23 ديسمبر، 2024 7:01 ص

ما الذي نريده من المرجعية؟! اثارات علمية وعملية..

ما الذي نريده من المرجعية؟! اثارات علمية وعملية..

استوقفتني اثارة مهمة اثارها المرجع الشيخ محمد اليعقوبي منذ سنوات .. حيث طالعت له كلاماً يتصل بفكرة المرجعية الدينية..
يقول فيها بما مضمونه: ان الجميع في (اتكيت التبجيل) والرسائل العملية والابحاث العلمية..
الجميع يتحدث عن استحقاقات المرجع..
فيقال بأن له منصب القضاء والفتوى والولاية..
ولم يتحدث احد عن واجبات المرجع تجاه الأمة ..
ما الذي تريده الأمة من المرجع؟!
ولهذا تأصيلات في احاديث الأئمة المعصومين (عليهم السلام)..
ففي الرواية: عن الامام السجاد (عليه السلام): (وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن الله عز وجل إنما جعلك قيّماً لهم فيما آتاك من العلم، وفتح لك من خزائنه، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم (تعنف بهم) ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا على الله عز وجل أن يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلك)… وغير ذلك كثير..
ان المرجع يشكل صيرورة متحركة لفقه الحياة.. بحيث انه يلاحق متغيراتها .. وحوادثها الواقعة..
ففي مكاتبة اسحاق بن يعقوب: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم)..
فليس بالشرط ان تكون الحوادث الواقعة هي مسائل الاحكام (يجوز ولا يجوز)..
بل هي تشمل الحوادث الاقتصادية.. والسياسية وغيرها..
الحوادث الواقعة تشمل المفاهيم التي تعتري الفكر الاسلامي.. ويؤسس الفقيه لها ويفض ملابساتها.. في عالم يزدهر بالمفاهيم المغلوطة..
وفي ذلك يقول السيد الصدر الاول (قدس سره):     (فإن هذا النص يدل على أنهم –الفقهاء- المرجع في كل الحوادث الواقعة بالقدر الذي يتصل بضمان تطبيق الشريعة على الحياة، لأن الرجوع إليهم بما هم رواة أحاديثهم وحملة الشريعة يعطيهم الولاية بمعنى القيمومة على تطبيق الشريعة، وحق الإشراف الكامل من هذه الزاوية).
ويرى الشيخ اليعقوبي (ان الوقائع الاجتماعية التي تمس حياة الأمة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو فكرية أو أخلاقية هي من أوضح وأهم مصاديق “الحوادث الواقعة”)..
الأمر الآخر هو ان المرجعية تتحرك من موقعية النيابة عن مهام صاحب الزمان (عليه السلام).. فهي تقود الواقع الاسلامي برمته..
الواقع المأزوم بقضايا حرجة للغاية.. فنحن نعيش في بركة من الأزمات ووسط بركة من العداء الدولي تجاهنا..
وويحاول المرجع كإنسان منفتح على ادلة الشريعة وهدى القرآن الكريم واهل البيت (عليهم السلام).. يحاول ان يدفع باتجاه الكمال الذي نريد ان نصل اليه..
هذا الواقع الذي نريده للمرجع ليس بدعاً نمارسه، وانما عليه اجماعات الفقهاء..
فعن المحقق الكركي قوله: (اتفق اصحابنا رضوان الله عليهم على اندالفقيه العدل الجامع لشرائط الفتوى المعبر عنه بالمجتهد في الاحكام الشرعية نائب من قبل ائمة الهدى (عليهم السلام) في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل)..
وفي عوائد النراقي: (انه نص عليه كثير من الاصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلمات)..
النظرة السائدة عند بعض المتسيدين في هذه المواقع ان يجلسو بانتظار ان يأتي المكلف ليسأل عن الشك في الصلاة او عن الحيض او الصور ذوات الارواح او عن قوله في الرسالة (الأحوط ان لم يكن الأقوى)!..
من غير ان يحرك ساكناً تجاه الامة واشكالياتها المريرة ..
ومن غير ان نجد شيئاً ملموساً نتعاطى معه..
من فكر سياسي..
أو تأصيلات اقتصادية..
او مشروع اخلاقي يتحرك للأمة لينقذها مما هي فيه..
أو حتى مطاريحاً علمية، نقيمه على اساسها!!
بينما القرآن الكريم يقول (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)..
وقال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ).
امير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول وهو يصف رسول الله (صلى الله عليه وآله): (طبيب دوار بطبه قد أحكم مراهمه، وأحمى مواسمه. يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي، وآذان صم، وألسنة بكم. متبع بدوائه مواضع الغفلة ومواطن الحيرة)..
فالبعض يصر على ان يعتاش صاحبه على الأمة كرمز كبير او اعلى من غير ان نطالبه بواجباته تجاهنا!!
في الوقت الذي تنصل تماماً من واجباته..
الواجبات التي نتحدث عنها تأتي بعد مرحلة الاستحقاق!!
المرجعية (الافتاء والقضاء والولاية في الامور الحسبية -كما لو كان مال الغير في معرض التلف من غرق أو حرق ونحوهما، وكما في أموال الأيتام والقاصرين الذين لم يكن لهم قيِّم – او الولاية العامة)..
ان هذه الاستحقاقات تترتب عليها واجبات عظيمة تتأتى بعد ان يتسيد المرجع موقعيته..
ونحن عندما نقرأ الرسائل العملية لم نجد فيها ما يُذكر حول واجبات المرجع.. ما عدا رسالة الشيخ اليعقوبي (سبل السلام).. حيث اسهب فيها مفصلاً عن ادوار الفقيه وواجباته..
بينما اكتفت جميع الرسائل بالحديث عن استحقاقات الفقيه لا واجباته..
تلك الواجبات التي نقيم ادائه من خلال ذكرها ومقارنة المهام المناطة به مع معطياته الواقعية..
وفي رواية تعطي دلالات كبيرة جداً عن موقعية المرجع وعلة تنصيبه، واهم واجباته، فعن المفضل بن عمر عن ابي عبد الله (عليه السلام) في بيان العلة في تنصيب اولي الامر والأمر بطاعتهم، ذكرت لذلك عللاً عديدة : (و منها: انّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيّم ورئيس لما لا بدلهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق مما يعلم أنه لابد لهم منه، ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم ويقسمون به فيئهم ويقيمون به جماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم. ومنها: انه لو لم يجعل لهم إماما قيماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملة
وذهب الدين وغيرت السنن والاحكام ولزاد فيه المبتدعون ونقص منه الملحدون وشبهوا ذلك على المسلمين إذ قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت حالاتهم فلو لم يجعل فيها قيّماً حافظاً لما
جاء به الرسول الأول لفسدوا على نحو ما بيناه وغيرت الشرايع والسنن والاحكام)..
ان هذه المعايير التي نجترحها وندشنها تخلق في الأمة حالة الوعي والرشد تجاه ما يتعلق بالقضايا الدينية التي نمر بها..
البعض يصدّر احكام التكفير ضد كل من يناقش او يفكر او يختبر مرجع!!
وهي محاولة لصنع قداسات زائفة في وجه النقود الشرعية التي تطالبها بالموقف من (الحوادث الواقعة) التي صارت اكثر حراجة مما سبق!!
في الوقت نفسه نطالع فيه عبائر الرسالة العملية، كما في رسالة السيد السيستاني: حيث يقول:
(مسألة 20 : تقدم أنه يشترط في مرجع التقليد أن يكون مجتهداً عادلاً، وتثبت العدالة بأُمور:
الأول: العلم الوجداني أو الاطمئنان الحاصل من المناشئ العقلائية كالاختبار ونحوه. …).
ويأتي البعض ليتعامل معنا بأنه عليكم ان تسلّموا..
وتكمموا افواهكم..
وان تقرّوا انه على صواب!!
فإذا كان على صواب لماذا نختبر؟!
ان هذه الرقابة التي يحث عليها العقل والشرع ستجعل (المرجعية) في اطار لا يمكن ان يطاله التزييف، او يتقمصه من لا يجيب عن (الحوادث الواقعة)..
وستجعل الفقيه يتعامل مع الامة ككائن ناقد وثوري ومثقف لا تنطلي عليه مخططات الأعداء..
السيد الخميني كان يقول: (على السادة أن يتوجهوا، وعلى الأمة جمعاء أن تراقب هذه الأمور، عليها أن تنظر حينما أتخلى عن المسؤولية إذا ما انحرفت عليها أن تقول لي: لقد انحرفت فراقب نفسك، أن المسألة في غاية الأهمية، الأمة كلها مسؤولة عن مراقبة كل الأمور والحوادث المرتبطة بالإسلام فعلاً، وإذا رأت أية لجنة من اللجان –لا قدر الله- تسير بخلاف مقررات الإسلام، فعلى الكسبة أن يبدوا اعتراضهم، ويجب على العلماء والمعممين أن يعترضوا، عليهم أن يعترضوا حتى يستقيم هذا الاعوجاج)..
المرجع ليس صيرورة مؤقتة او هامشية في الاتجاه الاسلامي حتى نتعامل معه بقدسية ساذجة لا تتعاطى مع العقل!!
مثل هذه القدسية مزيفة.. العقل هو الذي يمنح القدسية لا العاطفة والشجون والتوهمات التي نطالعها هنا او هناك ..
كما نرى في مقولة الاخ  سعد الفكيكي في مقالته (من الشيخ الطوسي الى السيد السيستاني لم ينفذ صوت المرجعية).. على موقع كتابات، حيث يقول: (ويعتبر السيد علي الحسيني السيستاني (دام الله ظله) المرجع الأعلى وزعيم الحوزة العلمية حاليا، ويتبعه العديد من المقلدين في جميع انحاء العالم الاسلامي، وهو امام الزمان للمقلد، وقول الرسول(ص)(من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية)!!!!!..
ان القداسات المزيفة التي يصطنعها البعض سرعان ما يتلفعها البعض بالشرع والخطوط الحمراء.. ليصنعوا لنا من هذه المصطلحات التي (تشابه علكة البوبي الذي كنا نلوكه ونحن صغار)!!
ليصنعوا لنا أئمة جدد !!
ومصطلحات جديدة لا تتصل بالواقع العلمي كما في (الاعلى-الكبير- الاربعة)..
الشيخ محمد مهدي شمس الدين يقول بأنه (يوجد ارتباط غير واع بين مصطلح مرجع اعلى الذي اخترعناه نحن، وبين وجوب تقليد الاعلم)!!..
وسرعان ما تنجلي هذه الخطوط عندما نعلم ان الاسلام اراد من العقل ان يستنتج ويفكر فيما يطرح..
ان الاسلام اباح ان نختبر النبي (ص) والائمة المعصومين (ع) لنعلم حق ما يدعوه..
والتاريخ يميط اللثام عن محاولات للتلاعب بمنصب الإمامة فضلاً عن منصب المرجعية!!
واستطاع الكثير من الشيعة ان يكتشف ذلك ويعلنه للناس .. كما في قصة (جعفر اخو الامام العسكري) وغيره!
 فالمرجع ليس بفوق ان يختبر او يخضع لمعايير الحقوق والواجبات!!
هذه الاثارة تحاول ان تعلن الموقف من كل ضرار يطرحه البعض (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا)!!
سواء كان هذا الضرار مسجداً او (مرجعاً)!!