22 ديسمبر، 2024 11:54 م

ما بعد الحداثة في العراق!

ما بعد الحداثة في العراق!

رغم أنني لا أحتمل بعض ما يطرحه تجار السياسة في بلادنا بشأن حقبة داعش، وما سيكون عليه الوضع بعد إلحاق الهزيمة بها في الموصل، إلا أنني أرى أن الموضوع جدير بالنقاش، حري بالمراجعة، في هذه المرحلة بالذات.
ومبعث اشمئزازي من طروحات هؤلاء أنهم نهازون للفرص، باحثون عن المغانم، طامعون بالسلطة. ولا يعنيهم في ماعدا ذلك أن يتضرر الناس، أو أن تحل بهم الكوارث. ولا يقلقهم أن يتمزق الوطن، أو ينقسم على نفسه. فمثل هذه الأمور لا تشكل لهم هماً، ولا تطرف لهم عيناً.
ولكن الواقع أن إعادة النظر في السياسة التي تسير عليها البلاد، ومحاولة تقييم ملف التنمية، ومراقبة التبدلات الاجتماعية والفكرية، هي في مجملها ضرورة حياتية. وإذا كان ثمة من يقوم بحرف هذه المسارات لغاية في نفسه. فإن هذا لا يبرر غض النظر عنها، أو الاستهانة بأهميتها.
ولعل أول ما يجب أن يوضع على طاولة البحث، هو مدى ملائمة النظام الجديد، القائم على أفكار ما بعد الحداثة، لحياة السواد الأعظم من العراقيين، ودرجة صلاحيته لمعالجة أوضاعهم، وحدود قدرته على بناء بلادهم. وهي أمور لا يشك أحد، في أنها لا تبعث على الاطمئنان في الوقت الحاضر.
ولا بد أن يتطرق البحث للعوامل التي جعلت الفساد يضرب بأطنابه في الأرض ويأتي على القسم الأعظم من موارد الدولة. ويبحث عن الأسباب التي عرقلت إنجاز المشاريع الكبرى، ومنعت تطوير القطاعات الخدمية، وحالت دون إيجاد بديل للموارد النفطية، وغير ذلك كثير.
إن هذه الأمور التي تمس الجوانب الحياتية للناس، هي الأولى بالحوار في مرحلة ما بعد داعش. وهي التي يجب أن يطالها التغيير حال عودة الأحوال إلى طبيعتها في البلاد.
أما حق تقرير المصير للأقليات الدينية والعرقية أو الرغبة بإنشاء أقاليم طائفية أو تقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة أو الالتحاق بدولة مجاورة .. فإن مثل هذه الخطط ، دستورية كانت أم غير دستورية، لا تحتاج إلى نقاش طويل لإثبات بطلانها، لأنها ليست إلا إفرازات لحقبة ما بعد الحداثة في العراق! ولا تصلح أن تكون واقعاً ملموساً فيه!
نحن نحتاج إلى مراجعة شاملة للدستور والأنظمة والقوانين والتقاليد السياسية والتنمية والتعليم والصحة والصناعة والنقل .. وغير ذلك من الأمور.
ونحتاج كذلك إلى تحديد حاجاتنا من مفاهيم أساسية كانت وماتزال المحرك الأساسي لكل الفعاليات اليومية مثل الحرية والأمن والاقتصاد والإدارة .. ألخ.
النقاش مطلوب في أي وقت، ولكنه لا بد أن يكون نقاشاً إيجابياً. أما الاتجاهات السلبية فيجب أن يقف الجميع بوجهها، حتى لا ترى النور في يوم من الأيام، على وجه الإطلاق.