عرف عن العرب أنهم ( ظاهرة صوتية ) بامتياز، وبغض النظر عن موقفنا من هذا الوصف، أن العرب ليسوا ظاهرة صوتية فحسب، بل يمتلكون من الحضارة والتراث والتاريخ والجغرافية، ما يجعلهم بمنزلة متميزة بين شعوب المعمورة، إلا أنهم فعلاً ظاهرة صوتية قبل كل شئ… وليتهم كانوا ظاهرة صوتية فاعلة ومؤثرة في العالم وأحداثه المتسارعة، لكانت صفة الظاهرة الصوتية مديحاً لهم وتغزلاً بهم، وإشارة واضحة إلى أنهم يسهمون في صنع العالم الجديد.. لكن المؤسف أنهم ظاهرة صوتية متأثرة منفعلة بأحداث المحيط العالمي بما يشبه حال الوادي السحيق المهجور، الذي يردد صدى عصف ريح الإعلام العالمي العاتية التي تحاول دحو الأرض ، وتكوير السماء من جديد.. لترسم معالم العالم مرة أخرى.
إن الإعلاميين العرب ليدركون الورطة الكبيرة التي أوقعهم في وحلها الإعلام الغربي، ويدركون تماماً أنهم يذبحون مهنيتهم ومصداقيتهم بأصابعهم.. وهم مع ذلك سادرون في ترديد الصدى.. صدى معزوفات وحشية همجية، يتراقصون عليها أمام نيران الفتنة المحتشدة، لنها على الأقل تغازل فيهم نسقاً ثقافياً منحطّاً، يرخي المفاصل، ويُسيل اللعاب. ومصاديق ذلك أكثر من أن تحصى في ظل أوضاع قلقة مضطرمة تضرب المنطقة.. ليس بدءاً بإرهاب العراق ونووي إيران، وليس انتهاءً بتفخيم الأقزام والإجهاز على مقاومة لبنان…. وبين هذا وذاك صناعة الهرج والمرج في سوريا.
نعم إن التغيير كان موجة عارمة، تصاعد شيئاً فشيئاً، ليجرف السكون الثقيل الذي خيم على المنطقة لأجيالٍ متعفنة.. كان لابد من التغيير.. وكان حرياً بالحكومة السورية أن تنتبه لهذان وأن ترضي شعبها الذي خرج من القمقم، وهيهات أن يعود.. كما كان لابد لها أن تنتبه للمجاميع الأرهابية العربية والإسلامية من شذاذ الآفاق الذين تجمعوا في ربوعها وتدربوا، ليُصدَّروا لاحقاً على شكل مفخخات وعبوات معلبة تغتال أطفال العراق، بصمت إعلامي عالمي يشمل الإعلام العربي الشريف جداً، وبتواطؤ دولي يشمل الدول العربية الشقيقة جداً… وسرعان ما تساندت العوامل الربيعية، وتحشدت الأسباب الشتائية، وتآلفت العلل الظلامية، للانقضاض على الحكومة السورية وشعبها المسالم… نعم ندرك كل ذلك ، نفهمه ونتفهمه.. مع أن ما لا يعصى على الفهم هذه الازدواجية والتناقض في معايير التحليل والتحقيق والحكم الإعلامي العربي على القضية السورية.
يصمت الإعلام العربي الشريف على سلمية البحارنة، ويتجاهلها ويتجاهلهم، وفي الوقت ذاته تدق الطبول وتقرع الإجراس لتظاهرات سوريا، علماً أن سلمية أهل البحرين صمدت وأخلصت لسلميتها.. وسرعان ما تحولت سلمية السوريين إلى جيوش حرة جداً.. وكتائب إسلامية زيادة على الإسلامية نفسها…. أين الضمير الحيّ لعالم يدعم المسلحين ويدهس المسالمين!! وأين المهنية الشريفة لإعلام حرّ حدّ اللامسؤولية، وهو يجاهر بالمتاجرة بدماء وحريات الشعوب!!! وأين هذا وذاك من دول كبرى وصغرى، ومنظمات أممية ضخمة وأقل ضخامة، وحكومات ديمقراطية ومستبدة، تعلن جميعاً وبكل وقاحة مساندة جيوش المسلحين وتطالب بإمدادهم بالسلاح، وتفتح حدودها لإدخال شذاذ الآفاق والمأجورين والمصطولين لقتل الشعب السوري … وحين يدخل حزب الله للدفاع عن استراتيجياته .. تنقلب الدنيا رأساً على عقب!! أنا لا أشك أن أعداد أفراد حزب الله المساندين لحكومة سوريا أقل بأضعاف مضاعفة من أعداد السلفيين العالميين العابثين بأمن الشعب السوري، وأن الإمداد الروسي والإيراني إن وجد.. أقل بكثير مما تتلقاه المعارضة السورية من دول كبرى من التأييد المعنوي والمادي الرسمي وغير الرسمي.. ومع ذلك تنقلب الدنيا!!!! ألهذه الدرجة يحاول الإعلام العربي استغفال عقولنا.. والتسلل من وراء أرواحنا! أيظن الإعلام العربي أنه غسلنا تماما! ما أهوننا على الغرب! ما أهوننا على الإعلام!
[email protected]