23 ديسمبر، 2024 3:41 م

ما أروع النزاهة

ما أروع النزاهة

كانت النزاهة هي الأصل في من يتسنم المناصب العليا في الدولة، وكانت أيضاً ملحوظة عند من يليهم من الموظفين على اختلاف درجاتهم …
ولم تكن الرواتب والمخصصات قد بلغت الأرقام الضخمة التي هي عليها الآن ..!!
ومن هنا فقد تجد “وزيراً” لايخرج عن كونه (فقيراً) بالمعنى الحقيقي للفقير ..!!
الشاهد التاريخي
يحدثنا الراحل قاسم محمد الرجب – صاحب مكتبة المثنى ببغداد – في مذكراته فيقول :
” وكان أحد الوزراء ، وهو ممن ألفّ تاريخاً للأكراد ، يستعير الكتب من هذه المكتبة – ويعني بها المكتبة العامة في باب المعظم والتي سميت عام 1961 بالمكتبة الوطنية – إذ أنَّ حاله لم تكن تسمح له باقتنائها “
والسؤال الآن :
ما معنى ان حاله لم تكن تسمح له باقتناء الكتب ؟
انها تعني بكل وضوح وبساطة :
أنه لم يكن يملك المال الكافي لشراء ما يحتاجه من الكتب ، ولهذا فهو يلجأ الى الاستعارة من المكتبة العامة .
وهل هناك دليلٌ على نزاهتهِ أكبر من هذا الدليل ؟
ان العجز عن شراء الكتاب هو ما يُمنى به الفقراء والمستضعفون ، والوزير المستعير النزيه ، هو واحد منهم، ويكفيه هذا فخراً وشرفاً .
ان قاسم الرجب لم يذكر لنا اسم هذا الوزير، ولكن الدكتور عماد عبد السلام رؤوف وهو الذي قدّم لمذكرات الرجب وعلّق عليها كتب في الهامش رقم (2) من الصفحة 93 يقول :
هو المؤرخ محمد أمين زكي المتوفي سنة 1948 .
وهو – كما وصفه الرجب – :
” ممن ألف تاريخاً للأكراد ” /ص93/المصدر السابق
فالرجل اذن ، باحث ومؤلف ولم تَحُل (الوزارة) ومسؤولياتها بينه وبين الكتابة ، والبحث والتأليف، وتلك من السمات التي يحمد عليها الرجل .
والسؤال الآن :
أين هم أصحاب الحقائب الوزارية الذين لايعجزهم شراء العمارات الضخمة فضلاً عن الكتب ، من هذا المنحى ؟!!
ان عشّاق العلم والبحث منهم قليلون، فقد أشغلتهم هموم السياسة واستهلكتهم دهاليزُها …
واذا كانوا قد حُرموا من نعمة التأليف، فهل هم عاجزون أيضاً عن ان يكون لهم حضورهم الفاعل في دعم المبدعين والأفذاذ من العلماء والباحثين والكتاب النابهين …؟!!
انهم قادرون – وبكل تأكيد – على ان يكونوا أصحاب مشاريع حقيقية لاحتضان الطاقات الواعدة ، والمواهب المتميزة ، لتسهم كلها في ارساء دعائم التفوق العراقيّ في المضامير العلمية والأدبية والثقافية والحضارية…
ولكنّهم في الغالب – وللأسف – يعيدون عن هذه الآفاق والأشواق .
اننا ندعوهم الى ان يكونوا على مستوى المرحلة ومتطلباتها …
فنحن في الألفية الثالثة التي لاتُعنى بشيءٍعنايتَها بقضايا الفكر والعلم والثقافة والأدب،وكلّ ما يقتضيه التفوق الحضاري المنشود .

[email protected]