28 ديسمبر، 2024 7:59 ص

ما اشبه اليوم بالبارحة

ما اشبه اليوم بالبارحة

يذكر لنا الكاتب الكبير حنا بطاطو في كتابه القيم (العراق… الطبقات الاجتماعية و الحركات الثورية في العهد العثماني حتى قيام الجمهورية ) الوضع العراقي تحت حكم العثمانيين و المماليك. حيث يقول؛ في عهود المماليك و ما قبل المماليك كان الوجود في مركز حكومي كثيرا ما يعادل ان يكون الانسان في ميدان الاعمال. و كثيرا ما كان الحصول على التعيين يتم عبر شراء المراكز، و كان المزايد الفائز بالمركز يعوض ما دفع، مع الفائدة، من خلال وجوده في الوظيفة . و ربما كان من الصعب العثور على شيء اسمه الشعور بالمسؤولية العامة، بل ربما كان هذا شيئا غير مفهوم على الاطلاق .

من يدقق في الوضع الحالي و ما آل اليه العراق من كيفية تسنم المناصب و المسؤوليات في عهد مابعد الدكتاتورية، و ما يعيشه الشعب و الكتل السياسية من الصراع الشديد على المواقع المتنفذة، يمكنه ان يعيد الى ذاكرته حياة المماليك و العثمانيين و يقارنه مع الحال، والمحزن انه لم يتحمل عبء هذا الفساد الا المواطن البسيط من خلال حياته و كيفية عمله و ادارة اموره العامة . فكم سمعنا عن المناصب الوزارية التي بيعت بالمليارات من الدنانير، و لنا ان نسال كيف يسترجع الفائز بالمزايدة هذا المال مع الربح ان لم يكن على حساب الشعب سواء من خلال المشاريع و كيفية الاستفادة منها او من خلال رغيف خبز المواطن .

فان التنافس الشديد و التوريج الانتخابي الذي صُرف فيه المليارات من الدنانير على حساب الدولة و من اموال العام فيما كشف اخيرا ليس الا تبذيرا و فسادا و بذخا على حساب الشعب، و لا يمكن الاقتراب من العدالة الاجتماعية الا بمحاسبة هؤلاء و محاكمتهم بالطريقة العادلة لياخذوا جزائهم العادل و ليتعض منهم الاخرون اليوم ايضا و لمنع تكرارالعملية .

يقول حنا بطاطو في مكان اخر؛ ان السخاء والتبذير اللذين يظهرهما المسؤولون في ايامنا لا يمكنها ان يعودا الٌا الى واحد من اثنين: فاما ان يكونوا اساؤوا استخدام الاموال العامة او انهم كدسوا هذه الثروات من خلال الفساد او من خلال اجبار الناس على العمل بلا اجر، هادرين حقوقهم، لتبطين جيوبهم الخاصة . و هذا ينطبق كليا على الحكومة الرشيدة السابقة تماما و ما حدث فيها و يكتشف يوميا من الفساد الذي كانت هي فيه و الذي يدنى له الجبين . فكم من مسؤل اثرى و كدس من الاموال و له مشاريع في الداخل و الخارج و كان لا يملك اكثر من حاجته قبل استلام مهامه .

ان استقدام المسؤولين و من هم من اصول غير عراقية امر يتكلم عنه العالم جميعا، ومن مبعوث الدول فهناك من المواطنين العراقيين ايضا الذين من اشترتهم المخابرات الاقليمية و اصبحوا تابعين لهم، لا يفعلون الا لمصلحتهم . و هذا ما كان سائدا ايضا في العهد العثماني، فكم من الموظفين ياتون من اسطنبول و اماكن اخرى من الامبراطورية العثمانية، من النوعية المنحطة بشكل ملحوظ، نظرا لعدم مجيء الكثيرون الى العراق لكونه بعيدا من جهة و صعوبة التعامل مع اهله و قسوة مناخه من جهة اخرى. فلم يات الا من الجهلة و غير الكفوئين و سيئي السلوك و التصرف من الموظفين المسؤولين، و كانت الدوافع الوحيدة لمجيء هؤلاء هو جمع المال فقط عنوة كان او ابتزازا .

اما اليوم فيمكن ان نقول هناك هدف اخر اضافة الى جمع المال من الموالين للجهات الخارجية و هو العمل وفق مصلحة المتدخلين و اتخاذ القرارات وفق مشيئتهم السياسية و اوامرهم الصادرة من عواصمهم .لانهم لا يحكمون بشكل مباشر كما كانت الحال ابان حكم العثماني . وفي تلك الفترة و يمكن ان نقول لحد اليوم ايضا، كانت العوائل الثرية الاسرتقراطية التابعة للسلطة دائما تتبع اوامر الامبراطورية و كانوا في خدمة الحكومة التابعة ايضا و اساؤوا استخدام المواقع و زادوا ما يملكون من المادة على حساب الشعب و توارثت ابناءهم الثراء لحد اليوم .

و هل لنا ان نقول ان حال العراق ستستمر هكذا و تعيد الكرٌة كل قرن او كم عقد من الزمن و بنفس المسرحية و بممثلين جدد ؟