أبي رحمه الله كان يملك علوة صغيرة لبيع الحنطة والشعير ، وكان القمح مؤنة الفقراء عندما يبيعوه وعندما يأكلوه ، ومن حزنه ولمعانه ونعومته وعشق الفقراء له أعطيت للقمح قصائدا وخواطرا وأهتماما ، مقتديا بقول لهوشي منه : الثورة التي لاتحمل عطر القمح والأرز ليس لها معنى مطلقا.
بسبب القمح أبي الذي لايقرأ ولايكتب كان حكيما ومدمنا على عشق سماع نشرات الاخبار في ( البي بي سي ) .لهذا كنت اصغي الى جمله .
الآن أتذكر واحدة وهو يعقب على ظلم وتعسف موظفة الضريبة ( خديجة ) واصرارها على زيادة دخله السنوي حسب أهواءها وتقديراتها فصارت بالنسبة له بعبعاً وهاجساً مخيفاً .وذات يوم رأني اقلب صفحات مجلة تسمى ( الصين اليوم ) وعلى غلافها صورة لماو تسونغ يزور مزرعة فلاحية فقال : ماو يحكم الصين وليس خديجة ، وحكمته في هذا ان التجربة الصينية تحتاج الى رجل عادل وحكيم وليس جائرا كما خديجة .
تذكرت مقولة ابي الآن وأنا اشاهد طوال رمضان برنامج تلفزيوني عنوانه ( مسؤول صائم ) فتذكرت خديجة في نسخة ليست مشابهة الملامح مع خديجة الأمس ولكن التشابه في أن خديجة اليوم اصبحت مسؤولة وتحكم بحكم التطوروحقوق الأنسان والدستور وهذا من حقها ما دمت انا وابي وأمي وكل عشيرتي نؤمن : أن المرأة نصف المجتمع.
أظهر هذا البرنامج ومع الأناث فقها غريبا لديهن معتمدا على العاطفة البسيطة والحماس المجتمعي الرخو وعدم الخبرة في تحمل المسؤولية لتكون نائبة برلمانية أو مسؤولة دائرة حيث رأينا بساطة الطروحات والفقر الثقافي وحتى المعرفي وكأنهن في حياتهن ( المسؤولة ) هي أرتداء العباءة والجلجاب والذهاب الى الوزارات والدوائر من اجل المراجعة ومطالبة بحقوق دائرتهن الانتخابية ، واعترف ان هذا من بعض مهام النائب ، ولكن هذا جزء بسيط وضيئل جدا من المسؤولية الوطنية للنائب وبأمكان اي موظف في مكتبه وحمايته ال ( 30 ) أن يتابع هذا واغلبه كما يذكرن هن ينصب في راتب الرعاية الاجتماعية .
بعضهن ذهبت للتفاخر في سكنها الذي هو اصلا احد قصور صدام ، وتتفاخر انها كانت مليونيره في زمنه بفضل عمارتها ومعاملها ، فما دمت ياسيدتي كذلك ، كان عليك ان تشعري ان ما خلفه صدام هو ملك للشعب لأنه بناه من اموال الشعب وانتِ لدورتين انتخابيتين لم تدفعي حتى بدل الايجار في انتظار لجنة الوهم لتقدر ايجاره ببضعة دنانير.
هذا النموذج وغيره وفي اكثر مناسبة يظهر لنا انموذج مشابه في تفاصيل اخرى منها تلك النرجسية المفرطة التي تظهرها واحدة في القائمة العراقية وكأنها نزلت الينا من عطارد ، تتزين امام فقراء شعبها الهائم في جمع قناني الكوكا كولا الفارغة بأجمل الجواهر والشالات وتتغدنج في عباراتها وهي تدافع عن راتبها التقاعدي الخرافي لاربع سنوات خدمة فيها حشمها وخدمها واقاربها وعاشت على في كل مناظراتها التفازية على المسلسل الرتيب الذي اسمه : لعبة القط والفار بين العراقية ودولة القانون.
الله يرحمك في رحمته ياوالدي ، هذا هو حالنا . خديج وخديجة مازالا هنا منذ ازمنة موظفة الضريبة وإلى اليوم ، وربما تطورت ليقتحمنا بهاجس عدم احترام مشاعرنا حين يعلن واحد من هذا الخديج في برنامج تلفازي : ان ثمن بلدته 3 الاف دولار …
الآن أتمنى لخديجة أن تحكم الصين لتعود الى الوراء 3 الاف عام حتى لانبقى وحدنا راجعين الى الوراء في هذا العالم…………………………!