23 ديسمبر، 2024 12:16 ص

ما الذي يجري بين أبل ومكتب التحقيقات الفيدرالي؟

ما الذي يجري بين أبل ومكتب التحقيقات الفيدرالي؟

ربّما يظن العديد من المتابعين والقرّاء أن شركة أبل في خلافها مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، تحاول، بوازع أخلاقي ومنطلق إنساني لا غير، حماية خصوصية سيد فاروق، المواطن الأمريكي من أصل باكستاني الذي قاد هجوماً إرهابياً على مركز برناردينو للضمان الإجتماعي في ولاية كاليفورنيا، بالإشتراك مع زوجته ومواطنته تاشفين مالك راح ضحيته أربعة عشرة شخصاً وأُصيب فيه عشرةٌ آخرون إضافة الى المهاجمين آواخر العام المنصرم ، أو أن الطرفين، أبل ومعها أغلب قريناتها من شركات تكنولوجيا المعلومات من جهة، ومن جهة أخرى الأف بي آي ممثلةً لإدارة أوباما، وخلفه العديد من منظمات المجتمع المدني المناصرة لتطبيق القانون، يتنازعان أولوية ثنائية الخصوصية الفردية والأمن العام.الموضوع ليس بهذه البساطة، فمن يكون مواطن، حتى وإن كان من الأمريكيين الأقحاح، أمام ضرورات الأمن الوطني التي أشعلت أمريكا بسببه حروب الألفية الثالثة التي لا يعرف متى ستنتهي بكل ما فيها من جرائم حرب وإنتهاكات لحقوق الإنسان؟، فضلاً على أن  هذه ليست هي المرة الأولى التي يطلب فيها الأف بي آي الوصول الى بيانات المستخدم لأغراض التحقيقات، ولكنها هي المرة الأولى التي تمتنع فيها أبل عن الإستجابة للطلب بإصرار غير مسبوق، بحيث تحول الموضوع الى قضية رأي عام على المستوى العالمي وليس على المستوى الأمريكي فقط، علماً أن شركة أبل سبق لها وأن تعاونت في هذا المجال مع دوائر الحكومة الأمريكية طوعاً أو عن طريق القضاء الذي يقف معها في هذه القضية ، حيث سبق للقضاء أن أجبرها على المساعدة في تطبيق وإنفاذ القانون عن طريق فك شفرة بيانات المعنيين في قضية إفلاس بنكي مزيف عام 2015،  أكثر من ذلك هناك حالات خارج الولايات المتحدة تعاونت فيها أبل مع الصين.في الواقع، هناك العديد من التطبيقات التي بإمكانها أن تفتح الهاتف الخلوي المغلق بشفرة أو كلمة سر، سواء كان يعمل بنظام الأندرويد أو نظام الآي أوو أس الذي يعمل به الآيفون، تنتجها شركات معروفة وتبيعها على نطاق واسع، لكن الأساس الذي تعتمد عليه كل هذه التطبيقات يقوم على كشف الشفرة أو كلمة السر ضمن عدد هائل من الإحتمالات يصل الى أربعة أو خمسة ترليونات وربما تستغرق وقتا طويلا يمتد من ساعات الى أيام وإن كانت العملية يمكن أن تختصر الى دقائق إذا استخدمت حواسيب فائقة السرعة من التي تمتلكها الأف بي آي أو وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، غير أن الإحتمالات، في أحسن الأحوال، لا يجب أن تتجاوز العشرة .هنا تكمن عقدة المنشار التي تخشى الأف بي آي منها، ذلك لأن شركة أبل منذ الإصدار الثامن لنظام الآي أوو أس الخاص بالآي فون والآي باد، وفي مسعى منها لإنتاج هاتف غير قابل للتهكير (الخرق) كما تقول، أدخلت عليه خاصية مسح البيانات، يستطيع المستخدم تفعيلها على هاتفه الخلوي وتحقيق المطلوب وتدمير كافة البيانات بصورة نهائية لا يمكن إسترجاعها مطلقاً، عند تجربة عشرة إحتمالات خاطئة للشفرة أو كلمة السر، وهي الخاصية التي يطلب الأف بي آي من أبل تعطيلها، وليس إلغائها، عن طريق برنامج خاص لتستخدمه عند الحاجة في التحقيقات، وهي سابقة تراها أبل ومؤيدوها، أنها على درجة كبيرة من الخطورة، ويتوجسون من تمادي الأف بي آي والسلطات الحكومية الأخرى في الأمر اذا تم تقنينه وشرعنته.الموبايل يعرف عن المستخدم أكثر مما يظن ويعتقد. يقول جون مكافي، المدير التنفيذي لأول شركة متخصصة بإنتاج تطبيقات معالجة الفايروسات المعروفة بإسمه “مكافي وشركاؤه” ، وأطلقت تطبيق مكافي الشهير لمعالجة الفايروسات قبل أن يبيع حصصه فيها، يقول عن الهاتف الخلوي:”إنه الجهاز الأعظم قابليةً على التجسس”. يستطيع الهاتف الخلوي أن يكشف ما كان يفعله صاحبه في اي جزء من وقت إستخدامه الماضي، وأن يكشف المواقع التي تواجد فيها بدقة تامة طوال مدة حمله لهاتفه وأين ومتى التقط صورة، بل ويستطيع كشف كل نشاطاته على شبكات التواصل الإجتماعي عن طريق فك شفرة برامج تلك الشبكات.تعرض تطبيقات فك الشفرة البيانات بشكل سلس ومريح وواضح، مثل الأتصالات والرسائل والنصوص المرسلة والمستلمة. أكثر من ذلك، يمكن استنتاج الحالة النفسية وطريقة تفكير المستخدم من بيانات الموبايل واستغلالها في الإستجواب وكشف مقاصده ونواياه.من أجل ذلك يقول المؤيدين لأبل أن المسألة لا تتعلق بفتح نافذة أو باب من خلال أبل ولحالة خاصة، وإنما تعرية كاملة وإزالة كافة الستائر والحجب وبالتأكيد من خلال الشركات الأخرى أيضا، وحسب ما ترتأي الجهات الحكومية الطالبة، وهي وسيلة قابلة للإستغلال في سيناريوهات مختلفة مما لا ينتهك خصوصيات الأفراد فقط وإنما يهدد أمنهم وأسلوب حياتهم.كنظرة عامة يمكن إعتبار هذا السجال نذيرا لمخاطر كبيرة تهدد خصوصية المجتمعات أمام نهم السلطات وسعيها الى إنفاذ مفهومها الخاص بالأمن.