23 ديسمبر، 2024 5:01 م

ما الذي جرى وما الذي يدور في العراق ؟

ما الذي جرى وما الذي يدور في العراق ؟

ما الذي يجري من حولنا ؟ ما الذي يدور ؟ هل أُخذنا كشعب عراقي على حين غرة ؟   كيف لا  ، ونحن نرى حينما تكشفت لنا بعض من فيض الوسخ السياسي ، ما جعلنا نشعر بالدوران وبالغثيان وبالهلع ، من حقيقة ما جرى وبناء عليه ما سيجري .
لقد فاجئنا وزير العدل العراقي حسن الشمري ، بتصريحه على إحدى القنوات الفضائية العربية ( العربية )، مما جعل الكثير من المراقبين للشأن العراقي يصاب بالذهول من هول ما صدمته كلمات الوزير، بخصوص موضوع جد خطير ، يمس الأمن الوطني العراقي وبالتالي امن الشعب العراقي ، إنها حقيقة ما جرى بقصة هروب الألف سجين من سجن أبو غريب . والبعض منهم من اخطر السجناء من قيادي التنظيمات المسلحة التي تؤمن بالعنف والدم لتغيير المجتمعات البشرية .
 كيف تم ذلك ؟ كان الجميع متعجب من ذلك الفرار، إذ هل من المعقول أن يفر عتاة المجرمين بشكل جماعي وبهذا العدد الكبير من سجن يقع في منطقة ساخنة في أطراف العاصمة بغداد أمام حراس السجن ، ومنطقة مطوقة بالكامل من قبل الالاف من عناصر الجيش والشرطة والأمن ؟  أصابت الحيرة الجميع ، لاسيما  المراقبين المعنيين بالوضع السياسي والأمني في العراق ، وبقي السؤال ، ضاجا بمسامع الجميع ، كيف حدث كل ذلك ؟ فجميع التبريرات غير مقبولة وغير مقنعة . إذ علق البعض ساخرا : قد تكون حدثت معجزة، وعصر المعجزات كما هو معروف قد انتهى، من السماء ،وطبقا للآية التي تقول (وجعلنا من بين أيدهم سدا ومن خلفهم  سدا  فأغشيناهم فهم لا يبصرون)، وبالتالي تم غشاوة بصر ألاف الجنود، بدء من هروب السجناء حتى وصولهم الى الحدود السورية العراقية ، وحتما كان هناك مئات من السيطرات والقطعات العسكرية ومفارز الشرطة  ، بغشاوة ربانية  لهذا لم يشاهد احد هذه الأعداد الكبيرة من المساجين ، وهكذا تم هروبهم على هذا الأساس ، و طبعا هذا مستحيل إذ أن الآية نزلت على المؤمنين ضد الكفار، ونحن نعرف إن البعض من المساجين الذين هربوا  هم بأفعالهم اشد كفرا من كفار قريش ، وان الطرف الآخر أي أفراد الجيش والشرطة هم حتما ليسوا كفار، بل هم عراقيون مسلمون يؤدون واجبهم الوظيفي الذي كلفوا به، بغض النظر من أن لدى البعض مؤشرات على سلوك البعض منهم مع مناطق بعينها ،  لذا نستبعد هذه الفرضية الخيالية.
 بقيت فرضية أخرى تحتاج الى دليل وهذه الفرضية المرعبة تفترض أن هناك تواطأ من جهات عليا وصاحبة قرار امني تشغل أعلى المناصب الأمنية والعسكرية ، هي من قامت بترتيب عملية هروب السجناء الألف الخطرين، والجميع كان مقتنعا بهذه الفرضية ، لقربها من منطق الأشياء ، لكن ينقص أصحاب هذه الفرضية الدليل ، فهي بحاجة الى دليل دامغ من مسؤول رفيع المستوى وصاحب قرار في هكذا قضية، ليبرر لنا ويفك رموز الأحجية المتمثلة في كيف  تمكن ألف سجين من اخطر السجناء من الفرار ؟
هنا نال مبتغاه كل من كان في دوامة السؤال وتقصي الحقيقة تائها ، فجاء جواب وزير العدل ، ليكمل الجزء المهم والأكبر من صورة مشهد هروب هؤلاء المساجين ، ليشكل لنا مع بقية أجزاء الحقيقة  ، المبعثرة هنا وهناك، تكملة صورة الهروب الكبير من سجن أبو غريب و لتتضح معالمها ، وتبدأ رموز  أحجيتها بالتكسر،  حينما قال بهذا الخصوص  وعلى  لسانه بما معناه : إن هروب السجناء بهذا العدد الكبير ، حدث نتيجة تواطؤ من جهات أمنية عليا ، وفي مجال الإجابة عن السبب ، ربطها بالوضع الإقليمي ، كيف ؟ يجيب وزير العدل : إنها بسبب احتمالية توجيه ضربة عسكرية أمريكية لسوريا الأسد ،  ماذا يعني ذلك ، يجيب: معنى ذلك ، تعزيز فوبيا الغرب من وجود تنظيمات أسلامية متطرفة في سوريا وهي ماسكة بالأرض وبيدها زمام الأمور العسكرية ، وان هذه المجاميع الخطيرة والهاربة من السجن ، ستشكل تأكيدا  لما يتخوف منه الغرب ، لاسيما أميركا بخصوص المجاميع المتطرفة، بمعنى إخافة الولايات المتحدة الأمريكية من المعارضة التي تقاتل في سوريا ضد النظام ، وبالتالي تأجيل الضربة لوقت غير معلوم إن لم يكن بالإمكان إلغائها، وهذا الأخير هو ما حصل بالفعل ونجحت الخطة ومن رسم السيناريوهات المخابراتية الرهيبة ،والمحبوكة  بإتقان وبصورة حرفية ، لا مكان للخطأ فيها، وهذا هو جوهر العمل الاستخباري ، إذ لا وجود لاحتمالية الخطأ حتى وان كانت نسبة الخطأ 1%.
 ما الدافع من وراء تصريح السيد وزير العدل ، هل اراد الرجل ايصال رسالة ما ، او يشي  بشيء ما  ؟   ربما ، ارد أن  يشي لنا بعبارة  : اللهم أني قد  بلغت فاشهد ، واني بريء من ذاك العمل ،او  ربما قد تكون لديه اسباب اخر لتصريحه، الله اعلم بذلك .  المهم ، الى هنا وتنفس الصعداء من كان لحقيقة ما جرى باحث ، فقد فكت الأحجية وانكشف الطلسم ، وفهمنا لماذا و كيف ومن وفر لهؤلاء المساجين الخطرين سبل الفرار .
الان يبدو أن أكثر من 90 % من أجزاء الصورة الأمنية في العراق بدت مكتملة الملامح والأجزاء، بقيت العشرة بالمائة أين نجدها يا ترى؟ كي تكتمل الصورة وينكشف من مزقها وتضييع ملامحها ليبقى الجميع بحيرة ويأس من فهم الحقيقة ،كل الحقيقة . تجيب على هذا التساؤل النائب مها الدوري ، كيف ؟  فقد ظهرت النائب مها الدوري على إحدى القنوات المحلية العراقية (البغدادية) في برنامج الساعة التاسعة مع الزميل أنور الحمداني ، ماذا قالت بهذا الخصوص  وما علاقتها بأجزاء صورة هروب سجناء أبو غريب؟ إنها تشير الى ما يلي : هناك سجين من اخطر سجناء المجاميع المسلحة ويدعى شاكر وهيب ، تقول النائب انه ظهر علينا هذا الأخير، بفيديو تناولته العديد من المواقع الالكترونية والتواصل الاجتماعي ، وهو يقوم بقتل عددا من سواق الشاحنات السوريين بدم بارد على احد طرق المرور السريعة على الحدود المحاذية للجانب السوري. وهنا تشير النائب الى انه بعد التحري والتقصي عن هذا المجرم ، وفق مصادرها الخاصة والموثوق بها ، اتضح ما يلي : إن ملف السجين  وهيب لم يذكر فيه بأنه هرب أو تم الإفراج عنه ، وهذا يعني أن السجين ، يفترض باقي في محبسه ؟ إذن كيف شاهدناه حر طليق ، ماذا تريد ،أيضا، أن تشي السيدة النائب ؟ هل كانت تريد ان تشي لنا : بأن ، ربما ، هناك تواطؤ بإخراج هذا السجين ، وليس فراره ، إذ أن سجله المحفوظ ، والكلام لازال للسيدة النائب ، لا يشير الى فراره أو إطلاق سرحه ، وهذا ما يدل عليه كلامها ، وماذا يعني ذلك؟ ربما ، إذا ما ربطنا ما أشار إليه وزير العدل العراقي بان موضوع الفرار الكبير للمئات من المساجين الخطرين كان متعمدا ، من اجل مصلحة دولة مجاورة ، سوريا ،  قد تتعرض الى ضربة عسكرية تتغير بعدها موازين المعادلة الإقليمية في المنطقة بمائة وثمانين درجة.، و إظهار هذا الوحش ، وهيب ، على شبكات التوصل الاجتماعية والمواقع الالكترونية لتتناقلها مئات الفضائيات العالمية  والإقليمية والمحلية ،قد يكون هو جزء من المخطط الخطير لتشكيل صورة قاتمة مما يجري في سوريا على يد المعارضة من وحشية ما بعدها وحشية ، للتأثير الإعلامي على الرأي العام الغربي عامة  ، والأمريكي بخاصة ، وأيضا على صاحب القرار السياسي في الولايات المتحدة ، لاسيما أن الأخيرة لديها عقدة  وذكرى حزينة من هذه الوحشية ، أحداث 11 سبتمبر، وقد اكتوت بنارها ، وبالتالي حتما سيتم تغيير القناعات بخصوص الوضع العسكري والسياسي بصورة عامة ، ودعم المعارضة السورية بخاصة. بقي جزء صغير وتكتمل  أجزاء الصورة برمتها، إنها قصة فرار عشرات القياديين الخطرين جدا ،من أين ؟ من ابعد نقطة يمكن أن تكون حاضنة أو متعاطفة مع هؤلاء، إنها في  أقصى جنوب العراق ، إنها محافظة البصرة ، فكيف تم فرار هؤلاء إذن  ؟
أذا جمعنا جميع ما قاله وزير العدل مع ما قالته النائب مها الدوري مع فرار قيادات القاعدة من محافظة البصرة ، تتضح لنا الصورة ،أن في اليمين يجلس رجل بيده القرار الأمني في العراق، و في الشمال رجل بيده القرار الأمني في دولة مجاورة للعراق وهما مبتسمان، وفي الوسط يكون الشعب العراقي وهو يذبح على يد هؤلاء وهؤلاء أيضا ،إذ تعددت الوجوه والأسماء لكن الفعل واحد  هو إرهاب الشعب العراقي والتشويش على الرأي العام العالمي لاسيما الغربي.
لكن بقي السؤال ماذا بعد ؟ ماذا بعد انجاز مهمة إفشال الضربة العسكرية ضد سوريا الأسد، والتغيير التام بالمواقف الدولية باتجاه السالب من دعم المعارضة السورية عسكريا وماديا وسياسيا . هنا ستعود هذه المجاميع المسلحة لتعيد تنظيم تشكيلاتها ، ولكن الان في الصحراء الغربية من جديد ، التي كانت منطقة تجميع لها بعد فرارها من السجون العراقية ،ومن ثم أصبحت نقطة انطلاق منها  الى سوريا . وبعد الانتهاء من المهام التي رسمت لها ، عادت من جديد لتتجمع في الصحراء الغربية في وادي حوران، وليتم إعادة استثمار هذا الوضع ، وكما تم فتح الأبواب لها للفرار، لأهداف سياسية بحت، الان يتم لها فتح أبواب محافظة الانبار ،  ليتم استثمارها سياسيا من جديد لكن بشكل محلي عراقي، لدواعي انتخابية ، هكذا يدار العراق سياسيا وامنيا .
إذن هل فهمنا لماذا لم ولن يتحقق الأمن والاستقرار والرفاهية في العراق ؟ لان  هذا العراق العظيم،  وللأسف ، أصبح الحديقة الخلفية لدول الجوار، والتي  تتحكم بقراراته الأمنية والاقتصادية وحتى الألفة الاجتماعية بين أبناء الشعب الواحد .