18 ديسمبر، 2024 11:13 م

 تدور الأزمة السياسية الحالية في العراق، ومطالبات المتظاهرين في عدد من محافظات العراق، احتجاجا على إجراءات  الحجز والاعتقال والتوقيف والملاحقة التي تطال مواطنين تحت غطاء ( المادة 4 إرهاب) .. حيث يرون أنها تستهدف مكوّن معيّن دون غيره، وهي ذات المادة التي تُسند إلى السياسيين الذين طالتهم تهم الإرهاب وفقها..
فما هي قصة المادة 4 إرهاب؟
وما هو قانون مكافحة الإرهاب العراقي؟..
        والواقع أن التداول لموضوع (المادة 4 إرهاب) بين المتظاهرين المحتجين، واقتصار الاحتجاج عليها قد يشكل قصوراً في الفهم القانوني كان على المعنيين الانتباه اليه، فالمادة (4) إرهاب من قانون الارهاب 13 لسنة 2005 هي مادة (عقابية) أي تتضمن الجزاءات التي تفرضها المحاكم المختصة على المتهمين بارتكاب الأفعال الإرهابية المنصوص عليها في المادتين الثانية والثالثة. وكان يفترض بأن يكون الاحتجاج ضد القانون بأكمله أو بسوء تطبيقه أو المغالاة في توجيه التهم وسوق الناس بتهم الإرهاب جزافاً.
       لا يختلف إثنان أن العراق مرّ بظروف وأحداث بعد عام 2003 وضعته في صدارة الدول التي تعاني من الإرهاب، الذي أدمى أبناء الشعب وبأساليب وأشكال لم تكن معروفة سابقا وبوحشية ودموية قاسية، وهذا ما دعا المشرع العراقي إلى التصدي للمشكلة لقصور المنظومة القانونية العراقية عن مواكبة هذه الأحداث وتوصيفها كجرائم يعاقب عليها القانون العراقي بإصداره قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة2005.
        قانونِ مكافحةِ الإرهاب العراقي أصدرته الجمعيةُ الوطنيةُ العراقية عامَ ألفينِ وخمسة، وموقع من قبل جلال الطالباني وغازي عجيل الياور وعادل عبدالمهدي. ويحتوي على ستة مواد سميت بالإرهابية. وتقع المادة 4 إرهاب ضمن ستة مواد في قانون مكافحة الإرهاب رقم (13)  لعام 2005، وهذه المادة هي الصفحة التي تدور حولها الأزمة السياسية في العراق.
القانون يتألف من (6) ستة مواد فقط.
تضمنت المادة الأولى منه مايلي: ((المادة الأولى- تعريف الإرهاب: كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية أوقع الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار والوحدة الوطنية أو إدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس أو إثارة الفوضى تحقيقاً لغايات إرهابية)).
       في حين أن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي إنضم إليها وصادق عليها العراق عرفت الجريمة الارهابية في مادتها الأولى بأنها: ((هى أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي دولة متعاقدة أو على ممتلكاتها أو مصالحها أو على رعاياها أو ممتلكاتهم يعاقب عليها قانونها الداخلى، وكذلك التحريض على الجرائم الإرهابية، وطبع أو نشر محررات أو مطبوعات أو تسجيلات أيا كان نوعها إذا كانت معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها، وكانت تتضمن تحريضا على تلك الجرائم. ويعد جريمة إرهابية تقديم أو جمع الأموال أيا كان نوعها لتمويل الجرائم الإرهابية مع العلم بذلك)) .
     وتعتبر المادةُ الرابعة من قانونِ الإرهاب العراقي هي الاكثرُ رواجاً واستخداماً في القضاءِ العراقي،  وتحتوي على بندين أطلقَ عليهما “العقوبات”.:
البند الأول يُعاقبُ بالإعدامِ كل من ارتكبَ بصفتِهِ فاعلاً أصلياً أو شريكاً في الأعمالِ الارهابية، ويُعاقبُ المُحرّضُ والمُخطط والمُمَوّلُ وكلُ من مَكّن الإرهابيينَ من القيامِ بالجريمةِ كفاعلٍ أصلي.
أما البند الثاني فينص على العقابِ بالسجنِ المؤبدِ على كلِ من أخفى عن عمد أي عملٍ إجرامي أو تستَّرَ على شخص إرهابي .
   ونصت المادة الثانية من قانون الإرهاب العراقي رقم (13) لسنة 2005 على: ((تعد الأفعال الآتية من الأفعال الإرهابية:
1.   العنف أو التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو تعريض حياتهم وحرياتهم وأمنهم للخطر وتعريض أموالهم وممتلكاتهم للتلف أياً كانت بواعثه وأغراضه يقع تنفيذا لمشروع إرهابي منظم فردي او جماعي.
2.   العمل بالعنف والتهديد على تخريب أو هدم أو إتلاف أو أضرار عن عمد مبان أو أملاك عامة أو مصالح حكومية أو مؤسسات أو هيئات حكومية أو دوائر الدولة والقطاع الخاص أو المرافق العامة والأماكن العامة المعدة للاستخدام العام أو الاجتماعات العامة لارتياد الجمهور أو مال عام ومحاولة احتلاله أو الاستيلاء عليه أو تعريضه للخطر أو الحيلولة دون استعماله للغرض المعد له بباعث زعزعة الأمن والاستقرار .
3.   من نظم أو ترأس أو تولى قيادة عصابة مسلحة إرهابية تمارس وتخطط له وكذلك الإسهام والاشتراك في هذا العمل.
4.   العمل بالعنف والتهديد على إثارة فتنة طائفية أو حرب أهلية أو اقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين أو حملهم على تسليح بعضهم لبعض وبالتحريض أو التمويل.
5.   الاعتداء بالأسلحة النارية على دوائر الجيش أو الشرطة أو مراكز التطوع أو الدوائر الأمنية أو الاعتداء على القطاعات العسكرية الوطنية أو إمداداتها أو خطوط اتصالاتها أو معسكراتها أو قواعدها بدافع إرهابي .
6.   الاعتداء بالأسلحة النارية وبدافع إرهابي على السفارات والهيئات الدبلوماسية في العراق كافة وكذلك المؤسسات العراقية كافة والمؤسسات والشركات العربية والأجنبية والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية العاملة في العراق وفق اتفاق نافذ .
7.    استخدام بدوافع إرهابية أجهزة متفجرة أو حارقة مصممة لإزهاق الأرواح وتمتلك القدرة على ذلك أو بث الرعب بين الناس أو عن طريق التفجير أو إطلاقة أو نشر أو زرع أو تفخيخ آليات أو أجسام أياً كان شكلها أو بتأثير المواد الكيمياوية السامة أو العوامل البايولوجية أو المواد المماثلة أو المواد المشعة أو التوكسنات .
8.   خطف أو تقييد حريات الأفراد أو احتجازهم للابتزاز المالي لأغراض ذات طابع سياسي أو طائفي أو قومي أو ديني أو عنصر نفعي من شانه تهديد الأمن والوحدة الوطنية والتشجيع على الإرهاب.
ونصت المادة الثالثة على: ((تعتبر بوجه خاص الأفعال التالية من جرائم امن الدولة :
1.   كل فعل ذي دوافع إرهابية من شانه تهديد الوحدة الوطنية وسلامة المجتمع ويمس امن الدولة واستقرارها أو يضعف من قدرة الأجهزة الأمنية في الدفاع والحفاظ على امن المواطنين وممتلكاتهم وحدود الدولة ومؤسساتها سواء بالاصطدام المسلح مع قوات الدولة أو أي شكل من الأشكال التي تخرج عن حرية التعبير التي يكفلها القانون.
2.   كل فعل يتضمن الشروع بالقوة أو العنف في قلب نظام الحكم أو شكل الدولة المقرر في الدستور.
3.   كل من تولى لغرض إجرامي قيادة قسم من القوات المسلحة أو نقطة عسكرية أو ميناء أو مطار أو أي قطعة عسكرية أو مدنية بغير تكليف من الحكومة.
4.   كل من شرع في إثارة عصيان مسلح ضد السلطة القائمة بالدستور أو اشترك في مؤامرة أو عصابة تكونت لهذا الغرض .
5.    كل فعل قام به شخص كان له سلطة الأمر على أفراد القوات المسلحة وطلب إليهم أو كلفهم العمل على تعطيل أوامر الحكومة.
ونصت المادة الرابعة منه على العقوبات: (( العقوبات:
1.   يعاقب بالإعدام كل من ارتكب- بصفته فاعلاً أصلياً أو شريك عمل أياً من الأعمال الإرهابية الواردة بالمادة الثانية والثالثة من هذا القانون ، يعاقب المُحرض والمُخطط والمُمول وكل من مكن الإرهابيين من القيام بالجرائم الواردة في هذا القانون بعقوبة الفاعل الأصلي.
2.   يعاقب بالسجن المؤبد من أخفى عن عمد أي عمل إرهابي أو آوى شخصاً إرهابياً بهدف التستر ))
حالات الإعفاء من العقوبة:
      ونصت المادة الخامسة منه على ((الإعفاء والأعذار القانونية والظروف القضائية المخففة:
1.       يعفى من العقوبات الواردة في هذا القانون كل من قام بإخبار السلطات المختصة قبل اكتشاف الجريمة أو عند التخطيط لها وساهم إخباره في القبض على الجناة أو حال دون تنفيذ الفعل.
2.       يعد عذراً مخففاً من العقوبة للجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون للشخص إذا قدم معلومات بصورة طوعية للسلطات المختصة بعد وقوع أو اكتشاف الجريمة من قبل السلطات وقبل القبض عليه وأدت المعلومات إلى التمكن من القبض على المساهمين الآخرين وتكون العقوبة بالسجن .)
ونصت المادة السادسة على ((الأحكام الختامية:
1.   تعد الجرائم الواردة في هذا القانون من الجرائم العادية المخلة بالشرف.
2.   تصادر جميع الأموال والمواد المضبوطة والمبرزات الجرمية أو المهنية لتنفيذ العمل الإجرامي.
3.   تطبق أحكام  قانون العقوبات النافذ بكل ما لم يرد به نص في هذا القانون.
4.   ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية)).
وورد في الأسباب الموجبة: ((إن حجم وجسامة الأضرار الناتجة عن العمليات الإرهابية وصلت إلى حد أصبحت تهدد الوحدة الوطنية واستقرار الأمن والنظام ، وانطلاقًاً إلى نظام ديمقراطي تعددي اتحادي يقوم على سيادة القانون وضمان الحقوق والحريات والشروع في عجلة التنمية الشاملة لذا بات من الضروري إصدار تشريع من شانه القضاء على العمليات الإرهابية وتحجيمها والحد من التفاعل مع القائمين بها بأي شكل من أشكال الدعم والمساندة … ولهذا كله شرع هذا القانون)).
الملاحظات العامة على القانون:
1- إن “المادة الاولى من قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 ألزمت القضاء بتعريف الارهاب، وهو كل عمل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية أوقع الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار والوحدة الوطنية أو إدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس أو إثارة الفوضى تحقيقاً لغايات إرهابية”.  ويلاحظ توسيع التعريف وعدم انضباطه وشموله كثير من الأفعال أو التهم التي يمكن أن تأول بأنها “إرهابية”. فضلا عن أنه لا يتوافق مع التعريف العربي للإرهاب بالاتفاقية العربية التي صادق عليها العراق واصبحت ملزمة الاتباع.
2-  تقسمُ بنودُ القانونِ الى اعمالٍ ارهابية وجرائمِ امنِ الدولة والعقوبات والاعفاءِ والاحكامِ الختاميةِ وجميعُ هذه المواد مرتبطة بالأعمالِ الارهابية التي تهدفُ الى اثارةِ الفوضى وزعزعةِ الوضع الامني في البلاد.
3-  نكرر ما سقناه في المقدمة بأن التداول لموضوع (المادة 4 إرهاب) بين المتظاهرين والمحتجين وطروحات السياسيين، واقتصار الاحتجاج عليها يشكل قصوراً في الفهم القانوني كان على المعنيين الانتباه اليه، فالمادة (4) إرهاب من قانون الارهاب 13 لسنة 2005 هي مادة (عقابية) أي تتضمن الجزاءات التي تفرضها المحاكم المختصة على المتهمين بارتكاب الأفعال الإرهابية المنصوص عليها في المادتين الثانية والثالثة. وكان يفترض بأن يكون الاحتجاج ضد القانون بأكمله أو الاعتراض على سوء تطبيقه أو المغالاة في توجيه التهم وسوق الناس بتهم الإرهاب جزافاً.
4- إن القانون لم يرد فيه تعريف مباشر ومحدد لمفردة (الإرهاب) وإنما جاء بتوصيف لما أسماه (أفعال إرهابية) وان تحليل النص يقودنا الى اتجاهات ثلاث:
الأول: أن يكون هناك فعل إجرامي بمعنى أن يرتكب الفرد أو المجموعة أو المنظمة أي نشاط إنساني جرمه القانون النافذ ووضع له العقاب، مثل جرائم القتل والتسليب والتهديد وغيرها مما نصت على تجريمها القوانين العراقية النافذة، فإذا لم يكن هناك ما يشكل خرقا للقانون العقابي فانه لا يدخل ضمن منظومة الأفعال الإرهابية.
الثاني: أن يكون قد أحدث نتيجة جرمية للفعل، أي أن يترتب على هذا الفعل أما ضرر مادي أو بشري، ويقع على الأفراد أو المؤسسات الرسمية وغير الرسمية او يرتب الفوضى وعدم الاستقرار، وان العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة متصلة غير منقطعة أي إن الأثر المتحقق هو نتيجة مباشرة للفعل الذي حصل.
الثالث: أن يكون هذا الفعل الذي رتب الأثر المشار إليه في أعلاه يجب أن يسعى لتحقيق غايات إرهابية، أي إن الفعل حينما يقع بنشاط فردي أو جماعي ولم يكن الهدف منه تحقيق غايات إرهابية فانه يقع خارج نطاق نص القانون رقم 13 لسنة 2005 ويندرج ضمن منطوق أحكام القوانين العقابية النافذة.
5-  لم يعرف القانون ماهي الغايات الإرهابية، وما الفرق بينها وبين الغايات الجنائية العادية.
6-  كما أن هذا القانون يتنافى مع ضمان الحقوق والحريات التي نصت عليها مختلف الدساتير العربية ومنها الدستور العراقي النافذ  كحق إبداء الرأي وحرية الفكر وحرية البحث العلمي وحرية الصحافة والنشر وغيرها من الحقوق الأساسية والحريات التي كفلتها أيضا المعاهدات والاتفاقيات والإعلانات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
ختاما نقول، إن المطالبة والإحتجاجات ينبغي أن تكون تجاه (سوء الإجراءات) وليس (نص القانون) أو انتقاء مادة عقابية منه وترك المواد التجريمية. إن ما طرحه ممثلو كثير من الكتل السياسية في البرلمان من أن تطبيق المادة 4 إرهاب أصبح يستهدف مكونا معينا دون غيره، إنما ينم عن انتقاد للإجراءات والتصرفات والخروقات وليس لنص القانون في أي مادة من مواده. كما أن إصدار القانون كان ينبغي أن يواكبه توعية وتعريف وتثقيف.
إن كل قانون ينظم أفعال البشر وتصرفاتهم وعلاقاتهم محكوم بإجراء توازنات دقيقة وواعية وعادلة بين مجموعة من المصالح والاعتبارات المتعارضة‏، ولعل التوازنات الصعبة في قانون مكافحة الإرهاب تبدو علي نوعين‏:‏
توازنات فكرية وسياسية وأخرى قانونية فنية‏,‏ ولربما يبدو غريبا للوهلة الأولي إقحام الاعتبارات الفكرية والسياسية في مسألة قانونية لكن الواقع أن الإرهاب الذي ينشر الرعب ويسفك الدماء هو ذاته الذي يحاول في أيديولوجيته أن يخلط الأوراق ويستخدم ذرائع الفكر والسياسة‏.‏ ومن هنا يصبح تجفيف المنابع الفكرية والسياسية للإرهاب ضرورة لا غني عنها‏..‏ وهو ما يستدعي إثارة الملاحظات التالية‏:
الملاحظة الأولي ـ أن إصدار قانون مكافحة الارهاب يجب أن يقترن بحركة لاستنهاض قوي المجتمع اجتماعيا وثقافيا وتربويا ليكون خط دفاع أول ضد الإرهاب فلا يقتصر الأمر علي الملاحقة الأمنية أو الترسانة التشريعية وحدهما‏،  فالارهاب في جوهره هو استخدام لأقسى وأقصى وسائل الترويع والعنف لنشر فكر أو تحقيق هدف سياسي‏.‏ إن محاصرة الإرهاب علي الصعد الاجتماعية والفكرية والسياسية يجب أن تمضي جنبا الي جنب مع ملاحقته علي الصعيدين الأمني والقانوني‏.
الملاحظة الثانية ـ أن قانون مكافحة الإرهاب وبقدر ما يتضمن نصوصا تجرم أفعالا بالغة الجسامة وتعاقب جناة شديدي الخطورة ينبغي ان يتضمن أيضا من النصوص ما يكفل طمأنة الرأي العام والمثقفين وأصحاب الرأي من أنه لن تكون هناك وسيلة للتضييق عليهم أو لمصادرة حقوقهم‏..‏ إنها رسالة طمأنينة جديرة بأن تقترن بالقانون‏,‏ فللقوانين أحيانا وظيفة نفسية بحيث إن نجاح تطبيقها يتوقف علي إيجاد حالة من الإقناع بها والتجاوب معها‏.
     من هنا يبدو ضروريا أن يحمل قانون مكافحة الإرهاب بعض الاشارات التي تبدد هذه المخاوف والهواجس وتزيد من الثقة بأننا جميعا دولة ومجتمعا وأفرادا نحتاج لمن يحمي أمننا بقدر ما نحتاج أيضا الي ضمان حرياتنا‏.
          كان ينبغي أن يتضمن القانون نفسه اشارة ولو بسيطة الي التوازن المطلوب بين أمن المجتمع وحماية الحقوق والحريات كأن يكون عنوانه قانون الأمن والحرية كما هو القانون الفرنسي. وكان يجب أن يتضمن مادة ‏استهلالية تفيد بأنه لن يترتب علي تطبيق أحكامه الاخلال بحقوق الانسان وحرياته الاساسية علي النحو الوارد في الدستور والتشريعات الاخري ذات الصلة‏,‏ بل إنه ليس ثمة ما يمنع إزاء ماقد يتضمنه القانون من توسع في التجريم لاسيما علي صعيد الأفعال التحضيرية أو تلك التي تتقاطع أحيانا مع ما يعتبر من قبيل ممارسة لحق أو حرية‏..‏ أقول ليس ما يمنع من أن يتضمن القانون نصا‏(‏ يخاطب به القاضي بالأساس‏)‏ مفاده وجوب التقيد بالتفسير الضيق لنصوص التجريم الواردة فيه‏,‏ وليس أيضا في هكذا اقتراح بدعة‏,‏ فقانون العقوبات الفرنسي الصادر في‏1994‏ يتضمن نصا عاما يوجب الالتزام بالتفسير الضيق للنصوص التي يتضمنها هذا القانون‏.
الملاحظة الثالثة ـ أن قانون مكافحة الارهاب يجب ان يحافظ علي واحدة من أهم الضمانات الدستورية وما يمكن تسميته بالمكتسبات القضائية التي كان يزهو بها العراق ويفتخر في المحافل والمؤتمرات الدولية كدليل علي ما بلغه الفكر القانوني العراقي من رقي وتحضر‏..‏ هذه الضمانة المتمثلة في مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية الذي يقضي بأنه لا يجوز أن يُساءل جنائيا إلا الشخص نفسه الذي ارتكب ماديات الجريمة‏.‏
ان الاحتجاجات ينبغي ان تنصب على الاجراءات التحقيقية وما قد يصاحبها من تعسف او جور وليس تجاه المادة.. ونامل ان نرى تعديلا للمطالب بالمطالبة بعدالة الاجراءات وليس بالغاء المادة اربعة ارهاب.

* خبير بالشؤون القانونية والأمنية