20 ديسمبر، 2024 11:41 ص

ما الذي تغير في السيد مقتدى الصدر؟

ما الذي تغير في السيد مقتدى الصدر؟

منذ عدة شهور و نحن نقرأ ونسمع من البعض حديثا يتسم بحماسة غير مسبوقة لرجل دين وسياسي عراقي، هو السيد مقتدى الصدر، وخلاصة الحديث طبعا هو تغيير كبير في توجهات ووعي وفكر السيد مقتدى إلى درجة أن تراكض كتاب علمانيون معروفون بشدة رفضهم لرجال الدين والأحزاب الإسلامية مقررين لنا الحقيقة التي توصلوا لها والاكتشاف الذي أعلن عنه أحد الكتاب، والأمر تعدّى في الواقع حماسة صحفي يبحث عن الإثارة أو مجد شخصي زائف إلى حالة هوسية تمثلت بإطراء ومديح وإشادة و رسم صورة يراد لنا أن نؤمن بها وبحقيقتها الملتقطة بكاميرا السيد سرمد الطائي الروحية التي دخلت في أعماق رأس السيد مقتدى الصدر وتعاطت معه على طريقة الإلهام الصوفي فرصدت لنا كافة البيانات التي يحملها في عقله السياسي الذي تطور وانتقل بشكل مفاجئ إلى مستوى أعلى من كل المخلوقات السياسية الجاثمة على صدرونا، ويا لجهلنا نحن الذين لا نملك كاميرات خارقة كهذه!

بداية ليس لي موقف عدائي غير قابل للتراجع تجاه السيد مقتدى الصدر وكتلة الأحرار، وليس لي ولاء ثابت لخصمه الأكبر السيد المالكي ولكنني أضع تساؤلاتي هنا أمام هؤلاء الزملاء وبقية القراء لمعرفة ما الذي تغير من السيد مقتدى إلى هذه الدرجة ونحن عنه غافلون؟

ما الذي تغير من السيد الصدر تجاه الديمقراطية، النظام السياسي الذي يحكمنا اليوم والذي من أبجدياته المعروفة أن من يدعم الديمقراطية شخص ديمقراطي يمارسها في حياته بهذا القدر أو ذاك، فيما نرى السيد مقتدى يحكم وزراءه ونوابه بطريقة أفقدتهم حتى هيبة التابع الذي يمتلك فسحة من الخيارات الشخصية؟  كيف نفهم هذا التغيير والسيد الصدر هو الشخص الوحيد الذي يصدر أوامره العليا لهؤلاء؟ تخيلوا معي أن عضوا من كتلة الصدر صار رئيس وزراء فعندها من هو الحاكم الفعلي للبلاد ذلك الرئيس الصوري أم دكتاتورية السيد؟

ما الذي تغير من السيد مقتدى الصدر و هو الذي لم يتخلّ حتى الآن عن خيار المليشيات المسلحة المجمدة وليس الملغية، وآخر تصريح له بهذا الصدد كان قبل مدة ليست بالبعيدة حين اعتبر جيش المهدي (لوقت الشدةّ) بحسب تعبيره؟

ما الذي تغير من السيد مقتدى حيال الدولة الديمقراطية المدنية وهو في لقائه الذي نشره الزميل سرمد الطائي صرح بكلام متناقض لا يعكس إلا بتحفظ قدرا من القبول بخيار الدولة المدنية دون التنازل عن رفض ما يرفضه الدين مع أنني أجزم بأن صاحب اللقاء أعاد تعديله وتهذيبه عدة مرات كي يبدو مخففا بالطريقة التي عرض بها؟

ما الذي تغير من الصدر حيال فصل الدين عن السياسة ونائبته المعززة الست مهى الدوري اتهمت المالكي بالخروج من ملة الإسلام لأنه أقام حفلا بمناسبة بغداد عاصمة الثقافة وهو فسق وفجور وجاء في مناسبة دينية؟

ما الذي تغير من الصدر وهو يقول أنه مستعد لزيارة أمريكا وأوروبا ولكن زيارة للشعب وليس زيارة رسمية للمسؤولين هناك؟ وهو تصريح لا معنى له أبدا فكل شخص يمكنه أن يزور أمريكا ويلتقي بشرائح من شعبها. ترى ألم يتحدث سرمد الطائي وغيره من المروجين للتغيير الصدري عن ضرورة تقوية العلاقات مع أمريكا القطب الأهم في منظومة عالم اليوم؟ كيف سيدير الصدر حين يصل السلطة ملف هذه العلاقات وهو يرفض أن يلتقي هو أو أعضاء تياره بأي مسؤول أمريكي حتى بعد خروج الأمريكان من العراق؟

ما الذي تغير من مقتدى الصدر ولا يزال أي صحفي أو كاتب أو وسيلة إعلام عراقية تخشى توجيه أي انتقاد له على الأقل من باب الاختلاف في الرأي الذي لا يفسد أية عمامة؟ بل هو وأقولها بحزم الشخصية السياسية الوحيدة التي تتمتع بالقدسية ولا يمكن المرور بجوار ظلها لأن العواقب ستكون وخيمة؟ والجميع يعرف ذلك ويسلم به؟؟

ما الذي تغير من مقتدى الصدر وهو قد تغير في مواقفه أكثر من تغير أكثر البورصات تذبذبا في العالم؟ هل سيثبت مثلا على موقف واحد من هنا فصاعدا؟ ولكن هذا لم يحصل كما يعرف الجميع؟؟

ما الذي تغير من مقتدى الصدر وهو الذي يحرم على الناس أبسط السلوكيات بداية من كرة القدم مرورا بالغناء و الموسيقى و حتى الاختلاط بين الجنسين الذي يحاول السيد سرمد أن يضحك بخصوصه على ذقون القراء بحجة أنه عارض فصل الجنسين في الجامعات مع أن موقفه المعلن لأتباعه في استفتاء موقّع منه بأن ذلك لا يتقبله المجتمع برحابة صدر الآن وإجبارهم (ليلتفت القارئ الكريم رجاء) على ذلك ليس فيه مصلحة حاليا (التفت ثانية رجاء)؟ هل لشخص يحترم عقله بأي منهج فكري آمن أن هذه الفتوى تعني تغييرا و نضوجا في الفكر الديني والسياسي للسيد مقتدى؟ فهناك آلاف الفتاوى التي تصدر من أشد المتطرفين والتي تضع شرطَيْ الوقت المناسب والمصلحة لتقييد مؤقت لأسوأ الأحكام الشرعية وأكثرها مصادرة لحقوق الناس؟؟

ما الذي تغير في مقتدى الصدر هل نصح وألزم أتباعه بالتخلي عن الهالة القدسية التي يحيطونه بها ويتعاملون معه كما لو كان نبيا من الأنبياء؟ هذه ليست نقطة هامشية بل مسألة ضرورية جدا، فتغييره لنفسه فرضا – وهو فرض غير متحقق أصلا – لا يقدم ولا يؤخر كثيرا ما لم يعمل على تغيير أتباعه، فكما كان هو المسؤول عن تغذيتهم بكل ما هو متطرف ومتشدد فيتحمل بالمثل مسؤولية العمل على تغذيتهم بالاعتدال و التوسط وبداية ذلك أن يخفف من صورة الزعيم المقدس الذي يبلغ لدى بعضهم حدود لا معقولة ولا مسبوقة لدى الشيعة إلا نادرا، عند ذلك فقط يمكن أن نصدق فتاوى الإعلام السياسي حول الرقي الذي داهم الصدر على حين غفلة منا، وليس الاحتجاج بحجج واهية من قبيل أن ما يقرأه مثلا من كتب لا يمكن لأتباعه الاطلاع عليها لأن فيها مضرة!!

أخيرا أتساءل لو كان هؤلاء الزملاء كسرمد الطائي ونبراس الكاظمي ورشيد خيون و غيرهم يبحثون بالفعل عن مرجعية دينية معتدلة الطروحات فيما يخص النظر إلى النظام السياسي وعلاقة الدين بالسياسة وينظرون إلى البعيد وليس إلى لحظة خصومة مع المالكي فلماذا تجاهلوا مرجعيات أخرى هي منفتحة وذات نظرة راقية ومؤمنة سلفا بالدولة المدنية، ومنها مرجعية اليعقوبي الزعيم الروحي لحزب الفضيلة الذي يمتلك من العقلية المنفتحة والإيمان بقدر معقول من الليبرالية الإسلامية و قبول الدولة المدنية بما لا يقاس مع السيد مقتدى لا من حيث التأسيس الفكري ولا من حيث رسوخ القناعة وأسبقيتها؟ لماذا لم يقتنعوا أيضا بزعيم شاب آخر هو السيد عمار الذي يتحدث عن الدولة المدنية وينظّر لها منذ ثلاثة أعوام ونشر كتيبات و ألقى خطبا عديدة في هذا الاتجاه فيطرون عليه و يروجون له بنفس الدرجة؟

السبب واضح، تيار الصدر أو الصدر شخصيا يقف موقفا عدائيا تجاه المالكي وهذه خلاصة القضية، ويراد للتيار ( بالمناسبة التيار الصدري لا يمثل أكثر من 10% من عموم شيعة العراق في الوسط والجنوب) يراد له أن يكون معادلا موضوعيا للمعسكر الآخر، اليعقوبي و عمار يتمتعان بحكمة كبيرة في خصومتهما مع المالكي لا تصل بهما إلى هذا الحد الصبياني من الإسفاف و الخبال تحت حجة السعي إلى منع ظهور الدكتاتورية. بل أنني افترض أكثر من ذلك، فالنظرة المتأملة الفاحصة تؤكد أن جهود إظهار الصدر بمظهر كهذا (وبالمناسبة نحن نأمل بكل إخلاص أن يكون السيد الصدر ذات يوم بشكل مختلف عما كان عليه وهو مطالب عندها بإثبات ذلك للشعب العراقي وليس للأخ سرمد ولا لقوى أربيل التي اجتمعت لغاية سياسية مرحلية وحسب) أقول إن هذه الجهود تهدف إلى تعميق الصراع الشيعي – الشيعي، عبر جعل السيد مقتدى أداة فاعلة شعر أم لم يشعر في استغلال عدائه الراهن للمالكي والمؤسس على بعد شخصي ونفسي، وكل ذلك لتجذير حالة هذا الصراع داخل ما يسمى بالبيت الشيعي. ثم محاولة موازية لإبداء الصدر زعيما للطائفة لإقصاء باقي الزعامات الشيعية السياسية والدينية استغلالا لحداثة تجربته و اندفاعه الشبابي المعاند للآخرين حتى ليبدو أنه بالنسبة للتحالف الوطني أغرب حليف سياسي يمكن أن نقرأ أو نسمع عنه.

أخيرا أقول للزميل سرمد الطائي إن بعض الأمراض الجسدية منشأها نفسي فاحرص على صحتك، أما أنك تنظر بعين أسطورية وتتمتع بنظرة أعمق منا جميعا بسبب من ذكائك الخارق للنواميس والذي تسبب لك بمشاكل أسرية كما كتبته مؤخرا فهو أحد تلك الأمراض..فإذا كان أقرب المقربين منك غير مقتنع بآرائك فما بالك بجمهور عريض خارج قاعدة الصدر المحدودة والمغلقة على نفسها..!  فعافاك الله يا زميلي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات