23 ديسمبر، 2024 8:20 ص

ما بعد ارامكو .. منظور قريب

ما بعد ارامكو .. منظور قريب

جميل هو التحليل والتنبؤ العسكري وحل المعضلة ..جميل رغم صعوباته .. فعندما كنا طلابا بمستوى العمليات (كلية الاركان) حيث يفرضون عليك في امتحان تقدير الموقف موقفا عاما يتعلق بك كقائد فرقة وسيهجم عليك العدو وعليك ان تدافع بفرقتك على الورق طبعا ، او ان عليك ان تهجم بفرقتك على العدو وهكذا يعطونك خمسة ساعات فقط لا غيرها لتضع خطتك ولذلك كان التدخين مسموحا … انتقلنا بعد ذلك بسنين ورتب الى كلية الدفاع الوطني ليكون تقدير الموقف ستراتيجي شامل ولست قائد فرقة بل انت رئيس الجمهورية او صانع القرار والطلبة غالبا خليط من قادة فرق ومدراء عامون في الدولة وقادة في الحزب وتكون المعضلة ان الدولة الفلانية ستهجم على دولتك فكيف ستهيئ اقتصادك وسياستك ومجتمعك وجيشك لتحقيق النصر الستراتيجي وهنا يكون الوقت 20 يوما بدلا من الساعات الخمس وتشتعل المناقشات والحلول وهل نذهب الى اقتصاد السوق او غيره وكيف نحافظ على العملة وهكذا ولذلك قال آبائنا عندما نريد ان نصعب شيئا او نتفلسف به يقولون لنا (( لا تسوينا بلاتيقة)) والبلتيقة هي البولتيكا اي السياسة فيقال جي وبولتيك اي الجغرافية السياسية .

سنأخذ الجميل (الجانب العسكري) مع بعض التوسع لنقول ان ايران تبدو هي المنتصرة منذ بداية الأزمة لحد الآن ، وهي التي تمتلك زمام المبادأة ، وأدهشت العالم في هذا المجال وخصوصا في الجرأة والأقدام التي رافقت اتخاذها القرارات ، ولعل آخرها الهجوم الصاروخي الناجح على ارامكو يقابل ذلك ما يدل على ان المقابل نائم وهذا هو نوع من بناء الجيوش يتزامن مع ايمانك بأنك يمكن ان تعتمد كليا على قوة كبرى وعلى سياسة لينة ومال وهذا قد يصح ولكنه غلط كبير عندما يكون جارك راديكالي ويحمل طموحات هائلة كجمهورية ايران الاسلامية خصوصا وأن هذه الطموحات تحولت الى مواد اساسية في الدستور الايراني .. ولا مجال للحديث عن اسباب ما ظهر من عجز شبه كامل لدى السعودية في مجابهة الهجوم وأقصد طبعا عجز كل المنظومات المسؤولة عن صد الهجوم ، ولكن يمكن اجمالها بالاعتمادية على الغير (امريكا وحلفائها) في موضوعة ( الامن) الذي هو (كل شيء ) فأوروبا مثلا عندما اعتمدت على امريكا في تأمين المظلة النووية لها لم تعتمد اعتمادا كاملا .. ولا تستمعوا لأي تبرير غير هذا التبرير …انه النوم والاسترخاء وممارسة (الرفاه) بطريقة سلبية ولدي مثل على ذلك باعتبار ان النظام الخليجي هو واحد تقريبا وهو ان جيش العراق عندما دخل الكويت لاحظ وجود نقص بالأفراد في احد الالوية الكويتية وكان الجواب انهم يسافرون للخارج يومي الخميس والجمعة .. بينما اتذكر اني كنت ضابطا صغيرا في اللواء المدرع العاشر (رتل القعقاع وبطل ملحمة الخفاجية ) وفي السبعينات عقد الاستقرار والرفاه استدعيت للالتحاق باللواء فورا ، ولما وصلت عرفت ان السبب حريق بسيط جدا في سينما النصر ببغداد !!!

كلنا اليوم نحاول تلمس رد الفعل الامريكي وليس السعودي بالتاكيد ، وتتذكرون اني وعدتكم في بداية الازمة ان الاطلاقة الاولى لن تكن من امريكا مطلقا بل ستكون من ايران ..لماذا؟؟

لأن امريكا لديها بدائل للحرب ، ولا يوجد مجانين كثيرين كبوش الابن يلجئون الى الحرب ، وهم لديهم وسائل اقل عنفا واقل كلفة ولعل أهمها ليس الحصار بل سياسة (الخنق) التي اقترحها مستشارو بوش الابن عليه ، وأكدوا له ان العراق سيسقط اثرها بستة اشهر فأجابهم (( كيف يمكنني النوم مرتاحا لستة اشهر وصدام ومعه 7000 دبابة ومدرعة على حافة آبار النفط السعودية ؟؟)).. واليوم العقوبات الامريكية لا زالت تطال 40% بالمئة من الاقتصاد الايراني ولديها غير ذلك الكثير ، فلديها فضلا عن الحرب السيبرانية ال 60% المتبقية من الاقتصاد الايراني التي يمكنها ان تقضم نصفها .. اما الحرب فهي ستكون الخيار الاخير الذي سترغمها ايران على اختياره ان نجحت في استفزاز ترامب وجره الى خيار ليس في صالحه فالوقت وانتظار نتائج الخنق الاقتصادي الذي سيتحقق بفعل ضربة ارامكو ، والذي سيكون امضى تأثيرا كلما تعرضت ايران لمصالح امريكا وحلفائها في المنطقة . اي ان الستراتيجية ستكون ايران تجازف وتكسب على الصعيد المعنوي وامريكا تصبر ويساعدها في صبرها عدم ايمانها بالقيم والكرامة .. المهم ان تربح في النهاية

ربما سيسأل سائل .. الا تعلم ايران بكل ذلك؟؟؟ الجواب تعلم ولكن يبقى خيارها الاول والاخير هو التحرش واستخدام الاذرع لكسر ارادة امريكا على تدميرها ، ولكن المعطيات لحد الآن تشير الى صبر استراتيجي امريكي يعي ان الهدوء والصبر والعقوبات وترك الحماس والقيم والهيبة والذلة جانبا والتمسك بالهدف النهائي وادامته افضل وارخص واسهل من اي قتال مع عدو عنيد ذي اهداف ايدلوجية بعيدة المدى ، يبقى الخيار العسكري لأمريكا متاحا كخيار اخير بعد سقوط كل الخيارات وليس 99% منها فقد تتمكن ايران من جرها الى ارض المعركة وليحصل ما يحصل ( اخبطها واشرب صافيها) وغالبا ما يجد اصحاب هذا الشعار ان (صافيها) هو شراب الاقوياء وليس الشجعان او المغامرين