استباقنا للاحداث له مسوغاته ،وتشاؤمنا له مبرراته،وقلقنا له اسبابه .فالاسس التي قامت عليها العملية السياسية وشيدت عليها التجربة الديمقراطية للعراق الجديد بعد سقوط سلطة البعث كانت بالغة الهشاشة ، والركائز التي ارتفع عليها بناء الدولة الحديثة لم تكن رصينة بمستوى ضخامة البناء ،ومستلزمات بناء حكومات قوية بمستوى الحدث الكبير وتداعياته لم تكن بالشكل المطلوب . العلامة الفارقة ،والشاهد الواضح،والدليل الصارخ المحسوس الملموس ..المرئي المسموع وحتى المشموم .. ركود العملية السياسية منذ 2003 الى يوم الناس هذا ، بل تراجع ونكوص واحباط ، خيبات تتبعها خيبات ، اخفاق يجر اخر ..فشل يؤدي الى الافشل ..وانحباس في دوامة فساد شائكة يصعب وربما يستحيل الخروج منها .من هنا تغشانى اليأس والقنوط . ما الذي يستطيع فعله وزراء التكنوقراط؟!. حتى وان كانوا عباقرة زمانهم وجهابذة عصرهم …حتى وان كانوا فلتات موهوبين في اختصاصاتهم، مادامت نفس الكتل والاحزاب هي ولي امرهم..رشحتهم بل فرضتهم، يأتمرون بامرها ويخضعون صاغرين لتوجيهاتها من خلال ما تقاسمته تلك الاحزاب والكتل من الموظفين والمدراء والمدراء العامين والمستشارين والمفتشين الذين تغص بهم الوزارات ،وتعج بهم الدوائر والمؤسسات .اي قرار سيصدره الوزير سيرضي جماعة ويغضب اخرى ، يتماشى مع اهداف ومطامع كتلة ويتقاطع مع اهواء ومشارب اخرى ، ولذا فمن البديهي ان يعترض مدراء ومستشاروالكتل التي تحسب ان الرياح ليست بما لا تشتهي سفنها ،وحتى لو اجبرت على القبول فستسعى لعرقلة تنفيذ تلك الاوامر والقرارات،وافشال تلك المشاريع .وتجربتنا مع الحكومات الخمسة الماضية كافية اذ لاحظ العراقيون جميعا …بسطاؤهم ونشطاؤهم ..مفكروهم ..مثقفوهم وسياسيوهم ..لاحظنا سلوك بعض الكتل والاحزاب وتصديها لاي مشروع والاعتراض لمجرد الاعتراض ..و الوقوف بوجه اية عملية بناء ولاسباب واهية واهداف مشبوهة .حتى اصبح الكل مفسدون ..وكل ٌ يخرب من موقعه !.حالتنا تخطت مرحلة الترقيع وربما الانقاذ. كأني بها اشبه بطبق طعام مدافٍ بسم زعاف ..يضيفون له المطيبات تارة ..والالوان تارة اخرى ، النكهات مرة والمقبلات اخرى ..يغيرون الكؤوس والاكواب ..يضعونه على ارقى المناضد والطاولات ..يحيطونه بالازاهير والرياحين ..يوقدون حوله دامعات الشموع .. ينيرون افخم الثريات ..يعزفون سمفونيات شتراوس وبتهفون واغاني فيروز ..لكنه مسموم ويظل مسموما.