مامن أحد ينكر الظروف القاسية التي تحيط البلاد من كل جانب، والتداعيات التي فاقمت عليه مشاكله أضعافا مضاعفة، وآل مآله الى أحلك المحن السياسية والأمنية والاقتصادية، وبات يعيش وسط براكين من التهديدات فضلا عن التركات الثقيلة التي ورثها عن العقود السابقة، والتي يرزح تحت وطأتها المواطن والحكومة على حد سواء، كل هذه الضغوط -وغيرها- بانت آثارها بشكل مرعب على حاضر البلاد ومستقبله، لاسيما بعد تأخير إقرار موازنة عامين متتاليين، فقد بلغ سوء الحال الاقتصادي حدا ألقى بظلال أشباحه على شرائح المجتمع كافة، وهم بأمس الحاجة الى نصفه وثلثه وربعه وعشره، لسد الثغرات المفتوحة في جوانب البلد في محافظاته كافة، أولى تلك الثغرات هي قضية النازحين ومأساة أوضاعهم المزرية، التي وصلت حد تعرض عدد لايستهان به من الأطفال وكبار السن الى الوفاة، وهم يفترشون العراء ويلتحفون الثلوج قبل أشهر وسط صرير الرياح في قر الشتاء القارس، واليوم هم يعانون من الحر الذي بدأ يدب في الأجواء، منذرا بصيف لاهب، مع شح الغذاء والماء والدواء وأبسط مستلزمات العيش، وعلى المعنيين أن يولوا النازحين أولوية قصوى في اهتماماتهم.
إن الوضع المزري الذي يعيشه النازحون من محافظة الأنبار اليوم، لايقل قسوة ومرارة عن موجات النزوح التي أجبر أبناء الموصل وقرى سهل نينوى على ركوبها، في بداية غزو عصابات داعش الإرهابية في حزيران من العام المنصرم، وكما كان أبناء الموصل عراقيين، فهاهم أبناء الأنبار عراقيون أيضا، ولو وضعنا مقارنة بين واجبات الدولة تجاههم، وما يقوم به الأهالي في العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، للمسنا بشكل واضح مدى تفاعل المواطنين مع احتياجات أخوانهم في الدين او نظرائهم في الخلق من المبتلين بالنزوح القسري. وقطعا كان الأولى بالدولة والحكومة أن تأخذان أمر النازحين برمته على عاتقهما، إذ بإمكانيات الدولة المادية يمكنها سد جميع متطلبات النازحين في وضعهم الحرج من جهة، ومن جهة أخرى تضع المؤسسات الرسمية يدها على المجاميع الهائلة من العوائل النازحة، والتي صارت مشروعا للتفخيخ ودس العناصر الإرهابية بين أفرادها، الأمر الذي ينذر بخطر أمني جسيم قد ينفجر في المدن التي يتم النزوح اليها، وعلى الدولة والجهات الأمنية التنبه اليه باكرا قبل فوات الأوان، إذ ستحاول المجاميع الإرهابية تعويض خسارتها في صفحة مسك الأرض المسلوبة في محافظة الأنبار، بفتح صفحة معركة جديدة داخل بغداد او باقي المحافظات الآمنة، بواسطة العناصر المندسة بين العوائل النازحة، ولايستبعد بتاتا ان هناك تخطيطا مسبقا لهذا، حيث تنتظر هذه العناصر خلايا نائمة ليلتحم الإثنان بمرحلة جديدة من مراحل الحرب، قد تكون أخطر من سابقاتها. كما أن السلبيات السابقة في عمليات النزوح أفضت الى دروس، على المعنيين الاستفادة منها، أولها التقصير في المبالغ المصروفة لسد احتياجات النازحين، او إيلاء أمر صرفها او التصرف بها الى سراق وفاسدين، كما حدث في اللجنة المشكلة برئاسة صالح المطلك، “سيئ الصيت”..! والتي على مايبدو أن مجلس نوابنا وضعها في إطار التمييع.
إن قضية النازحين اليوم يجب أن تكون الشغل الشاغل لكل مسؤول في الدولة والحكومة، وعليهم إرجاء المشاريع الثانوية التي تتطلب رصد مبالغ طائلة، وتحويل صرفها الى مشاريع طارئة ومستعجلة بكل مايمتلكون من عجالة، لإسكان العوائل المنكوبة تحت سقف آمن، وتوفير الغذاء لأفرادها والدواء لمرضاها، وما من أعذار تسوّغ للحكومة العراقية التفريط بأي مبلغ يخدم مشاريع أخرى، قد تكون ثانوية نسبة الى مأساة النازحين وظرفهم العسير، يقول مثلنا: “اللي يحتاجه البيت يحرم عالجامع”