23 ديسمبر، 2024 11:42 ص

ما الخطأ في موقف التيار الصدري ؟

ما الخطأ في موقف التيار الصدري ؟

يصاب قصيروا النظر وضعفاء المدراك غالباً بداء التعجل وهو مايؤدي الى انزلاقهم في منزلقات سوء الفهم والحكم غير الدقيق على مجريات الاحداث التي سرعان مايتضح خطأها بعد استكمال الدوره الزمانيه للحدث واتضاح الصوره لمجمل الحراك المعني بالتحليل والدراسه.
لقد كانت الاحداث السياسيه الاخيره في العراق. والازمات المتلاحقه التي عصفت بالمشهد السياسي العراقي. ساحة اختبار لكل المعنيين بالشأن السياسي سواء كانو لاعبين أو محللين سياسيين أومتابعين ولقد نجح البعض منهم ممن تأفى باصدار احكامه في توصيف المشهد ووضع الامور في نصابها الصحيح , فيما اخطأ الكثير من هؤلاء حتى في الوقوف على اوضح وجوه الحقيقه .
واذا ماحاولنا اسقاط هذه الفرضيه على نوعيه الحراك السياسي للتيار الصدري لوجدنا ان اغلب من تناول هذا الحراك من المهتمين المذكورين انفاً قد اخطأ في توصيفه.. او اعطاءه مايستحق من التقييم وفق ماتلا ذلك الحراك من تداعيات واحداث ابرزت مصداقيته التعاطي الصدري مع تلك الاحداث.
واذا ما اردنا ان ناخذ موضوع الاحتجاجات الشعبيه في بعض المحافظات وطريقة تفاعل التيار معها ,نموذجاً لتطبيق الفرضيه المذكوره في بداية المقال لوجدنا ان الكثير من السياسين واصحاب الشأن بهذا الحدث نظروا الى الامر نظرة سطحيه وادخلوه في متاهته ماسبق وان ذكروه بخصوص شق (الصف الشيعي) واضعاف الحكومة (الشيعيه) على حسب وصفهم فيما أثبتت الوقائع ان الحكمه التي ادار بها السيد القائد مقتدى الصدر هذا الملف قد أخمدت نار الفتنه الطائفيه الى حد كبير ووضعت حداً لما كان يمكن ان يحدث من تطورات مأساويه كان من الممكن ان تطيح بالسلم الاهلي في العراق وتجرالبلد الى حرب طائفيه طاحنه.
ورغم ان هناك في الجهه المقابله من العقلاء والحريصين على وحدة العراق من اكبر في قيادة التيار الصدري هذا الموقف الا ان فئه قليله قد حاولت التقليل من شأن التدخل الصدري في الاحداث وارادت خلط الاوراق من خلال تصريحات وخطب كانت تصب في مجري إيقاد نار الفتنه ونبش الماضي الطائفي القريب الذي ادارته اصابع الاحتلال ونفذته مجاميع ارهابيه لاتدين بدين ولا مذهب ولاتتمتع حتى بالنزر القليل من الانسانيه التي تمنع الانسان من ايذاء أخيه الانسان .
لقد كانت تعاطي قيادة التيار الصدري وهيئته السياسيه مع مجمل هذا الاحداث تعاطياً ستراتيجياً ينطلق من محددات شرعيه ووطنيه لاتعاطياً تكتيكيا مرحليه يبحث فيه التيار عن فرصه او مغانم محدوده.
كما ان التيار الصدري ومن خلال بيانات السيد مقتدى الصدر وتحركه الفعلي في الساحه كان اول من صنف مطالب المتظاهرين وفصل بينها وبين مايرده أصحاب النوايا السيئه فكان اعتراضه على موضوع الغاء قانون المسائله والعداله والمادة (4) من قانون مكافحة الارهاب يمثل رؤيه متقدمه واستقراء بعيد المدى لما يمكن ان تشكله هذه المطالب من ازمه بدأت تتفاقم ككرة الثلج… ان لم يتم التعاطي معها بواقعيه ومنهجيه وقرارات تترجم بأفعال ملموسه على ارض الواقع.
كما ان انفتاح قيادة التيار على الطرف الاخر ورسائل سماحة السيد الى الشيخ عبد الملك السعدي وارساله مبعوثاً خاصاً من سماحته الى الشيخ احمد الكبيسي اضافه الى ما افرزت نتائج عمل الهيئة السياسيه وكتله الاحرار ضمن اطار التحالف الوطني أوصلت رسالة الى الحكومة والى قيادات التظاهرات بأن التصعيد الاعلامي والتجاوز على المقدسات، والعزف على وتر الطائفيه لن يفيد احداً وان الوسطيه والعقلانيه هما ما يمكن ان يديردفة الاحداث باتجاة الحسم الفعلي ويذهب بظلال الازمه الى غير رجعه.
لقد اتسم عمل الهيئة السياسيه للتيار الصدري خلال هذه الازمه وبفضل توجيهات السيد مقتدى الصدر (اعزه الله) بالهدوء والواقعيه والوسطيه، وظل محافظاً على مسافه واحده من جميع أطراف الازمه.
فالتيار الصدري لايحمل ضغينه ضد الحكومة التي يشكل وزراء فيها قوة مؤثره اثبتوا خلالها أنهم في طليعة الوزراء الذين حظى أداءهم برضى وقبول الشارع العراقي بسبب ميدانيتهم وحرصهم على تقديم أفضل ما يمكن وكانت نسب الانجاز في وزراتهم تفوق مثيلاتها في الوزارات الاخرى.. بل على طريقة الاداء الحكومي وغياب ستراتيجيه التعامل الواقعي مع ملفات المهمه وغياب الرؤيه المستقبليه الممنهجه للتعاطي مع الازمات والتحديات الكبيرة وفي مقدمتها تحدي الخدمات المترديه.
كما ان التيار الصدري لايمحمل اية ضغينه شخصيه ضد السيد رئيس مجلس الوزراء وهو من منطلق الحرص على وحدة التحالف الوطني وتقويم الاداء والنصح المستند الى الواجب الشرعي في حفظ السلم الاهلي وتحقيق العداله بين المكونات والشركاء، ابدى نصحاً متفوقاً الى المعنيين بهذا الامر طمعاً في تحقيق (تحول) في طريقه الاداء الذي جعل الشركاء يعرضون عن التواصل ويرفعون لافتات الاقصاء والتهميش وغيرها.
ان التيار الصدري يدرك وبشكل عميق ان المستفيد الاول من انهيار التجربه في العراق هو الكيان الصهيوني الذي يراقب الوضع الداخلي في العراق عن كثب ويسعى من خلال ادواته المنتشرة في جميع الكيانات ومراكز صنع القرار ان يدفع باتجاه الاقتتال الطائفي لان عراقاً ممزقاً ضعيفاً هو اقصى ما يسعى اليه الكيان الغاصب. وهذا الهدف لن ينمو الا في بيئه طائفية حقيقيه يسعى البعض الى توفير مستلزمات اعدادها مدفوعين من جهات ترتبط بالصهيونه العالميه وتمثل واجهه مفضوحة لموجة التحشيد الطائفي عموم المنطقه التي نظرت لها المخابرات المركزية الامريكية في مقدمتها مشيخة قطر.
ان العبره المتوخاة من الحراك الصدري مع تداعيات الاحداث الحالية ليست انية النتائج، بل ستتضح صورة ايجابياتها مع دخول الازمة في مرحلة الانفراج، في حالة تعامل الحكومة والبرلمان والعشائر ورجال الدين، وجميع العقلاء من اصحاب  الحل والعقد… مع هذه الازمه ايجابياً ومن منطلق الحرص على وحدة العراق وحقن دماء ابناءه وهي مسؤولية شرعيه اولاً وأخراً.
لقد كفل الاسلام كمنهج متكامل للحياة حق التعايش السلمي لجميع بني الانسان دون النظر الى اللون والمعتقد ولربما يكون تذكيرنا بوصية الامام علي ابن ابي طالب (ع) الى مالك الاشتر حين ولاه مصر (ولاتكونن عليهم سبعا ضاريا فهم اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) مفيداً في اطار توضيح البعد الشرعي لتعاطي قيادة التيار مع هذا الحدث بل مع عموم الاحداث الاخرى وهو ما أشرنا اليه في مقالات سابقه حول الموضوع.
لذلك فوقوف التيار مع مطالب الشعب دون تمييز لانتماءه المذهبي يشكل حجر الزاوية في هذا الفعل وهو عامل قوة (للمذهب الشيعي) الذي يشكل قطب الرحى في عملية قيادة المجتمع الاسلامي الذي يرفض الظلم بكل أشكاله واين كان وعلى اي وقع.
اذن فالوسطيه تستدعي ادوات التسامح والعقل، والتصالح مع الذات والاخرين وهي مكونات حيويه لعنصر الفعل  السياسي في زمن وصفت السياسه بأن (لاقلب ها) كما ان مكونات المجتمع العراقي عموماً قد أعرضت عن فئوية قاداتها وبدأت تبحث عن قيادة وطنية تضم تحت جناحيها كل العراقيين وتتفاعل مع حاجاتها وامالها ومتطلباتها بروح منفتحه وقلب كبير وهو ما يعرضه التيار الصدري متقدماً كل المتصدين على الساحه العراقية
[email protected]