أحتفالية الناقد بموائد ذهنية صاخبة ؟
من الملاحظ ان النماذج التي تم انتقاءها بناءا على اهتمامنا بالانتاج النقدي ، وبناءا على بعض من الانتاجات النقدية التي قد صدرت مؤخرا والتي قد اخذ اصحابها على تقديمها بشكل اقرب ما يكون التشبيه بـ ( كرنفال صاخب ) او لربما يصح القول الاخر اذ قلنا بانها عباره عن( احتفائيات تحت اضواء الاخرين ) ومن جهة تبدو كما لوكانت عباره عن اصطلاحيات اشكالية يصعب حسمها ، انطلاقا من اعمال مرجعية كبيرة في احوالها ، فضلا عن هذا فيبدو اصحاب هكذا اعمال نقدية ينزعون نحو جعل اليات معارفهم – ذات لغة مجردة – لربما حتى تبدو بمظهر لائق وماهية مكانة ذلك المسمى .. ومن جهة اخرى لربما اصحاب تلك الاعمال الصاخبة في اعلانيتها ، يحاولون اظفاء بشكل قصدي نوع ما من الابهام حول هالة مجهولية الهوية والوظيفة ، والرؤية الصريحه ، وقد تمرر عادة تحت تسمية ( النقد العلاماتي ) وامام هذا لايكون امام القارئ سوى الاقناع والصمت اجلالا لتلك الاعمال المرصعه باسماء اصحابها والتي قد خضعت مسبقا لعملية ( اعداد اعلامي معلب ) .. وفي كل هذا يعود السبب المركزي إلى الناقد نفسه – صاحب الكتاب – لان نظريات كتابه ذلك لربما لاينطلق منها ضمن مقدمات ايضاحية للنص المنقود ، الشيء الذي سوف يؤدي إلى افتراض وجود عدمي ثم إلى الاستنجاد بمقدمة غير دقيقة نظريا ، كما ويبقى النص النقدي في طبيعة هكذا اعمال ، من قبل المتلقين ( نصا عائما ) تتناظر فيه المفاهيم الشاذة وتتباعد وتتقارب من خلاله الابعاد والماورائيات الشبه معرفية ، والتي لربما لايحكمها سوى الاهواء الشخصية والمزاجية لذلك الناقد . من الواضح ان هذا التحديد لربما يندرج من خلاله وعلى ضوئه كتاب الاستاذ الناقد عباس عبد جاسم ، ومن الواضح ايضا القول بان حضرة الاستاذ الناقد قد جعل من كتابه المعنون (ما وراء السرد ما وراء الرواية) عباره عن هيكل تتشاطر من خلاله وتتنافس مجموعة جباره من المصادر التاليفية والتي تخص موضوع كتاب الناقد ، ويعني هذا بان كتاب الناقد عباس عبد جاسم مجرد (كائن استراحي) او مجرد محطة التقاء للكثير من المصادر الكبيرة-أي- تقاطع تفاعلي بين المؤثر والتاثير ، مما جعل كتاب ( ما وراء السرد ) في مستوى وصفه السينمائي لمراحل زمن البحث والدراسة يبدو ومن وجهة نظر قارئ النقد ، هو اقرب إلى بنى عديمة الشكل والجدوى ، ولعل ما يجعله هكذا ، هو كونه -أي الكتاب- كونه مشروطا في بنائه بفعل ( تعاون مصدري) منوط بقارئ نموذجي يختلف عن طبقة ( القراء المفترضين ) ان هذه الفرضية لربما قد تجعل من كتاب الاستاذ الناقد في العمق المفترض ، بيد انه لايناسب التلقي العادي الا بناءا على فرضية تقضي بان يمتلك كل قارئ قدرات القارئ النموذجي . ومن هنا يمكن استنتاج بان كتاب ( ما وراء السرد ) عباره عن خطاطة ما وراء النصية المصدرية المتعارفة ، أي انه نفسه يتقبل باستحقاق الوصف المجرد ، ولما كان كذلك ، فسيكون افتراض اليات ذهنية غير محددة لمنتج نموذجي اكثر منطقية من افتراض اليات قارئ نموذجي مستحيل .. كما سيكون الامر اكثر منطقية لو تم افتراض ان ذلك القارئ النموذجي لا يماثل الا المنتج لحظة كونه متلقيا للعالم ، قبل الشروع في عملية الانتاج ، ثم اثناء الانتاج .. خاصة وان الرؤية المنطقية تثبت ان المنتج ، بالنسبة لنصه ، هو اول متلق له – اذن – اذا كان اللازم القول بوجود قارئ نموذجي فلن يكون احدا غير المنتج نفسه .. هذا ما قد اراده الناقد عباس عبد جاسم لكتاب ( ما وراء السرد ما وراء الرواية ) افقا نظريا عصيا حتى على ملكوت السؤال النقدي ، انطلاقا
من تصوره الشخصي بانه ليس هناك قارئ بقادرعلى استيعاب محتويات مؤلفه المعمق ، وهذا الشعور الغريب هو بدوره ما جعل هذا الناقد يبحث عن وجود ما يسمى بـ ( القارئ النموذجي ) ولعل هذا الشيء لم يصدر من الناقد بشكل تصريحي ، الا اننا قد هجسناه من بعيد والناقد يلمح إلى ما وراء نهايات سطوره وموضوعاته التي افتقرت إلى شيء من التحديد الموضوعاتي .. وستسمح هذه الفرضية التي يميل هذا الكتاب إلى الانطلاق منها – باستثمار- اغلب تلك الاليات بشكل يجعلها اكثر ابتعادا عن موحدات انتاجية الخطاب النقدي ، ومن الادلة على ذلك قبول الافكار والمباحث النقدية لان تصبح موضوعا استنباطيا
( كما تحضر كتابة القصيدة في ذهن الشاعر ) بعيدا كل البعد عن موضوعية الطرح النقدي الذي يصبح الدليل الذهني من خلاله عباره عن عملية كيميائية في فرز المنتوج النظري للنص ، لكن اذا كان في الوقت ذاته ذلك التناقض الذي عرفه كتاب ( ماوراء السرد ) يكمن في الانطلاق من نظرة مخصوصة إلى التلقي الذي عولج انطلاقا من بناء غير موحد – أي – عولج انطلاقا من بنيات صورية لا تشكل في الواقع الا قيود وحدود نظرات الناقد الملتبسة ، فلن يستقيم الوضع بواسطة فعل بسيط يقوم بقلب شكل التفكير في الموضوع ، لان ذلك لن يكون كافيا للحصول على نظرية اكثر قدرة على مواحهة الاحراجات ، ومن ثمة لابد لكل محاولة جديدة من ان تساند ذلك القلب اللازم ، اولا ، بتجاوز سلبيات ذلك القارئ النموذجي ، لكن دون ان تسقط في فخ ( افتراض كاتب نموذجي ) ، وثانيا ، مراعاة الخصوصيات الموضوعية والذهنية للذاتين ( المنتجبة المتلقية ) ومن البديهي ان ذلك لن يتحقق ما لم يتم الاستناد على خلفية واقعية موسومة بسمات السيرورة الاستمرارية ، بحيث تكون قادرة على التمكين من مراعاة البنى واستبدالاتها سواء كانت هذه البنى ( فكرية .. اجناسية .. خطابية.. ) اما حين يتعلق الامر بتصور اليات الانتاج المتحكمة في نص الرواية السيمائية ، فلا بد من افتراض كون هذا النص شكلا مركبا لتلقي المنتج للعالم ولقيود الانتاج وفق قواعد الجنس والخطاب – أي – لابد من ادراك ( النص الروائي ) بوصفه مؤولا مركبا من الحساسية الجمالية والايديولوجية ( التعرفية والمعرفية ) لان هذا الادراك وحده سيسمح بالوصول إلى المستويات الاولية للعمليات الذهنية التي يفترض ان المنتج قد قطعها ، ويقضي ذلك اعتبار النص المظهر مجرد موضوع مباشر لموضوع دينامي ، ثم اعتبار هذا الموضوع الدينامي المستنبط من النص
(الرواية او ما يعادلها ) موضوعا مباشرا لموضوع دينامي مجرد (الفكرة ..الايديولوجيا) مع افتراض كون هذا الاخير مستنبطا من العالم بوصفه موضوعا مباشرا وخزانا -لاينضب- لانتاج الموضوعات الدينامية من قبل الذوات المتميزة بقدراتها الادراكية الخاصة ، لكن يجب ان يكون كل ذلك مشروطا بالخضوع لقيود (المحددات النظرية) والمحددات السياقية التي تلعب دورا في الربط العكسي بين الموضوعات المباشرة والدينامية وبين الموضوعات الدينامية المباشرة . وهكذا يتضح ان المحاولة التي يطمح هذا الكتاب إلى انجازها ، تنطلق من تجربة ذهنية ممارسية لقلب وجهة النظر إلى النص واليات انسجامه. كما تنطلق من التخلي عن فرضيات القارئ المجرد بمقابل تبني ( قارئ منتج ) موضوعي قابل لان يمتلك كل انواع الوعي الممكنة ، وكل ذلك انطلاقا من تضادية (غياب استنباط نظرية موحدة للنص) ومن اجل الوفاء اكثر مع كتاب ( ما وراء السرد ما وراء الرواية ) نقول للناقد عباس عبد جاسم :- ان مبحث كتابك يستند بشكل كبير الى الخلفية السيمائية- وتحديدا – السيمائية التي تهتم اساسا بقضايا الادراك والمعرفة البنيوية .. لكن بما ان هذه الخلفية عامة ومتعالية عن جنس يعينه ، اضحى لنا جانب البحث الذي يخص ( النص الروائي ) بعيدا وغير منسجم مع تلك التسمية التي ازلفت معالجة الجوانب الدقيقة والمخصوصة للموضوع الروائي المعرفي .. لهذا تولد لدينا شعورا بان خطاطة كتابك قد ابتعدت كثيرا عن مشروطية المؤولات الاجرائية التي تتحكم في تقيد وتنظيم انتاجية خطاطة كتابك المحايثة لعملية ( غياب نظري موحد للنص الانتاجي ) .. – اي – غياب حدود التمثيل الاجرائي المعرفي ضمن امكانيات تولد انطلاقية خطاطة مهياة ومشروطة لمستويات سيرورة ادراكية وتفاعلية لمستويات بناء وظيفية نظرية النص الاجرائية .. وامام هذا لربما لنا الحق في
التساؤل : ما كان يعنيه عباس عبد جاسم من كل هذه الامكانيات التناظرية والتصورات الغامضة ؟ التي دفعته الى ممارسة الفرضية حدسا جراء غيابات التحديدات النظرية التي لم تقدم الى كتابه ( ماوراء السرد ) سوى فهما جزئيا وخاصا يفتقر الى الترابط البحثي الجاد الذي ينصب ما بين وساطة الفكرة الاجرائية وعمق معالجة استنتاجات الذهنية التناظرية ، التي تاتي بمثابة تكرار للمفاهيم الجاهزة ووصفا ( تنظيريا معلبا) خال من التعليل المحدد للنصوص : ولعلنا سوف لن نذهب بعيدا اذا قلنا للناقد عباس عبد جاسم جدلا حول ما تعنيه بعبارة ( الناقد الاشكالي! ) هذه العبارة التي قد اطلقتها على نفسك دون مقوم حقيقي ، الا ان الاغرب من هذا هو ما قد جاء في نهاية وتحت صورة المؤلف مباشرة مما يستدعي في الواقع الى الشعور بشكل مباشر بنرجسية هذا الكاتب :- ( الكتابة بافق مستقبلي هي اهم ما تتمركز حوله اطروحات القاص والروائي و ( الناقد الاشكالي ) عباس عبد جاسم وهذا ما جعله مبكرا في نمط من الدراسات لم تالفها النقدية العراقية بل والعربية ! ) ان مثل هكذا قول وبشاعة في حدة
( الاعلانية الشخصية ) هو ما قد جعل الكثير من الاعمال الخالدة تنقاد باصحابها الى نهايات رذيلة من ( الانا الشخصية ) والنرجسية القاصرة .. الا ان ما هو اهم من كل هذا هو عثورنا على ما قد اطلق عليه الناقد على نفسه من اصطلاحية غريبة في كل ابعادها المفهومية والمجازية .. ولا نعرف ما يرمي اليه الناقد في الواقع ؟ اهي الاشكالية الصراعية مع قوى تضادية مهيمنة ؟ ام الاجدر بنا القول اشكالية الناقد نفسه ومع افكاره ومع مفاهيمه النرجسية التي باتت تبرز في كل مناسبة من ( احتفائيات ) هذا الناقد بنفسه ومع كتابه
( ماوراء السرد ما وراء النقد ) الذي يعد هو الاخر جوابا شخصيا يشترط الحضور في تحقيق كل ما هو ( ذاتي واعلامي ) كتلفظ صائت ومعروف في عوالم ( الانا الشخصية ) لهذا الكاتب الاحتفالي .. اذن وفي الاخير لابد لنا من الايضاح الختامي حول نتائج قراتنا لكتاب ( ما وراء السرد ما وراء الرواية ) حيث لا نملك اثر هذا سوى القول الملخص للناقد الاستاذ :- لعلك ادخلتنا في عوالم كتابك بما يشبه ( النفق التنظيري المعلب! ) الذي لم نعد نستدل فيه على ما نحن فيه من مكان وزمن .. بالاضافة الى هذا لربما انت ايضا لا تجد من دليل يقودك الى طريق النورمن هذا الظلام الذي قد احطت كتابك فيه من خلاله .. ولربما ايضا للقارئ حق التيه في هذا الظلام المسطح لكونه بجهل حقيقة ما قد يرمي اليه الكاتب من كل تلك المقالات التي بقيت تراوح بعملية الاختفاء باعمال الادباء الاصدقاء – للناقد نفسه – كما انها بقيت ايضاً بعيده كل البعد عن كشوفات النقد الحقيقي وكشوفات (الامانة النقدية)..وهكذا سوف نبقى داخل نفس السؤال الذي بقى يطرح نفسه عند قراءة كل مقال من ذلك الكتاب : ما الذي حاول تقديمه هذا الناقد؟ مع الاسف تنطوي الاجابة بدواخلنا دون شجاعة القدرة منا على القول, بأن كتاب ( ما وراء السرد ما وراء الرواية ) مجرد يافطة واسعة تسعى لممارسة فعلاً احتفائياً بأعمال الاصدقاء والمعارف من الادباء..حيث لانبتعد كثيرا اذا قلنا بأن مشروعية هذا الكتاب تتكرس ضمن حدود وقواعد (لغة بلاغية) تهيمن عليها الوظيفة التواصلية-انطلاقاً-من الوعي والذاكرة والقراءة الطويلة- لاسيما- وكلنا يعرف الناقد عباس عبد جاسم وما يتصف به من خطابية في مجال الكتابة التنظيرية ..الا اننا ونحو نتوجه من امام شعار الكتاب الذي يشيد في بعض فصوله بوجود (ممارسات نقدية) وعند قرائتنا لهذه الممارسات نصطدم بواقع خطابي قريب من لغة (السرد التهكمي !) الذي يأتينا من خلال ذاكرة الناقد حيث تشعبات عوالمه السيميائية الصاخبة, وعند قرائتنا وتدقيقنا لتلك القراءات نلاحظ ما قد قاله الناقد في احدى فقرات ممارسته النقدية لرواية (غسق الكراكي) للكاتب سعد محمد رحيم : -(هل التشظي : سمة من سمات الفضاءات المعرفية الوافدة الينا أم هي سمة من سمات الحرب في بلادنا..ص110) لعلنا قد لاحظنا ما أشار اليه الناقد في هذه الفقرة الصغيره ولعلنا ايضاً لاحظنا ما عليه هذا التشخيص المفهومي من الناس معرفي وتقريبي , وكل هذا بدوره يعود الى افتقار الناقد الى رؤية نقدية خالصة تحتاج من كل ناقد الى عملية (غربلة) وفرز بين ماقد يقرأه من نقود غربية تخص اعلام النقد الاوربي وبين ما يكتبه من توجسات مفهومية وادراكية – اي – ان الناقد عباس عبد جاسم قد وصل
مرحلة اللافرز بين ما يقراه وبين مايكتبه ، لان في ذلك ابتعاد واضح عن ماهية الدليل الموضوعي و التشخيصي – فمثلا- يقول الناقد في احدى فصول كتابه وهي كانت بدورها معاينة لرواية (رغوة السحاب ) للقاص محمود عبد الوهاب ، وقد قال الناقد موجزا هذا القول المركب والذي يذكرنا الى حد كبير بفنون ( الدادائية ) :-
( في البدء نوجه انتباه القارئ الى ان ما يسميه القاص محمود عبد الوهاب بخطاب
سرد الهاتف – في روايته يجري تمثيله بـ ( خطاب الصمت ) / وبذلك تطرح رواية – رغوة السحاب – الصمت بوصفه قضية ما وراء قصصية .. ص89 ) اننا في الواقع لربما نجد في مفهوم ( ما وراء السرد ) مفهوما معقولا من ناحية الماهية الوظيفية ، الا اننا لانتفق عمليا ونظريا مع ما قد اسماه الناقد ( ماوراء قصصية ) بيد اننا لانعلم بما وراء معنى ودلالة الشيء عندما يكون خارج نطاق الدلالة والوظيفة ( الادبية ) لربما سوف يكون عملا كيميائيا او عملا اشبه ما يكون بخارج قدراتنا التخيلية والمعرفية ولربما سوف ايضا يدخل ضمن منطقة ( فن الشطرنج !) او لربما ( فن صناعة الاحذية ! ) .. لعل الناقد عباس عبد جاسم كل ما قد يعنيه في كتابه هذا هو تقديم شيئا ما من ( لعبة التفرد ) او لربما كل ما يعنيه هو تقديم نمطا كلاميا غير مفهوميا وغير متعارف عليه .. هذا مع الاسف الشديد هو ما قد هجسناه وادركناه من كتاب ( ما وراء السرد ) ولاجل هذا اخترنا ان يكون عنوان مقالنا هو
( احتفالية الناقد بموائد ذهنية صاخبة ) ولعل هذه العنونة هي بحد ذاتها تشكل لاكثر من دليل ومواكبة قد قصرنا على ذكرها في هذا المقال .. وهكذا سوف يبقى معززا كتاب
( ماوراء السرد ) ومؤكدا لمقولة مغالطات السيرورة التأويلية للشارح الذي اضحى لنا اتجاها لفظيا مستغرقا بالمقروء …