23 ديسمبر، 2024 6:55 ص

ماوراء اقليم البصرة

ماوراء اقليم البصرة

بين فترة واخرى يخرج علينا مجموعة من سياسيي العراق
ليطرحوا مشاريع جديدة , للتمويه على المواطن العراقي المبتلى بعملية سياسية عرجاء . ومن هذه المشاريع النظام الرئاسي الذي صدع راسنا به زعيم حزب الدعوة واعتبر كل مشاكل العراق والفشل الذي رافق حكمه يعود الى شكل نظام الحكم وليس سوء الادارة والفساد الذي ازكم الانوف . ولعل الدعوة الى اقليم البصرة التي ظهرت مؤخرا هي جزء من هذا السلوك , والتي تاتي ايضا للتمويه على فساد مجلس المحافظة والاحزاب المنظوية به . والهروب من المسائلة القانونية والاخلاقية بشعار اقليم البصرة البراق وادعاء الخير الوفير الذي سياتي به هذا الاقليم لاهالي المدينة المنكوبة باحزاب السوء ومافياتهم من اللصوص والبلطجية

الدعوة للاقاليم
ان الدعوة للاقاليم في العراق قد جاءت بعد الاحتلال الامريكي للعراق . واول من نادى به المرحوم عبد العزيز الحكيم الذي طالب باقليم الجنوب , كما تم ادراج فقرة في الدستور على حق المحافظة الواحدة او مجموعة محافظات لتشكيل اقليم
وفي العلوم الادارية نجد ان اللامركزية هو اسلوب اداري حديث يحقق طموحات السكان المحليين . وهناك دول عديدة تتبنى الادارة بالاقاليم . وخصوصا الدول المتقدمة علميا وحضاريا . وهذا المنهج شأنه شأن الديموقراطية , يحتاج الى مواطنين متعلمين ومجتمعات متقدمة متصالحة مع نفسها . اما عندنا في العراق فان اغلب سكانه يعاني من الامية , اضافة الى التخلف الحضارى والممارسات العشائرية والتمسك بمفاهيم دينية وطائفية موغلة بالتخلف وتستند على ماضي وتاريخ مشوه , ولذلك فان طرح فكرة الاقاليم في هذا الوقت بالذات لايخدم الشعب العراقي , وقد يؤدي الى تفتيت الدولة العراقية وتقطيع اوصالها من الشمال الى الجنوب

مشاريع للنهب
ان الدعوة للاقاليم ماهي الا مشاريع جديدة للنهب والسلب , فلن تغير من الحال المعاشي والخدمي للاهالي وسوف لن تؤدي الا الى
المزيد من البؤس والفقر . . وان الكل يعلم بان لاوجود لدولة حقيقية في العراق وانما هناك اقطاعيات حزبية
تسير الوزارات والمرافق العامة لسرقتها وحرمان المواطن من ابسط الخدمات الانسانية او حقوق المواطنة بالعيش في سلام وامان . وقد اصبح كل شئ في العراق فضائي , فهناك جنود فضائيين وحشد فضائي ومشاريع فضائية لاوجود لها . حتى حان الدور الان على المحافظات لتصبح اقاليم فضائية بهدف الكسب غير المشروع ايضا

دوافع حزبية
ان دعوات الاقاليم المطروحة الان لها دوافع حزبية ضيقة فبعد ان كانت دولة القانون تعارض اي فكرة للاقاليم نجد الان رئيس مجلس محافظة البصرة وهو من هذه الكتلة يطالب بالحاح لتحويل المحافظة الى اقليم , وقد خرج توا من السجن بعد الحكم عليه بجرائم فساد . وان ذلك يعطي مؤشرا واضحا للاهداف الكامنة وراء دعوات الاقليم , والتي بدأت من الفاسدين والمتهمين بجرائم الرشوة وخيانة الامانة

استغلال نقمة الجماهير
هناك من يدافع عن هذه الدعوات المشبوهة عن قصد او سذاجة حيث ان هذه الدعوات تستغل نقمة الجماهير وحراكها على الحكومة المركزية والمحلية , لانعدام الامن والخدمات من ماء وكهرباء وغيرها لتحرفها عن اهدافها في اسقاط العملية السياسية الفاسدة برمتها
وتحولها الى دعوات الانفصال او الاقاليم . وكذلك لسحب البساط من قادة الحراك الشعبي , بعد ان عجزت الاحزاب الحاكمة عن اخماد جذوة الانتفاصة , في مزايدات مفضوحة ومشبوهة غايتها ايقاف الاحتجاجات المتوقع القيام بها في الصيف القادم . مع العلم ان من يطالب بهذا الاقليم هو نفسه الذي حرم اهالي البصرة من المشاريع رغم المبالغ الطائلة التي منحت لهم في السنوت السابقة وان دعاة اقليم البصرة لايكفون عن ترديد نغمة ان البصرة غنية بالموارد النفطية وفيها الميناء الوحيد للعراق وان 80%من ميزانية العراق تعتمد عليها . وهم يعلمون جيدا ان الدستور الذي نص على جواز الاقاليم قد حدد كذلك ان النفط وبقية الثروات الوطنية هي ملك الشعب كله ولايقتصر على محافظة واحدة او اقليم لينفرد بها وحده . واذا كان عند البصرة النفط فان عند المحافظات الاخرى منافذ حدودية كثيرة اضافة الى الماء الذي يعتبر عصب الحياة وهو بالتاكيد اهم من النفط والموارد الاخرى . وان محافظات العراق بالونها وخيراتها المتنوعة تكمل بعضها البعض وليس من مصلحة مدينة واحدة او محافظة الانفراد بموارد دون اخرى

وعود كاذبة
ان النظرة الانانية الضيقة في محافظة ما قد تدفع لمطالبات غير عقلانية مشابهة لمحافظات اخرى وتخلق نزاعات محلية جديدة اضافة الى النزاعات الاقليمية الجاريةالان
ان كثرة الاحزاب المشاركة في الحكم المحلي وتصارعها على الغنائم سوف لن تعطي للمواطن البصري سوى الوعود والمشاريع المعطلة . وقد ثبت ذلك من خلال ادارتها للمحافظة لاكثر من خمسة عشر عاما . فهل نتوقع ان يصلحوا انفسهم ويخدموا المحافظة بين ليلة وضحاها

لاتنخدعوا بالشعارات فانها مخدرة كالافيون , ولاتقدم لكم سوى الفقر والجوع والاستغلال لحد العبودية من نفس الاحزاب الحاكمة وممثليها في مجالس المحافظات , ولن تشهدوا اي تحسن بالخدمات من ماء وكهرباء وطرق معبدة ومجاري ولا سكن او تعيينات وغيرها من الحاجات الاساسية للمواطنين . وقد ضاعت كل فرص العيش الكريم امام المواطن العراقي من الشمال الى الجنوب . ان العراقيين كافة في مركب واحد فلا الاقاليم , ولا دعوات الاصلاح ولا
الآمال الكاذبة ستحسن الاوضاع الكارثية في كل المحافظات العراقية بلا استثناء . ولايمكن لمحافظة واحدة ان تنجوا من هذا الطاعون المستشري في الجسد العراقي

صيف ساخن
المطلوب في هذه المرحلة عدم الاتفات لهذه الدعوات المغرضة والعمل على رص الصفوف وانهاض الشعب , كل الشعب , ليقف وقفة رجل واحد لكسح الطغمة الحاكمة الفاسدة التي تاجرت بالدين , وتتاجر الان بدعوات الاقاليم . انهم يلفظون انفاسهم الاخيرة ففرصتهم الاخيرة في توزير السيد عادل عبد المهدي قد انتهت . ولم يستطع حتى ان يكمل وزارته , كما عجز عن توفير الامن او ايقاف العصابات المافيوية ناهيك عن الاحزاب الطفيلية . اضافة الى استمرار تسلط الدولة العميقة التي تعمل على ادامة الفساد وهي تنمو في الجسد العراقي كالسرطان
نحن نعلم وهم يعلمون جيدا ان الصيف القادم سيكون ساخنا جدا وان احداثا جسام ستقع , بعد ان مل الشعب من الاساليب القمعية لاحزاب السوء والوعود الكاذبة , ومنها دعوات الاقاليم . ومن البصرة الصامدة الجريحة ستنطلق شرارة الغضب العراقي لتعم المحافظات كافة وتنهي المرحلة القاتمة من تاريخ العراق.