23 ديسمبر، 2024 7:14 ص

ما الذي يزين صاحبه ويشين فاقده ؟!

ما الذي يزين صاحبه ويشين فاقده ؟!

يكاد رأسي ينفجر وقواي تنهار وأعصابي تتحطم حينما اتطلع الى أناس ينسبون أنفسهم إلى الاسلام وهم وحوش كاسرة، قد غادر الرفق واللين ذواتهم منذ زمن طويل! هذه الفئة الضالة بتصرفاتهم المشينة من ذبح وحرق وتدمير وتخريب عرفوا الاسلام بأنه دين سيف وعنف ولكنه دين رحمة ورفق، عرفوه بأن الرسول الاعظم قال حسب زعمهم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله، ولكنه دين يدعو الى الحكمة والموعظة الحسنة، قدموه للبشرية على أنه دين قائم على الغلظة والاذلال والتهتك والظلم والقهر والاسفاف، ولكنه فاتهم بأن النصوص الصحيحة كلها تؤكد على أنه دين قائم على اللين والكرامة والعزة والعدل والتطور والرفاه، أين دين التكفيريين من دين الكتاب والعترة؟! أين الذبح والحرق والسبي والتعذيب والتنكيل من قول الرسول الاعظم عندما تمكن من أهل مكة في عام الفتح وبالرغم مما لاقاه منهم من عنت وظلم، قوله: اذهبوا فانتم الطلقاء، هذه هي سماحة الاسلام، انه دين رأفة ورفق ومداراة وليس دين حقد وقتل والغاء، وما ينسبه التكفيريون من أعمال مشينة للإسلام، فإن الله ورسوله والأئمة الهداة بل جميع الأنبياء والمرسلين براء من تلك التصرفات الوحشية التي باتت شاخصة بأنها تحاول النيل من عظمة الاسلام لحاجة في نفس يعقوب قضاها، وهي بالتالي تصب في مصالحهم التي تتعارض بالفعل مع عدالة الاسلام الأصيل.
وها هو رسول الرحمة قد وضع الفاصل بين أولئك الذين يتحلون بالرفق واللين والرأفة والذين يتصفون بالشقاق والنفاق والغلظة بقوله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم: (الرفق رأس الحكمة، اللّهم من وليَ شيئاً من أمور أُمتي فرفق بهم، فارفق به، ومن شقق عليهم فاشقق عليه). (بحار الانوار ٧٥ : ٣٥٢) الرفق هو التعامل اللطيف مع العدو فضلا عن الصديق، قال تعالى: (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ). (طه، 43 ـ 44) والحكمة كما لا يخفى هي وضع الشيء في محله، ولما كان الرفق هو من محامد الصفات التي يتصف بها الخالق المتعال وأنبياءه الكرام وذوي الحجى والالباب، وبه يعالجون سقم الناس، فهو الدواء المحكمة مراهمه، والبلسم الناجح شفاؤه، ينفع مع الفرد في تطبيبه وتهذيبه، ومع الاُمّة في تدبير أمرها وسَوْسها، فكم من واقعة استطاع النبي الاعظم وأهل بيته الكرام ومن خلال الرفق ليس بالمؤمنين فحسب بل حتى بغير المسلمين والمنافقين ان يكسب ودهم ويجرهم الى حياض الاسلام بطيب خاطر وقناعة واذعان وليس بالتهديد والسجن والارهاب، فالنبي الأعظم بعد أن يعرّف الرفق بأنه رأس الحكمة، يتوجه إلى ربه بالدعاء بالرفق لمن يرفق بالناس، وبالمشقة على من يشق عليهم، ولاشك أن دعوة المصطفى حبيب الله هي دعوة مستجابة حتماً، وهي في الوقت نفسه كشف عن قانون وإرادة سماوية في المكافأة والمجازاة على الأفعال.
الاسلام دعا الى الرفق ليس بين المسلم وعدوه فحسب بل دعا الى الرفق في كل مناحي الحياة حتى الصحبة في الله فإنها عمل ممدوح، باركه الإسلام كثيراً، وحثّ عليه، وبشّر أهله بالثواب الجزيل والمنزلة الرفيعة، لكن بين المتصاحبين في الله تفاضل، فأحدهما أرفع منزلة وأعظم أجراً من أخيه، فبأيّ مزيّة نال هذا التفضيل؟! رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم يكشف لنا عن سرِّ هذه المفاضلة، فيقول: (ما اصطحب اثنان إلاّ كان أعظمهما أجراً وأحبّهما إلى الله عزَّ وجل: أرفقهما بصاحبه). (الكافي ٢ : ١٢٠ / ١٥ باب الرفق) الرفق إذن هو الذي رفع أحد الصاحبين على أخيه درجةً، وشرّفه بمنزلة من حبّ الله أعلى، واذا ضرب هذا الخلق الرفيع بأطنابه جميع الشرائح من زوج وزوجة ورئيس ومرؤوس وموظف ومراجع وكبير وصغير، أن يتحكم بأوساطنا جميعا الرفق واللين والتواضع، لصمدنا أمام المشاكل ولعظظنا على الجراح حتى تندمل وتكون انطلاقتنا نحو النجاح أسرع مما نتخيل، وطريقة تقبل الآخر لنا تكون مذهلة، كيف لا والرفق يدخل الى القلب من دون استئذان، وكفاه فخرا انه يزين صاحبه ويشين فاقده؟!.