السؤال الذي وضعناه عنوانا لهذه المقالة ، غالبا نسمعه مرات ومرات من قبل عامة الناس ، فاغلب العراقيين قد عانوا ما عانوه من الفقر والنقص في القدرات الشرائية والذي تزامن مع مجيء حكومة تصريف الأعمال ، فقد استهلت أعمالها بالتصريحات التحذيرية من وزير ماليتها ( المستقيل ) حين خاطب الشعب بان الحكومة عاجزة عن توفير الأموال لتسيير الأمور ومنها صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية وغيرها من الفئات وفي توفير متطلبات اغلب الخدمات ، وبسبب تلك الطروحات وافق مجلس النواب على قانون الاقتراض تحت مسوغ توفير الأموال لموجهة الحرج في تغطية نفقات الموازنة الاتحادية التي بلغت تقدير نفقاتها 130 تريليون دينار ، واستجابة لطلب حكومة تصريف الإعمال ولكي لا يواجه البلد عجزا كالذي أوصفته وفصلته في ( الورقاء البيضاء ) تم اعتماد أرقاما تشاؤمية لسعر تصدير النفط الذي جعلوه 45 دولار للبرميل كما جاء في المادة ( 1-أولا- أ ) من قانون الموازنة الاتحادية رقم 23 لسنة 2021 ، ولم يكتفوا بذلك فقد أضافوا ضيما آخرا للشعب بجعل سعر صرف الدولار 1450 دينار بموجب الفقرة ( ب ) من المادة أعلاه ، وقد تسببت ( الصدمة كما سموها ) بصعوبات ومعانات معيشية لأغلب فئات الشعب انعكس عنها ارتفاع أسعار السلع والخدمات بنسب تتراوح بين 25- 50% على الأقل وتعطيل تنفيذ المشاريع وتوقف اغلب الأعمال وإصابة المنتج المحلي بالصميم ولم يتحقق شيئا للشعب غير الضرر ومزيدا من شد الأحزمة على البطون ، وبعد نفاذ الموازنة التي تأخر إصدارها لشهور بدأت أسعار النفط بالصعود التدريجي حتى وصلت لأكثر من 100 دولار للبرميل كما زادت حصة صادرات العراق من التصدير بموجب قرارات اوبك + وتزامن مع ذلك أيضا الإعلان عن توقف العراق عن دفع تعويضات حرب الكويت التي كان بمقدارها 4 مليارات دولار كل عام نظرا لتسديدها بالتمام والكمال ، وتوقع الناس أن تتحسن أمورهم وان تراجع الحكومة قراراتها الاحترازية لتعود الأسعار والأمور لحالها السابق على الأقل وان يعاد النظر في توزيع الموارد لإشباع البطون الخاوية التي تعاظمت فيها نسبة الفقر بموجب إحصاءات وزارة التخطيط ، ورغم إن الإيرادات النفطية سجلت أرقاما لم تشهدها منذ سنوات الاان الوضع لم يتغير ولم بشهد الشعب بوادر التحسن بمختلف المجالات فالموازنة الاستثمارية محدودة التخصيصات والتقدم في الاعمار والبناء يشهد نموا ضعيف ، والحكومة عجزت عن تقديم الموازنة الاتحادية قبل الانتخابات بوجود مجلس النواب وبذلك تم الدخول بعام 2022 بوضع أسوا من قبله لان الصرف تم بمعدل 1\ 12 من المصروف الفعلي لعام 2021 والحكومة لم تصرف كامل تخصيصاتها لعام 2021 التي قدرت ب130 تريليون لتأخر صدور الموازنة وإيقاع أدائها البطيء .
ومن المحزن فعلا أن يعيش الشعب حالات من الفاقة والفقر والتضخم وارتفاع الأسعار ومصادرة قدراته الشرائية نتيجة تغيير سعر صرف الدولار رغم التحسن الكبير في إيرادات النفط التي وصلت ل19 مليار دولار في شهري تموز آب الماضيين ( عدا واردات إقليم كردستان ) ، فلم يصدر أي قرار بمكافأة او إنصاف الشعب بإعادة سعر صرف الدولار او تحسين الرواتب للمتقاعدين وللموظفين وتحسين معيشة محدودي ومعدومي الدخل او تنشيط الاقتصاد بمختلف القطاعات ، فكل ما صدر هو قانون الطوارئ والأمن الغذائي الذي تحوم حوله بعض الشبهات والذي تجاوز عنوانه بكثير ، فما خصص للبطاقة التموينية والمشمولين بالحماية الاجتماعية اقل بكثير من إجمالي المبلغ المخصص لهذا القانون ، وفي ظل الترقب بان تنعكس زيادة الإيرادات على عموم الشعب حصل ( الانسداد ) السياسي وتوقف إصدار موازنة 2022 وربما يمتد الأمر لموازنة 2023 ، ولم تنفك التصريحات المفرحة عن الغنى الذي أصاب العراق والثروات التي دخلت خزائنه تنشر باستمرار بتقارير صندوق النقد الدولي ومؤسسات البلاد ، فقد أعلن البنك المركزي العراقي بأن احتياطي النقد الأجنبي ارتفع إلى أكثر من 85 مليار دولار وهو أعلى مستوى منذ 2003 و من المتوقع أن تصل هذه الاحتياطيات إلى 90 مليار دولار بنهاية هذا العام ، كما ارتفعت كمية ما يملكه من الذهب ليبلغ 130 طنا ليحتل المرتبة الـ30 عالميا والرابعة عربيا .
ويا لها من فرحة ما بعدها من فرحة أن نكتنز كل هذه الأموال ورغيف الخبز أصبح حسرة على البعض لأنه ارتفع إلى 250 دينار وتغيرت كلمات أغنية ( صمون عشرة بألف ) لتتحول إلى 6 بألف مع إنقاص الوزن ، كما إن أسعار العقارات ارتفعت لثلاثة أضعاف وقد لحقت بها الإيجارات ، وأصبح كل شيء صعبا في حياة اغلب العراقيين فالمعيشة تتجه لتعقيد تصاعدي وكل التفاصيل بحالة تراجع لان ارتفاع التكاليف والأسعار للسلع والخدمات هو ما يسود حاليا وكل ما يقال عن الرقابة على الأسواق هو مجرد ( فزعات محدودة التأثير ) ، وما يخشاه الكثير من أبناء الوطن أن تنتهي أزمة الطاقة عالميا والتي انعكست بالنفع لمنتجي النفط وزادت معها إيراداتنا التي تعتمد 95% منها على صادرات النفط والشعب لم يجني أية فائدة من هذا الارتفاع ، فلحد اليوم لم يدخل بجيوبهم دولار لان ما يتردد هي أرقام بالمليارات فحسب ، والشيء الآخر الذي يخاف منه البعض هو أن تمضي الأشهر والسنوات بدون موازنة مما يعني الاستمرار بصرف 1\12 من مصروفات 2021 ، ثم يأتي يوما يقولون فيه إن الاحتياطيات انخفضت وان هناك تغييرات ستجعلنا بحاجة للاقتراض ، وبذلك تتبخر المليارات كما تبخرت المئات منها قبل سنوات ، وهو ليس أمرا مستبعدا فالأيام والسنين تمضي وحال المواطن (من غير فئة المستفيدين) لم تتحسن رغم القفزات في الإيرادات ، وما يؤكد خشيتهم إن الحسابات الختامية لما بعد 2013 لم تخضع للمصادقة بعد وان كنا في نهاية 2022 رغم التغير في الحكومات والبرلمان ، ولا نخفيكم سرا إن البعض بات أكثر قلقا من ذي قبل رغم الزيادة الحاصلة بالإيرادات ، سيما بعد رفع أسعار البنزين المحسن وغاز السيارات ورسوم المعاملات واستمرار الانسداد لأمد غير معلوم .