18 ديسمبر، 2024 6:53 م

ما بعد احتفالات عيد العمال

ما بعد احتفالات عيد العمال

بدأت الصحف بنشر التهاني والتبريكات للعمال في عيدهم العالمي في الأول من مايو، وسيستمر نشر أخبار الاحتفالات وفعاليات التكريم التي تنظّمها الوزارات والشركات والمؤسسات، لأسابيع قادمة.

هذا الاحتفاء استحقاق واجب، تجاه هذه الطبقة المُجِدّة الكادحة التي لم تعد مقتصرةً على العمّال، بل تشمل اليوم قطاعاً واسعاً من المهنيين وأصحاب الوظائف المختلفة، ممن يبنون الأوطان في صمت.

مع ذلك، فإن هذه الأجواء الاحتفالية البهيجة، لن تستطيع إخفاء الواقع العمالي، وما يعانيه العمّال من صعوبات وتحديات وجودية، وفي مقدمتها استمرار تراجع مساهمة العمالة الوطنية في سوق العمل، إلى ما دون العشرين في المئة، بعدما كانت تتجاوز الستين قبل عقود. بل إن البيان المشترك الذي أصدرته جمعيات التيار الوطني، أشار إلى تدني نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص إلى أقل من 16%، وأنه «بينما انخفضت العمالة الوطنية بنسبة 1% خلال الربع الأخير من العام الماضي، ارتفعت العمالة الأجنبية بنسبة 11%»، وهو «مؤشر خطير على العجز عن إصلاح سوق العمل».

الحركة العمالية في البحرين تجر وراءها تاريخاً نضالياً مشرفاً، وقد ساهمت في الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار، ودفعت الحركة النقابية ضريبة المشاركة في الحراك السياسي لعقود. واستمرت في الدفاع عن مطالبها العادلة والحقوق الأساسية، الاقتصادي أو الاجتماعية والحقوقية، حتى جرى الاعتراف بهذا اليوم عطلة رسمية، وقبول تمثيل العمال، باعتبارهم أحد عناصر الإنتاج الثلاثة.

لكن المراقب سيلاحظ أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً عن حماية حقوق العمال وما حقّقوه من مكتسبات، ليس على مستوى منع مسيرة الأول من مايو، بل زيادة القيود على الحركة النقابية، ومحاولة تشطيرها من الداخل، والتراجع غير المعلن عن سياسة «البحرنة»، التي نجحت سابقاً في الحفاظ على الحد الأدنى من الالتزام بتوظيف العمالة الوطنية. أما اليوم فنشهد حالات الفصل التعسفي والتسريح من الأعمال لدى الكثير من الشركات والمؤسسات والمصارف، في ظل سوقٍ تسيطر عليه قيم الرأسمالية المتوحشة.

إن فرض سياسات الخصخصة واقتصاد السوق المفتوح، وفتح الباب على مصراعيه أمام استقدام الأيدي العاملة الأجنبية دون أية قيود أو حدود أو مراعاة للمصلحة الوطنية العليا، هو الذي أسهم في انقلاب المعادلة لصالح الأجانب، حيث باتوا لأول مرةٍ في تاريخ البحرين، يمثلون أكثرية السكان. ورغم معرفة الجميع، حكومةً ومؤسسات قطاع خاص، بهذا المنحى التدميري على الاقتصاد، إلا أن العجلة ما تزال تدور وتطحن، ليستمر الخلل الهيكلي في سوق العمل، بوجود أعدادٍ متزايدةٍ من العاطلين من خريجي الجامعات، ممن لا تتاح لهم فرص العمل ولو بأجورٍ متدنيةٍ، بينما يذهب 90 في المئة من فرص العمل التي يولّدها الاقتصاد لصالح الأجانب. وهو وضعٌ سيؤدي إلى تفاقم حالة الغضب الشعبي وعدم الاستقرار السياسي، مع استمرار تفاقم معدلات البطالة.

بيان جمعيات التيار الديمقراطي دعا الحكومة لتنفيذ الاتفاقية الدولية رقم (111) التي صادقت عليها، والخاصة بالتمييز في الاستخدام والمهنة، وإصدار القوانين التي تجرّم التمييز، مع ضرورة مساواة المرأة بالرجل في الحقوق المهنية وعدم التمييز بحقها في العمل، وفتح المجال في جميع الوزارات الحكومية للعمل من أبناء البلاد دون تمييز على أساس الجنس والمذهب واللون والأصل.

إن تصريحات المسؤولين بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية تحلق في وادٍ آخر غير الوادي الذي يعيش فيه الناس، فالوزير يتحدّث عن توظيف 2000 عاطل شهرياً، بينما لا يتم توظيف مثل هذا العدد عملياً خلال نصف عام. لقد أصبحت لعبة الأرقام التي يتلاقفها وزراء العمل لا تغري أحداً بالتصديق.
نقلا عن الوسط