عمودي في صحيفة العالم الجديد 26 آيار
الذي لم يتداوله الإعلام للأسف الشديد في خطاب استقالة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، هي فقرات واسعة ومؤثرة عاطفياً ، وجهت فيها تيريزا عميق شكرها وإمتنانها للمسؤولين العراقيين الذين تعلمت منهم ثقافة الإستقالة حين الفشل وقالت نصاً “من عميق قلبي ومشاعري ووجداني ، أشعر بالامتنان والشكر العميقين للمسؤولين العراقيين الذين تعلمت منهم ثقافة مفقودة في بلادنا ، وهي ثقافة إستقالة المسؤول حين يفشل في تنفيذ برنامجه الحكومي ايّاً كان موقعه”.
وأضافت بنبرات حزن عاطفية ” كنت اتابع السلوك السياسي للمسؤولين في العراق منذ 2003 وهم يقدمون إستقالاتهم من مناصبهم من الأشهر الأولى لتوليهم المناصب التي فشلوا في ان يكونوا بمستوى مهامها المهنية ، وكنت أكن لهم عميق إحترامي ، وأتعجب من أين جاءوا بثقافة حضارية وديمقراطية من هذا الطراز ، علينا حقيقة ان نعيد النظر في رؤيتنا لهؤلاء البشر الذين طالما ظلمناهم وقلنا لقد استبدلت اميركا دكتاتوراً بمافيات ” !!
ثم توقفت عن الكلام المباح ومسحت دمعتين ساخنتين وواصلت بصوت مرتفع كأنها تريد إيصال صوتها الى بغداد عبر بساط الريح وليس الفضائيات التي كانت تنقل خطاب الاستقالة ” لم أتعلم منهم فقط الإستقالة من موقع المسؤولية بسبب الفشل ، بل ثقافة الإستقالة من رئاسة الحزب أيضاً ، متجاوزة ثقافة التوريث الحزبي التي تعودنا عليها وترسخت في حياتنا السياسية فأصبحت كالسرطان في الجسد العليل ، لكن المسؤولين العراقيين قلبوا المفاهيم في رأسي وقناعاتي ” !
واستغرب مراقبون أن تخصص ماي كل هذه المساحة من خطاب إستقالتها لتشكر المسؤولين العراقيين ، خصوصاً بعد أن واصلت سرديتها الممتعة عن العراق .
حتى ان جاري ابو محمد استغرب وقال ماذا تتحدث هذه المرأة ؟، فنصحته بإستمرار الإستماع ومن ثم التعليق وإبداء الرأي .
واصلت ماي وهي تلّوح باشارة النصر بإصبعيها ” أريد أن أكون صريحة أكثر ، واقول لكم، إن إختيار رئيس جديد للوزراء سيكون في مصلحة البلاد، وهي عبارة إقتطعتها نصاً وروحاً من خطاب لرئيس وزراء عراقي قدم إستقالته بعد أن فشل في تحقيق برنامجه الحكومي ، ولم يشن الرجل حملة تسقيط سياسي وأخلاقي كما نقوم بذلك عادة ، هنا في بريطانيا الديمقراطية وإرثها العميق “.
وسلطت الصحف البريطانية صباح اليوم التالي الضوء على قول ماي ” أعتقد أن المثابرة كانت ضرورية، حتى عندما كانت إحتمالات الفشل كثيرة. ولكن من الواضح الآن أن مصلحة البلاد تتمثل في أن يقودها رئيس وزراء جديد، ليواصل هذه الجهود وفشلي في المهمة التي حملتها على عاتقي منذ البداية سوف يبقى عبئاً اتحمله لباقي حياتي، لقد كان وسوف يبقى دائماً عجزي عن قيادة البلاد للخروج من الاتحاد الأوروبي مصدراً للندم الكبير”..!
وذهبت الى أبعد من ذلك عنما فجرت قنبلتها بالقول ” لقد تعلمت منهم إن هذا المنصب هو منصب من لاصوت لهم كما يفعل الساسة العراقيون تماماً ، فقد تعلمت منهم أن أكون خادمة لمن تعذر وصول أصواتهم وليس مزورة إنتخابات للحصول على المنصب كما يجري في بريطانيا تماماً..!!”
وأشارت ماي إلى أن “الأمن والحرية والفرصة، هذه القيم هي ما قادتني خلال مسيرتي المهنية. ولكن الميزة الفريدة لهذا المنصب هو استخدامه كمنصة لمنح الصوت لمن لا صوت لهم، للقضاء لمحاربة الظلم الذي لا يزال يُخيم على مجتمعنا”..!
شكراً لمسوؤلينا الذين رفعوا رؤوسنا في محافل دول العالم بنموذجهم الفريد ، وتباً للتقارير التي تقول عن طبقتنا السياسية بأنها أسوأ مامر بتأريخ العراق السياسي منذ ولادة الدولة العراقية الحديثة على يد بريطانيا نفسها !!