23 ديسمبر، 2024 3:01 ص

ما الجديد في تغيير الوجوه؟

ما الجديد في تغيير الوجوه؟

منذ عام 2003 حتى اللحظة، اتخذت مفردات عديدة حيزا كبيرا في مسامع العراقيين، أولها كانت مفردة السقوط، وقطعا كل سقوط يعقبه واحد من اثنين، أما نهوض او تداعيات في السقوط. والذي حدث منذ ذاك العام ومازال يحدث، لا يمكن إخضاع تسميته الى قاعدة او قالب واحد يصلح لكل التفسيرات، إذ كلٌ يفسره حسب ما يظنه واقعا، او نزولا على ما يتمناه، او طبقا لما تملي عليه مصلحته، لذا فمنهم من يشيد بالانجازات التي حصلت رغم ضآلتها، ومنهم من يضعها تحت مجهر خداع يكبرها ألف مرة، فتضيع الصورة الأولى تحت سلبيات الصورة المكبرة، وبذا يكون حاصل تحصيل الصورة الظاهرة مموها او مفبركا، وبالتالي فالصورة لاتمثل الحقيقة. ومن المفردات الأخرى التي شاء لها الظرف ان تدوي في مسامعنا طيلة السنوات الثماني الماضية، هي مفردة (التغيير).
والتغيير يأخذ من المعاني الكثير، ومن الصور أكثر، والعجيب الغريب في ساسة العراق السابقون، وكذلك الموعود بهم العراقيون في مقبل الأيام، أنهم مشغولون بالتغيير كما يزعمون، ويسعون لبلوغه، ويعملون جاهدين على تحقيقه، في حين أن المواطن قبلهم يريد التغيير وهو بأمس الحاجة اليه، بدءًا من أصغر مفردات حياته وصولا إلى أهمها وأشملها، لكنه في وادٍ وهم في وادٍ. فكيف يغمض لهم جفن ويهدأ لهم بال وهم على علم بملايين الأفواه الفاغرة التي قلما تكتمل لديها النعم بحدها الأدنى في آن واحد وآنية واحدة؟ ولعل من أهم تلك النعم (الريوگ والغدا والعشا). ومن المؤكد ان أصحاب الأمر والنهي في سلطات البلاد، على دراية بأعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر بألف درجة، ولم تصلهم رائحة أمل حتى لو حصل ألف تغيير، فيما لو افترضنا أنه سيحدث من خلال الدورة التي على الأبواب.
فالتغيير في نظر المواطن هو النقلة النوعية في جوانب حياته، التي مل من تردّي أوضاعها يوما بعد آخر وعاما بعد عام، وأتعبه ضنك العيش، وهو في بلد يفيض نهراه حبًا وخيرًا وعطاءً، وتتنوع خيراته تحت الأرض وفوقها، ومع كل هذا لم يلمس أي تغيير من الذي يسمعه منذ عام 2003. إذ يصطبح بقلق وخيبة أمل، ويمسي بأضعافه وأضعافها، وهذا دأبه في حياته منذ الربع الأخير من القرن المنصرم حتى اليوم وإلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
وبدخول الديمقراطية والانفتاح في ذاك العام (المفترج) حل التغيير بكل ماأوتي من قوة، ولكن، باتجاه لم يكن بالحسبان، إذ شمل التغيير أشياء غير مرغوب فيها ودخيلة على طبائعنا، فتارة ظهور تماسيح في أهوارنا، وتارة أخرى انسياب افعى سيد دخيل الى بيوت مطمئنة او مدارس اطفال آمنة، وطورا خنازير برية تهاجم راعيا في الفلاة او فلاحا في زرعه، أو اسماك قرش تلتهم صبيا في ترعة او جدول يستحم فيه، لاسيما انه لم ير صنبور ماء وفرته له حكومته في البيت، وما زال دأبه الماء المالح وطفح المجاري وانعدام الخدمات.
وقطعا تربعت على عرش التغيير من عقد ونصف العقد الأحداث المفزعة، وهي المفخخات والعبوات وأدوات القتل والدمار التي لم يكن يراها إلا في أفلام الرعب، فباتت تحيق به وتحيط مدينته وزقاقه ومحلته وبيته. وفوق هذا التغيير وذاك ما تطرحه لنا شجرة البرلمان من تغيير في الثمار، إذ لم نعهد من كبير أو صغير دخل تحت قبة البرلمان إلا تغيير السير، وجعله عكس ما يشتهي المواطن وضد تياره، وهو لايطلب سوى المعقول من حقوقه، واليسير من ثروات بلده، التي سرعان مايشملها التغيير فتتبدد على أيدي من يتسنمون المناصب في سدة الحكم.
فهل هناك في الأفق مايطمئن المواطن بالمعنى الحقيقي لمفردة التغيير؟ أم ان التغيير في العراق يعني النكوص والتقهقر والتخلف، في زمن يعدو فيه بنو جنسه على المعمورة نحو حياة الرفاه عدوا ووثوبا وطيرانا!.