بعد الخسائر المتتالية التي لحقت بعصابات داعش الإجرامية والانتقال الى ما تبقى من الضفة اليمنى لمدينة الموصل، بعد التحرير الكامل للضفة اليسرى، وبشكل أثار دهشة المتابعين لتلك الحرب شديدة التعقيد، حيث تواجه القوات العراقية نوع من حثالة البشر لا يتوانون عن ارتكاب أبشع الانتهاكات البعيدة عن معايير الشرف وتقاليد الحروب. لقد جاءت الفاجعة الأخيرة، والتي أدت الى مقتل وجرح العشرات من المدنيين في المعارك لتحرير الجانب الأيمن؛ لتسلط الضوء على الخلل الكبير لا في الجبهة العسكرية كما تسعى الدوائر التي خبرناها في مثل هذه المواقف طوال أكثر من 13 عاماً، بل في الجبهات الأخرى ولا سيما الجبهة الإعلامية، والتي لم توفق في النهوض بمهمتها ومسؤولياتها في هذه الحرب الحضارية الشاملة والمتعددة الوظائف والجبهات. أن الوصول الى المعلومة وتقديمها بنحوٍ سريع ومسؤول للمتلقي، هو من يؤسس لمصداقية وسمعة تلك الوسيلة أو ذلك المنبر الإعلامي، وعلى العكس من ذلك؛ تسهم المواقف والتصريحات المتناقضة والمترددة في شرح ونقل ما جرى، على إضعاف ما تبقى من ثقة بتلك المصادر والمؤسسات. كما أن هذه الهشاشة والضعف في التصدي لمثل هذه المسؤوليات الإعلامية الخطيرة، يرفد قوى الإرهاب والإجرام بكل ما تحتاجه من أجل الترويج لأكاذيبها وادعاءاتها الملفقة حول تلك الأحداث، وهذا ما لمسناه بنحوٍ سافر في الكارثة التي خلفت عشرات الضحايا الأبرياء في الجانب الأيمن من الموصل، عندما انبرت أطراف ووسائل إعلام عديدة للاستثمار فيها من دون أدنى وجع من عقل أو ضمير.
العالم كله ما خلا (حثالة المجتمعات والأمم) يجمعون على الانضباط الأخلاقي للقوات المسلحة العراقية من شتى الصنوف والتخصصات، وعلى حجم الإيثار والتضحيات التي قدمتها من أجل تحرير المناطق المحتلة من دنس هذه العصابات الإجرامية والهمجية. لكن المعركة مع مثل هذا العدو الذي لا يعير (لمن حاولت السماء تكريمه ذات عصر) أدنى اهتمام؛ لا يمكن أن تمر كما يتمنى البشر الأسوياء، فهم بوصفهم استمراراً لمنظومة الدونية والإجرام في كل محطات تأريخنا القديم والحديث، لا يمكن أن يفارقوا تقاليدهم وسلوكهم وممارساتهم المتخصصة في ارتكاب الجرائم والانتهاكات وإلقاء تبعيتها على الضحايا والطرف الآخر، وهذا ما نضح في العديد من التصريحات والحملات التي تناولت ذلك الحدث وأمثاله، حيث التقنية المجربة نفسها (إلقاء القبض على الضحية وإطلاق سراح الجاني).
أن الجهات والمصالح والعقائد والقوى التي أوجدت داعش وغيرها من المجاميع الإجرامية، لم تعد تشك في نوع النهاية التي تنتظر تجربته لا في العراق وسوريا وحسب بل في العالم كله، بعد أن يقصم ظهره في معركة تحرير الموصل في الأسابيع القليلة المقبلة، لذلك سيتحول اهتمامها الى مهمة؛ إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من تلك التجربة، على أمل إعادة تدويرهم لجولات مقبلة، كما تشير غير القليل من التقارير الصحفية والاستخباراتية في هذا المجال. مثل هذه التطورات والأحداث تدعونا الى الالتفات لخاصرتنا الرخوة في مجال الحرب الشاملة ضد الإجرام والفساد والإرهاب، والمتمثل بـ (الإعلام) والذي ما زال وبالرغم من المخصصات الحكومية الضخمة المخصصة له وللأعداد الكبيرة من ملاكاته، ضعيفا ومتخلفاً وعاجزاً عن مواكبة ما يتربص بنا من مخاطر وتحديات..
نقلا عن الصباح الجديد