السلطة القضائية العراقية هي الضمانة الرفيعة لدى الشعب والبعيدة دائما عن التأثر والضغوط. فربما تتعرض السلطة التنفيذية والتشريعية للخلافات والتوترات والتجاذبات في الشأن السياسي . تبقى السلطة القضائية هي الملاذ والسد المنيع الذى يضبط العلاقة بين السلطة والمجتمع وبين المجتمع وبعضه بل وكله .وكما معروف اذا كان القضاء بخير فالدولة بخير حتى ولو كانت بأسوأ أحوالها .
فسلطة القاضي كسلطة الحاكم ملزمة في السن والفصل والقضاء والحكم بين الناس.. يكاد يكون هناك اتفاقاً عاما بين مواصفات الحاكم والقاضي. لذلك كان الحرص دائمًا على صون وحماية المؤسسة القضائية واحترامها وتقديرها وإبعادها عن الخلافات والتوترات. فقد ورد قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط، شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)). وفي حديث الرسول (ص) عن مكانة القضاء والقضاة قال ((القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض قضى بجهل فهو في النار وقاض عرف الحق فجار.. فهو في النار)).
الفساد في العراق لا مثيل له في العالم وهو متصدره على مدى 15 سنة على التوالي واصبح ثقافة ساهم بشكل كبير جدا في تمزيق نسيج المجتمع العراقي . وهو أساس تواجد وانعاش التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية .لذلك يتطلب لمواجهته إلى منظومة متكاملة وفي مقدمتها تفعيل دور الادعاء العام الذي لانشعر بدوره لحد الأن رغم وجود قانون خاص به . واذا كان هناك تخوف من ممارسة دوره المطلوب على السلطة القضائية تامين حمايته وأسرته لحد الاطمئنان بعيدا عن الإرادة السياسية وسلاح المليشيات لإحقاق الحق ورفع المظالم ومعاقبة حيتان الفساد وأنصاف الناس .
بتاريخ 4 من الشهر الجاري كشف رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بوجود 13 ألف ملف فساد تحت التحقيق وفي السياق نفسه أعلنت هيأة النزاهة عن مشاريع متلكئة في محافظات البصرة وصلاح الدين وبابل وميسان بقيمة 4 تريليون دينار. السؤال الذي يفرض نفسه: كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد من الاستهتار بالمال العام؟. ناهيك عن السرقات وملفات الفساد مختلفة العناوين منذ 2003 والقائمة لن تنتهي إذا لم يشعر الفاسدين بالاطمئنان وعدم المحاسبة. مسؤولية القضاء تستلزم إنهاء كل أنواع الفساد وإرجاع المال العام ومحاسبة المزورين والمتجاوزين على الحق العام .
وينبغي التأكيد على أن القضاء مهما كانت فاعليته ، فإنه لا يمكن أن نحمله وحده مسؤولية مكافحة الفساد ، ما لم يتم التكاتف بين جميع مؤسسات الدولة والمجتمع في هذا الاتجاه . لذا أرجو من رئيس دائرة الادعاء العام أن يخرج للشعب العراقي إعلاميا ليبين السبب الرئيسي وراء عدم محاسبة حيتان الفساد من رموز الطبقة السياسية وغيرهم وعدم القصاص منهم قضائيا رغم الأضرار التي لحقت بالدولة والمجتمع من جراء الأفعال المخالفة للدستور والقانون والأنظمة والمسؤولية والأخلاق. وهو أهم مطلب شعبي، وبدون القضاء على الفساد استحالة تحقيق الاستقرار الأمني والسعادة والتطور. أملنا كبير بالاستجابة. وحمى الله العراق وأهله.