لقد ضرب الاسلام أروع الأمثلة في الرفق بالحيوان، ذلك المخلوق الذي له حق الحياة مثلما تتمتع سائر المخلوقات بهذا الحق الذي وهبه الله تعالى للمخلوقات جميعا لكي تتكامل فيما بينها، ولكي يؤدي كل منها دوره المنوط به في هذه الحياة الدنيا، ومعالجة الاسلام لهذه المفردة تختلف جوهريا عن معالجة سائر الأنظمة الدنيوية لها، إذ أن الاسلام أوصى بضرورة حفظ حقوق الحيوانات في العيش الآمن المستقر لتقديم خدماتها الجليلة للإنسان خاصة في الغذاء والتنقل واللباس والزينة، ولكي تكون الخدمة في أوجها أوصى بعدم ايذائها أو استصغارها أو التهاون معها، وبشر الذين يعاملونها بلطف بالرحمة والرضوان، وأنذر الذين يعاملونها بعنف بالنقمة والنيران، بخلاف سائر الأنظمة الوضعية التي ربما تلتجأ إلى المبالغة في العناية أو المبالغة في الايذاء لدوافع مادية أو لدوافع ترفيهية ولربما لدوافع انسانية ولكنها لا ترتقي بأي شكل من الأشكال الى المعالجة الاسلامية التي فيها من النوازع الذاتية والعقدية ما تحافظ على الحقوق دونما غمط أو تقصير أو اهمال.
وهكذا ندرك أن الإسلام لا ينظر إلى الحيوان نظرة دونية، بل ينظر اليه نظرة واقعية دون افراط أو تفريط كقوله تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ). (الأنعام: 38) فالإسلام يلفت انتباه البشرية إلى حقيقة مهمة، هي أن الحيوان والطير والحشرات تنتظم كلاًّ منها على شكل أممٌ كأمم الإنسان، أمم لها سماتها وخصائصها وتنظيماتها، وإذا كانت بعض الآيات في القرآن الكريم تحمل تحقيرا (ظاهريا) لبعض الحيوانات، من مثل قوله تعالى عن ذلك الصنف من البشر الذي يتخلى عن نعمة الهداية بعد أن يسبغها الله عليه: (…فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). (الأعراف: 176). أو في معرض ذمه لليهود الذين لم يعملوا بما في كتبهم: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). (الجمعة: 5).
وإنما جاء تشبيه اليهود والمشركين بالحيوانات (كالكلب والحمار)؛ لأنهم لم يقوموا بالدور المنوط بهم، فأصبحوا كالأنعام (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا). (الفرقان: 44) وليس في هذا ذمٌّ للحيوانات، ولكنه ذم لمن عاش أدوار الحيوانات، ولم يعِشْ دوره هو!! ومن الأمور التي تستحق الالتفات – ونحن نتعرف على عناية الإسلام بالحيوان – تلك الكيفية التي نظم الله بها علاقة الإنسان بذلك الحيوان، فإذا كان الله ـ تعالى – قد سخَّره لمنفعة الإنسان وخدمته على نحو فطري وغريزي، فإنه -سبحانه- أيضًا قد رسم للإنسان حدود العلاقة به والتعامل معه.. فبيْن المغالاة التي ترفع الحيوانَ فوق قدْره الطبيعي، وتصل به إلى مخدوم من قِبَل الإنسان (بل معبود في أحيان أخرى!!).. وبيْن إيذاء الحيوان وتحميله فوق طاقته، فضلاً عن تشويهه والعبث به!! بين هذين المنهجين المتباعدين يخطُّ الإسلام طريقا وسطًا -كشأنه في كل الأمور-؛ فهو يُعلِّم المسلم أن الحيوان مسخَّر له فضلاً من ربه، يستعين به على مقتضيات المعاش وعمارة الأرض.
ثم ان الاسلام -إلى جانب ذلك- يلفت نظر الانسان إلى أن رحمته بالحيوان والرفق به عبادة وقربى، يتوسل بها العبد إلى رضا ربه الرحيم، كما أن تعذيب الحيوان وحرمانه حقه وترويعه وإجهاده في العمل.. كل هذه وغيرها من نواقض الرحمة، بل هي تستوجب عقاب صاحبها في الآخرة!! وهكذا يتفرد التشريع الإسلامي في رعاية حقوق الحيوان بربط هذه الرعاية بالله وبحساب الآخرة، ثوابًا كان أو عقابًا.
انظر الى رأفة النبي (صلى الله عليه وآله) بالحيوان حينما دخل حائطاً لبعض الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) ذرفت عيناه، فمسح النبي الأكرم سنامه، فسكن ثم قال: من رب هذا الجمل؟! فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فإنه يشكو إليَّ أنك تجيعه وتذيبه. (بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج61 ص395).
يا له من درس أخلاقي عظيم يقدمه الرسول الأعظم للإنسانية، انه يوبخ الصحابي ويدعوه الى مخافة الله تعالى في تعامله مع الحيوان، والسبب في ذلك يكمن في ان الصحابي ترك حقا من حقوقها في تجويعها واهمالها واضعافها بالرغم من أنها تقدم الخدمات الجليلة له ولسائر العباد والبلاد!.