بدا واضحا في وعود الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لجماهيره أثناء حملته الأنتخابية التركيز على الجانب الأقتصادي أولا في خطة المائة يوم الأولى من دخوله الى البيت الأبيض وأستلامه لمهام الرئاسة فيه . وبالرغم من تعمده إثارة مشاعر العظمة والقوة لدى مؤيديه في شعاره (إجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) ، لكنه لا يعكس بالضرورة أحتمال تقوية زخم المشاركة في الصراعات الدولية المتفاقمة منذ فجر التاريخ ولحد الآن . وفي خطاب الفوز الأول بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وعد ترامب بإنه سيعمل على إصلاح البلاد وإعادة البنية التحتية وخلق فرص عمل للملايين ، مؤكدا بأن لديه خطة اقتصادية كبيرة سيتضاعف فيها النمو ويصبح إقتصاد أميركا هو الأفضل في العالم ، كما أنه سيتم إعادة بناء المستشفيات والمدارس والجسور والبنية التحتية ، ومحاربة الفقر والعنف واليأس لدى الأميركيين . أما في مجال الشؤون الخارجية فقد وعد ترامب بأن سياسته ستتركز على إحلال السلام وليس إفتعال الأزمات بالتعاون القائم على أساس العدالة مع جميع الدول ، والسعي الى بناء أرضية مشتركة بعيدا عن العداء والصراع . ولكن هناك من كان يقرأ ثمة عدوانية قادمة تنتظرها الشعوب قد تصدر من رئيس البيت الأبيض الجديد نتيجة لما كانت تتميز به أساليب ترامب المثيرة للجدل وسلوكه الشخصي إبان الحملة الدعائية له أمام الجمهور . والحقيقة عكس ذلك تماما ، فمن يقرأ خطاباته الأخيرة بدقة يستطيع أن يكتشف عناصر تبعث الأمل بأحتمالية حصول تغيير يتناغم مع مبدأ الأنعزالية الموجودة في أعراف وتقاليد الشعب الأمريكي منذ أن أعلن الرئيس جيمس مونرو مبدأ الأنعزال عن أوربا القديمة في عام 1823 وتأرجح السياسة الأميركية بين الأنعزالية والأمبريالية ولحد الآن .
لكن ذلك لا يعني الأعتكاف المحض والإبتعاد عن ممارسة الدور القيادي بشكل أيجابي ، ولا فرض سياسة القطب الواحد ، وإنما هو تأكيد على أهمية المشاركة في النظام الدولي على قدم المساواة ، كواحد من مراكز العالم متعدد الأقطاب . يبدو أن سياسة التدخل في شؤون الأخرين والنزوع الأمريكي للتفرد بقيادة العالم أصبحت مرهقة وليست ذات جدوى من الناحية الأقتصادية وتبعث الكراهية لدى الآخرين ، وأن مراجعة التحالفات والأتفاقيات والألتزامات الأقتصادية مع الآخرين باتت ضرورة ملحة ، سيما وأن الأزمة الأقتصادية العالمية لم تظهر ملامح إنتهائها بعد ، وأن الوقت قد حان لدى الأمريكيين للتفكير بايجاد أسلوب ثالث غير الأنعزال المطلق أو القطبية الواحدة ، وهذا الأسلوب يتجلى بنظام الشراكة بمختلف وجوهها والقيادة الأيجابية والعدالة في التعامل مع جميع الدول بغض النظر عن قربها أو بعدها أيديولوجيا أو أقتصاديا او جغرافيا عن أميركا .