تمـهيــــــد
وقتما نستعرض السيناريوهات المتوقعة لـ”تحرير محافظة نينوى ومدينة الموصل” تتبيّن اما ناظرَينا المعوّقات المتسببة في التأخر الحاصل لخوض هذه الحرب وإحتمالات إطالة أمدها، ولذلك أخوض هذه الدراسة المختصرة وفقاً لمراحلها الواضحة التي إختصرتها ضمن العناوين الآتية:-
1. المرحلة الأولى:- التفاهمات السياسية والإستحضارات الميدانية.
2. المرحلة الثانية:- التقرّب نحو “الموصل”.
3. المرحلة الثالثة:- محاصرة مدينة “الموصل”.
4. المرحلة الرابعة:- إقتحام مدينة “الموصل”.
5. الإستحضارات النهائية وتعقيداتها.
“حرب الموصل” ومراحلها
إن الذي أطلـَقَت عليه وسائل الإعلام العراقية والعالمية بـ”معركة تحرير الموصل” ليست مجرد معركة عسكرية كما يتخيّلها البعض ممن لا يفقهون شيئاً من أمور الصراع الدموي الدائر في العراق والمنطقة، بل هي ((حــرب)) بكل ما في الكلمة من معانٍ إستراتيجية وعملياتية وتعبوية/تكتيكية وإقتصادية ومالية وثقافية وإجتماعية وإعلامية، ينبغي تقسيمها (إستراتيجياً) إلى مراحل عديدة وصعبة ومتشابكة، حيث تشتمل كل مرحلة عدداً من المعارك التي تتجزأ الواحدة منها إلى عدة صفحات… وإليكموها:-المرحلة الأولى:- التفاهمات السياسية… والتي تشتمل:-
1. “واشنطن-بغداد-أربيل” حول “البيشمركه” ومكاسب حكومة إقليم كردستان.
2. “بغداد-طهران” وقيادات الحشد الشعبي المرتبطة بهذا وذاك.
3. “بغداد” وقيادتـَي (الحشد الشعبي والحشد العشائري) وقيادة (الحشد الوطني/الموصلـّي) إلى جانب العشرات من قادة فصائلها وتفرعاتها حول مشاركة الحشد الشعبي في “حرب الموصل” من عدمها.4. “بغداد-واشنطن-آنقرة” حول مشاركة القوات التركية من عدمها.
5. الأدوار المناطة لكل دولة منضمّة للتحالف الدولي بقيادة “واشنطن”.
6. التهيّؤ لإسكان (1,000,000) نازح يضافون إلى (3,000,000) منذ سنتين ومواصلة إعاشتهم.
7. كيفية إدارة محافظة نينوى ومدينة الموصل ما بعد تحريرهما.
المرحلة الثانية:- التقرّب نحو “الموصل”
· تسمية قائد واحد للعمليات وإعداد مقر لقيادته.
· تحديد المسؤوليات والصلاحيات والمهمات والواجبات والمحاور لجميع القوات المسلحة العسكرية وشبه العسكرية غير المتجانسة في نوعياتها وأساليب أدائها والمتعاكسة فيما بينها والمتضادّة في بعضها.
· التقدم على (13) طريقاً وسط المحاور المفترضة التي تؤدي إلى ضواحي “الموصل”، بضمنها (6) طرق دولية… وهي:-
1. الطريق الدولي تكريت-بيجي-الشرقاط-القيارة-الموصل.
2. الطريق المحاذي لـ”دجلة” القيارة-حمام العليل-الموصل.
3. طريق مخمور-كوير (نهر الزاب الكبير)-الموصل.
4. الطريق الدولي كركوك-ديبكة-كوير (الزاب)-الموصل.
5. الطريق الدولي أربيل-كلك (الزاب)-الموصل.
6. طريق عقرة-بعشيقة-الموصل.
7. طريق سرسنك-عين سفني-الموصل.
8. طريق القوش-تلكيف-الموصل.
9. الطريق الدولي تركيا-زاخو-دهوك-الموصل.
10. الطريق الدولي الحسكة-ربيعة-الموصل.
11. الطريق الدولي الرقة-سنجار-تلعفر-الموصل.
12. الطريق الصحراوي من أعالي الفرات-الموصل.
13. طريق الحضر-الموصل.
· السيطرة الكاملة على جانبَي تلكم الطرق وتحقيق حمايتها ومراقبتها على مدار الساعة كي تسير عليها الأرتال العسكرية والشاحنات بأمان.
· الإمساك بالمئات من المدن والبلدات والقرى ومفارق الطرق والمرتفعات المسيطرة على ما حواليها.
المرحلة الثالثة:- محاصرة مدينة “الموصل”
· نشر قوات ما بين المحاور التي تحققت السيطرة عليها.
· تطهير القرى والبلدات الواقعة بين الطرق الرئيسة.
· سدّ الثغرات لإحكام الحصار بالدوريات والرصد والنيران المتساندة.
· تحشيد قوات مدربة على قتال المناطق المبنية والشوارع وذات إقتدار على إقتحام المدينة. المرحلة الرابعة:- إقتحام مدينة “الموصل”
· قبل كل شيء أقول أن “الفلوجة” التي دام حصارها (28) شهراً مصحوباً بقصفات مدفعية وهاوناتية وصاروخية وجوية بمعدلات يومية، وطالت معركة إقتحامها (5) اسابيع وهي بواقع (5×7) كلم -أي بمساحة (35) كلم2!!! فكم سيدوم حصار مدينة “الموصل” ذات مساحة (180) كلم2 على أقل تقدير؟؟ وكم سيستغرق إقتحامها وتحريرها؟؟؟
فإذا تفاءلنا وخصصنا ((يوماً واحداً)) فقط لتحرير ((كيلومتر مربع واحد)) فإن المرحلة الرابعة والأخيرة من “حرب تحرير الموصل” (لوحدها) ستستغرق (180) يوماً متتالياً في حالة سير المعارك على ما يتمناه المخططون لخوضها.
· لقد لاحظنا في قاطع “مخمور” الذي إنطلقت المعركة في بقاعه منذ يوم (السبت-26/3/2016)، حيث لم تحقق القوات العاملة هناك -على كثرتها العددية- خلال (100) يوم سوى إستعادة عدد من القرى المتناثرة والمهجورة في معظمها.
· ستبقى معضلة النازحين من “الموصل” -ومئات البلدات والقرى المحيطة ذات الكثافة السكانية العالية- من أعظم التحديات والمصاعب والمصائب التي ستواجه القائمين على هذه الحرب… وإذا كان عدد النازحين من معارك المدن الكبيرة السابقات بعشرات أو حتى مئات الآلاف وقد أصابتهم البهذلة والمهانة والإهمال وسط مخيمات هزيلة لم تحقق الدولة سواها لأجلهم… فكم يتطلـّب إيواء (مليون) من البشر عند المباشرة بتحرير “محافظة نينوى”. الإستحضارات النهائية الشائكة
إضافة لما ذكرناه، فإن الإستحضارات النهائية قبل البدء بالمرحلة الأولى تتطلب ما يأتي:-
1. الإنتهاء من إنشاء “قاعدة تموين/لوجستية” وسط “قاعدة القيارة الجوية” لإدامة معركة التقرب نحو مدينة “الموصل” قبل محاصرتها وإقتحامها.
2. إستكمال التحسينات الجارية على القاعدة ذاتها لتعمل منها الطائرات الأمريكية إلى جانب “الحبانية” البغدادي، والتاجي” ومطارات إقليم كردستان العراق المتاحة.
3. تحقيق كامل الأمان في محيط “قاعدة القيارة” وحول جميع مناطق التحشّد القوات الأخرى.
4. تهيئة القوات البرية الأمريكية ليشارك البعض منهم في معارك “حرب الموصل”.
5. تحشيد العديد من فرق الجيش والقوات المسلحة والقطعات شبه العسكرية بأسرع ما يمكن وفقاً لخطط رصينة لإنتشارها وإسكانها وتامين متطلباتها وسط تلك البقاع.
6. الإتفاق على تحديد يوم (ي) للمباشرة بالتقدم المنسّق لجميع الأرتال وعلى المحاور كافة بتوقيتات متزامنة.
7. جعل القيادات المتنوعة تحت قيادة ميدانية واحدة تـُناط بإمرة قائد واحد، كي تحدّد المسؤولية ويُحاسب المقصّر ويكافأ الجيد.
8. إتخاذ قرار حاسم حول مشاركة فصائل “الحشد الشعبي” الذي تتعاكس حولها الآراء.
9. التنسيق النهائي مع حكومة “إقليم كردستان” حول مشاركة قوات “البيشمركة” الكردية في هذه الحرب، وما المحاور التي ستتقدم عليها؟؟ وشروط الجانب الكردي في هذه المشاركة؟؟
10. التوصل إلى قرار سياسي حول دور “القوة التركية” المنتشرة في قاطع “بعشيقة” أو التفاهم على إنسحابها من المنطقة التي تتحشد فيها منذ سنتين، إذْ ما زالت “آنقرة” تصرّ على المشاركة في هذه الحرب.
11. تحديد الأدوار التي سيؤديها المستشارون الأمريكيون والغربيون المرافقون للقوات العراقية والبيشمركة وفصائل الحشد الوطني/الموصلي وسواها من القوات المسلحة؟؟… وماهيّة المهمات التي ستـُكلـّف بها القوات البرية الأمريكية القتالية في هذه الحرب؟؟
12. تحديد الواجبات التي سيؤديها (15,000) مقاتل من “الحشد الوطني/الموصلـّي” الذين تدرّبوا -حسب المعلومات المتاحة- على أيدي القوات التركية؟؟
13. إتخاذ الإجراءات الصارمة لتقليل تضحيات القوات البرية العراقية المشتركة في هذه العمليات، إذْ تحسّس الجميع أنها كانت هائلة في معارك الرمادي والفلوجة وسواهما.
14. ضرورات الحدّ من إيقاع الخسائر في صفوف المدنيين والممتلكات والمباني بعدم السماح للقصف العشوائي أو غير الدقيق لتكون ((حرب تحرير)) وليس ((حرب تدمير)) بإستخدام القنابر (الحرّة) غير الذكية والصواريخ التي تقذفها الطائرات والسمتيات على شكل مجاميع، والإبتعاد عن القصف المدفعي والهاوناتي والراجماتي، بل يجب الإعتماد على مجاميع ((غيورة)) من القناصين ورماة الرشاشات والـ(R.P.G) الدقيقين.
15. إتخاذ إجراءات حاسمة وتخصيص ما يمكن تخصيصه من قوات تتخذ إجراءات ميدانية فورية حيال كل من يخترق حقوق الأهلين في ساحات المعارك، بما فيها الإعدامات العاجلة.
16. تخصيص مئات الملايين من الدولارات من موازنة الدولة العراقية لتغطية مصاريف كل تلكم الإستحضارات التمهيدية قبل المباشرة بالتقدم نحو “الموصل”، ومبالغ أضخم بكثير لتحقيق معارك حصار ثاني كبريات مدن العراق بواقع (180) كلم2 والبدء بإقتحامها وخوض قتال الشوارع فيها، وهي أوسع من مدينة “الرمادي” بعدة أضعاف، يسكنها حوالي (2,000,000) من البشر، معظمهم مغلوبون على أمورهم على أيدي (داعش) بعد أن إنهزم -أمام ناظرَيهم- قادة برتب “فريق أول وفريق” و(ثلاث) فرق من الجيش العراقي تاركين دباباتهم ومدرعاتهم ومدافعهم وعجلات قتالهم المصفحات وفرقة رابعة من الشرطة الإتحادية المدربة جيداً، وقد تركوهم على حالهم يتضوّرون محتارين بين هذه السنادين وتحت تلك المطارق.. وفوق كل ذلك يلومهم البعض ويتهمهم آخرون بالرضوخ لتنظيم (داعش) وعدم مقاومته ولو بالسلاح الأبيض!!!
17. إعداد خطط نفسية تكسب بها الحكومة العراقية قلوب أهالي “الموصل” وكل مواطني “محافظة نينوى” ليصطفوا إلى جانب الدولة، وذلك بالترغيب بعيداً عن أساليب الترهيب التي أُتـّبِعت قبل نكبة العراق في (حزيران/2014).
18. تخصيص موقع ملائم لـ”خلية الإعلام الحربي” في “قاعدة القيارة الجوية” تعقد مؤتمراً صحافياً واحداً مساء كل يوم يطلّ منه ناطق عسكري ذو كفاءة ودراية لشرح مجريات المواقف خلال الـ(24) ساعة المنصرمات، ولا يُسمَح لغير الناطقين المخوّلين بإسمها التحدّث عن المعارك الجارية لأي سبب كان، ومحاسبة الذي يطلق تصريحات وآراء وتكهّنات ورؤى لأغراض شخصية أو سياسية أو لأهداف أخرى.
19. عدم السماح لزعماء الكتل السياسية والوزراء ونواب البرلمان والأجانب كافة بزيارة قيادات العمليات ومقرات الفرق لأغراض فئوية ومصالحية معروفة، وذلك للحيلولة دون إشغال القادة والآمرين في جبهات القتال بأمور المجاملات والتزلـّفات الخارجة عن واجباتهم.
الـخــاتـمـــــــــة
على ما أوردته، ناهيكم عن نقاط قد تكون أكثر حساسية لم أودّ الخوض فيها، ورغم التصريحات والبيانات الحكومية وسواها عن تحقيق إنتصارات هائلة هنا وهناك، فإني أتلمّس إستحضارات هائلة ينبغي إعدادها لمجرد إنطلاق عمليات التقرّب نحو مدينة “الموصل” والمباشرة بمحاصرتها ربما في خلال شهر تشرين-1 القادم وقبل البدء بإقتحامها لاحقاً.
وأؤكد أن هذه الحرب -وأصرّ على تسميتها ((حرباً)) وليست مجرد معركة- ليست يسيرة وسهلة، إنما ستستغرق أشهراً عديدة في أفضل الأحوال وتكلـّف ضحايا بالمئات -وحتى بالآلاف- ما بين شهداء وجرحى بين العسكريين والمدنيين، تـُضاف إليهم بضعة مليارات من الدولارات لتغطية مصاريف هذه الحرب، وعشرات المليارات الأخرى -المشكوك كثيراً في توفـير حكومتنا لها- لتعويض المتضررين من هذه القتالات قبل المباشرة بإعمار مدينة “الموصل” ومراكز أقضية “نينوى” ونواحيها التي ستكلّـف عشرات المليارات.
تلك هي ((الحرب)) لوحدها بإستخدام النيران، أمـا ما سيأتي وراء الحرب وتفاصيل مخلـّفاتها ستكون أدهى وأمَرّ، وإذا إبتغينا تخيّـل إحتمالاتها وخلافاتـها وحيثيات إعمار ما خرّبته الحرب مادياً ومعنوياً ونفسياً وأخلاقياً وإجتماعياً وثقافياً وحضارياً ومحاولة إعادة الأمور إلى بعض نصابها، فإن ذلك يستغرق عشرات الصفحات.