتيك المادي ّفي العالم.
من هذه الأسس يعتبر العلم واقع حقيقي، فكل مرة تضع مقدارا معينا من الأوكسجين مع مقدار آخر من الهيدروجين تجد الماء، رغم أنف شك دافيد هيوم، وأبي حامد الغزالي.
إن المادية الماركسية أخذت القوالب وأول ما عمدت إليه من العناصر الصراعية مبدأ الكلية، فاعتبرت الطبيعة وحدة، واعتبرت الأجزاء بالنسبة الى الكل أجزاء متداخلة متصارعة منسجمة ديناميكية لا آلية ولا مثالية. ولا تخفى أهمية هذا المبدأ في الحقل العلمي ، فلا يستطيع العالم في النبات الاستغناء عن معرفة الكيمياء، كما أن الكيميائي لا يستغني عن معرفة الفيزياء، ولا العالم النفساني عن إدراك وظائف الأعضاء، لأن الإنسان يؤلف كلا واحدا مختلف الأجزاء، ويتبع عنصر الكلية.
لقد أجهد الكثير من الفلاسفة ومنهم أرسطو أنفسهم أيما إجهاد للوصول الى محرك أول يحرك غيره ولا يتحرك هو كي لا تذهب سلسلة المحركات الى ما لا نهاية له.
وها هي المادية الماركسية تضرب بمحركهم الأول عرض البحر. محرك الفلاسفة يشبه أل locomotive الذي يحرك القطار، إلا أنه جمّده وأولاه قوة دفع الحافلات الفاركونات، فجاءت الماركسية تقول:
هونو عليكم يا فلاسفة ويا أرسطو !! فقد تركنا لكم القطار واستبدلناه بالسيارة، والسيارة محركها داخلها.