المتتبع المتدبر لآي القرآن الكريم ، يشعر بأن العالم يعيش خطئاً شائعاً في حصر تسمية (المسلمين) بأتباع الشريعة المحمدية ، وهذا الخطأ الشائع أخذ بالانتشار في كل بقاع العالم ، حتى أصبحت كلمة (مسلم) (Muslim) تطلق علينا – نحن (أتباع الشريعة المحمدية) – دون غيرنا ، وأصبح إرسالها في الكتب والمقالات والبحوث ووسائل الاعلام إرسال المسلمات ، وهذا كله بسبب (احتكار) أتباع الشريعة المحمدية لهذه التسمية ، وعدم تدبرهم لآيات القرآن المبددة لهذا الزعم ، مع وجود جذور تأريخية كانت عاملاً في (تأطير) أتباع الشريعة المحمدية بهذه التسمية حصراً .
والحقيقة الجلية في القرآن الكريم وآياته الواضحات ، إن الله سبحانه وتعالى قد أطلق على أتباع (الشريعة المحمدية) تسمية (المؤمنون) ، ولم يطلق عليهم تسمية (المسلمون) ، لأنهم يمثلون جزءاً من مجموع (المسلمين) من بقية الشرائع ، وليسوا هم (الأصل) في هذه التسمية ، بدلالة ما ورد في كتاب الله ، في غير موضع ، وأقربها ما ورد في الآية (62) من سورة البقرة ، والتي نصت على :- (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) .
وسواء رضي أتباع بقية الشرائع السماوية بكونهم (مسلمون) أم رفضوا ذلك ، فالأثر المترتب على قبولهم ورفضهم ليس (مهماً وخطيراً) بقدر أهمية وخطورة فهم وإدراك (أتباع الشريعة المحمدية – المؤمنون) لهذه المفردة ، وقبولهم وتسليمهم بها ، أو رفضهم إياها .
فرفض أتباع الشريعة المحمدية (المؤمنون) للمعنى الحقيقي لمفردة (المسلمون) ، قد ترتب عليها أثر خطير ،وما زال هذا الأثر واضحاً ، وانعكس بدوره على أسلوب تعاملهم وتعاطيهم وعلاقاتهم وتحالفاتهم مع أتباع بقية الشرائع ، وليس بوسعنا أن ننكر ما خلفه هذا الرفض من علاقات متوترة ، أو حروب (دينية – سياسية) راح ضحيتها الكثير الكثير من البشر على مدى السنين الطوال .
الواضح جداً من خلال النصوص القرآنية ، بأن جميع البشر هم (مسلمون) ، مع اختلاف (التوصيفات) الدلالية لانتمائهم لشرائعهم ، فأتباع الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) هم (مسلمون – مؤمنون) ، وأتباع موسى (عليه السلام) هم في الحقيقة (مسلمون – يهود) ، وكذلك النصارى والصابئين ، فكلهم تطلق عليهم تسمية (مسلمون) باضافة تميزهم عن غيرهم من أتباع الشرائع السماوية ، وغير السماوية .
والحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون ، إن الدين واحد ، وليس متعدداً ، ولا توجد حقيقة إسمها (أديان) ، بل هناك حقيقة أثبتها القرآن لتدل على (عدم) تعدد الأديان ، وهذا واضح جداً في كتاب الله سبحانه وتعالى حيث يقول :- (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ) / آل عمران 19 .
وليس بعيداً عن هذا المعنى قوله تعالى :- (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) / آل عمران 85
وهو ما أشار إليه إبراهيم (عليه السلام) في وصيته لأبناءه قائلاً :- (وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) / البقرة – 132
ولكن هذا لا ينطبق على الشرائع ، فالشرائع التي جاء بها الأنبياء (خمس) وليست واحدة ، وليس أكثر ، بدلالة صريح القرآن في نصه الواضح :- (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) / الشورى -13 .
مما سبق يتضح بأن (الدين) واحد ، وهو (الاسلام) ، ولكن الشرائع (خمس) ، وهي شرائع الأنبياء نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد (عليهم وعلى آل محمد أفضل الصلاة والتسليم) .
ويمكننا أن نستفيد من ذلك أن أول شريعة نزلت إلى الآرض هي شريعة (نوح) عليه السلام ، تبعتها بقية الشرائع بمقتضى تطور المجتمع ومسيرة التأريخ ، فــ (نوح) عليه السلام هو أول المرسلين ، وشريعته هي الأولى ، وأما ما قبله من الأنبياء فقد اندثرت أخبارهم ، ولم يعد لما جاءوا به من أثر ، بدليل قول الله تعالى :- (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) / النساء – 163 .
ولقد يرى المتتبع المتدبر لكتاب الله ، إن الآية (3) من سورة (المائدة) قد أشارت إشارة واضحة إلى مسألة (الدين) و (الشريعة) حيث نصت على :- (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) ، فكمال الدين هنا يعني (كمال الشريعة) ، وبكمال الشريعة صحت تسمية أتباع الشريعة المحمدية بأنهم (مسلمون) ، بدلالة أن الله تعالى يقول :- (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) .
وقبل أن يحتكر أتباع الشريعة المحمدية تسمية (المسلمون) لأنفسهم ، ينبغي عليهم أن يعرفوا بأن (نوحاً) عليه السلام كان هو من وضع لبنة الاسلام الأولى ، كدين وشريعة ، بدلالة قول الله تعالى :- (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُون * فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) / يونس-71 ، حين جاءه الخطاب بأن (يسلم) وجهه لله رب العالمين .
أما ظهور تسمية (المسلمين) ، فقد بدأت في زمن إبراهيم (عليه السلام) ، وهذا ما ينص عليه صريح القرآن ، بدلالة الآية :- (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ) / الحج 78 ، وهو عليه السلام من بين معنى (الاسلام) ووضعه بالنقيض من كلمة (الشرك) .
وربما اختلط على البعض مصدر كلمة (إسلام) فجعلوها (حصراً) بمن (أسلم وجهه) أو (أمره) لله ، بيد أن إبراهيم عليه السلام قد وضع كلمة (الاسلام) كمفردة مناقضة لكلمة (الشرك) ، بدلالة الآية الكريمة :- (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) / آل عمران – 65 .
فديانة إبراهيم (عليه السلام) هي (الاسلام) ، وشريعته (الحنفية) .، بما دلت عليه الآية السابقة ، والآية الكريمة التي جائت على لسان إبراهيم عليه السلام حيث يقول معبراً عن نفسه :- (إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَأوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) / الأنعام – 79 .
وتسمية (المسلمون) لم تتوقف عند إبراهيم (عليه السلام) ، ولم تدخل إليها شائبة من (ديانة) أخرى ، ولم يأت نبي أو مرسل من بعد إبراهيم (عليه السلام) بأية ديانة أخرى غير الاسلام ، فكل من جاء بعد إبراهيم من الأنبياء والمرسلين (عليه وعليهم السلام) هو من (المسلمين) ، ولم يأتوا بديانة جديدة غير الدين (الاسلامي) الذي ارتضاه الله سبحانه للناس كافة ، حتى أن (الاسلام) كان أمنية ودعاء انتماء إبراهيم عليه السلام (التشريفي) والتكليفي ، كما يتضح من الآية :- (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) / البقرة -127 – 128
ولم يقتصر الأمر على إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) ، فقد أوصى إبراهيم (عليه السلام) أبناءه بالالتزام بــ (الاسلام) ، والثبات عليه ، منطلقاً من معنى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ) آل عمران 19 ، وخشية على أبناءه من (الخسران) ، مساوقة مع النص القرآني :- (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) / آل عمران 85 ، وهذا أيضاً ما يدل عليه صريح الآية (132) من سورة البقرة ، والتي تنص على :- (وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) .
ولا أعرف كيف يتسع لبعض العلماء من أتباع الشريعة المحمدية بأن يخرجوا (اليهود) ،كما أخرجوا النصارى والصابئين وغيرهم ، من (الاسلام) ؟ حيث يعلم من يعلم بأن (إسرائيل) هو (يعقوب) عليه السلام ، وبني إسرائيل هم أبناء يعقوب ، وصريح القرآن يثبت انتمائهم إلى الاسلام كدين ، مع الاشارة إلى اختلاف (شريعتهم) :- (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) / البقرة – 133
ومروراً بالانبياء من بني إسرائيل ، نجد أن القرآن يشيرنا بإشارة واضحة إلى أن أنبياء بني إسرائيل (عليهم وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام) كانوا كلهم من المسلمين ، وهذا القرآن يحدثنا عن (يوسف) عليه السلام ، قائلاً :- (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) / يوسف – 101 .
وجاء من بعدهم موسى (عليه السلام) ، ليثبت الناس على نفس (الدين الواحد) ، وليدعوهم إلى (الاسلام) بمعناه (العالمي) ، بالنص القرآني :- (وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) / يونس – 84
ولم يقتصر الأمر على موسى (عليه السلام) وعلى أتباعه ، بل نجد أن (السحرة) حين بانت لهم معجزة موسى (عليه السلام) ، فإنهم قد صرحوا بأنهم قد ثابوا إلى رب موسى ، واعتنقوا (الاسلام) ، كما يرد في الآية الكريمة :- (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) الأعراف / 123 – 125
وحتى فرعون – نفسه – يلجأ إلى (الاسلام) كمحاولة أخيرة للخلاص من (الغرق) في خضم البحر ، مثبتاً بأن (الاسلام) هو دين الله سبحانه ، ودين موسى (عليه السلام) ، إذ يروي عنه كتاب الله قائلاً :- (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) / يونس – 90
وهذا ليس ببعيد عن المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام) ، حيث نجد في خطابه إشارة واضحة الى التمسك بالاسلام ، حيث يروي عنه كتاب الله بما نصه :- (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) / أل عمران – 25
ولم تقتصر إشارة التسمية على المرسلين من أولي العزم (عليهم وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام) ، ولم يقتصر العهد بالثبات على الاسلام من قبل أتباع المرسلين من أولي العزم خاصة ، بل تدل الآيات الكريمات على أن كل الأنبياء وأتباعهم من بعد نوح (عليه السلام) كانوا (مسلمين) ، ومأمورين بالاسلام كدين (لا بديل عنه) وكل الأنبياء كانوا (دعاة) للاسلام .
فهذا نبي الله سليمان (عليه السلام) يخاطب قوم (بلقيس) بكتاب مختوم ، قائلاً) ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين) / النمل – 31 ، فهو يجعل دعوته دعوة إلى (الاسلام) بدلالة ما ورد في الآية الكريمة السابقة .
حتى أن (بلقيس) حين تبين لها الحق ، فإنها تؤكد هذا المعنى ، وقد صرحت بوضوح أنها قد آمنت برب سليمان (عليه السلام) ، وأصبحت من (المسلمين) ، كما ورد في الآية الكريمة :- (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ، قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ، قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) / النمل – 44
ولم يكتف القرآن بالاشارة إلى نسبة (أتباع الشرائع السماوية) إلى (الاسلام) فحسب ، بل تعداها ليشمل جميع البشر ، ممن بلغتهم الرسالات والشرائع السماوية أم لم تبلغهم ، فكل إنسان منتمي للاسلام حتى دون انتماءه لشريعة سماوية محددة ، لأن الاسلام (فطرة) الله التي فطر عليها الناس ، وها هو القرآن يخاطب كل (إنسان) بلسان (الاسلام) قائلاً :- (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) / لقمان 14
ومما لم يلتفت إليه (الكثير) ممن يقرأون القرآن ، أن (الاسلام) لم يقتصر على بني آدم من البشر ، بل تعداه إلى (الجن) حيث نجد أن القرآن يشيرنا إلى خطاب (الجن) وهم يثبتون انتمائهم واعتناقهم للاسلام ، بدلالة الآية القرآنية :- (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) / الجن – 14
بعد هذه الآيات الواضحة ، لا ينبغي لعاقل أن يعتمد على الموروث الروائي المخالف للنص القرآني ، بل ينبغي على (جمهور المكفرة) أن يعوا بأن الله سبحانه وتعالى قد أشترط على عباده – في كتابه – خصلتين مهمتين للخلاص ، حين قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة :- (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ فالخصلتان المنجيتان هما (الإيمان بالله واليوم الآخر) و (العمل الصالح) .
فالايمان بالله سبحانه وتعالى واليوم الآخر ، هو (عقد بالقلب) قبل أن يكون (نطقاً باللسان) أو (عملاً بالاركان) ، وهو ما لا يمكن الكشف عنه (ظاهرياً) ، ولا يمكن من خلاله (الحكم) على توجهات الانسان ومعتقده ، إذ لا يمكن (الكشف) عن قلبه ، أو عن صدره ، وبالتالي ، فأمر إيمانه موكول لعالم (السر والسرائر) ، وليس لأحد أن يحكم عليه .
وأما بالنسبة للعمل الصالح ، فهو كل عمل يقوم به الانسان لمنفعة أخيه الانسان ، على أساس أن (خير الناس) من نفع الناس ، بصرف النظر عمّا يكتنز في صدره من إيمان أو (إلحاد) .
وعليه ، فمن الخطأ الجسيم أن نشير بإصبع (التكفير) لأي إنسان في الكون ، وليس من حقنا أن نتهم أي شخص بأنه (كافر) إلا بموجب ما أثبته الله سبحانه وتعالى في كتابه من صفات الكفار ، مع الاشارة إلى أنه (لا توجد) إطلاقاً في كتاب الله آية واحدة تدعو لــ (قتل الكافر) دون أن يبدأ هو بالقتال ، وأهم ما يدل على ذلك أن كل آيات القتال تنص على كلمة (قاتلوا) ، أي بمعنى (الرد) ،وليس (المبادرة) ، والأقوى منها قوله تعالى (ولا تعتدوا .. إن الله لا يحب المعتدين