” مجموعة خراسان تشكل اكبر واخطر تهديد للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين ” … هذا هو ملخص ماتوصلت اليه اجهزة المخابرات الاميركية من استنتاجات ، وأشار اليها الرئيس اوباما في بيانه الذي أعلن فيه عن الحملة الحربية الجديدة في سوريا ..لتنزل في اليوم التالي مباشرة عشرات صواريخ التوماهوك على أهداف في منطقة تقع غرب حلب ، قال البنتاغون انها استهدفت الاتي :
– مقر قيادة يتحصن فيه قائد التنظيم حسين الفضلي وعدد من كبار قادة التنظيم ، وقيل ان الفضلي قتل في الهجوم ولم يتم التحقق من ذلك ( التنظيم نشر على التويتر مقتل الفضلي لكنها قد تكون مناورة للاستفادة من الموقف الحاصل للمراوغة).
– مركز اتصالات تابع للتنظيم يتولى التنسيق والربط بين التنظيم وخلاياه ومع جبهة النصرة التي تستضيف التنظيم .
– مصنع للمتفجرات وتصنيع القنابل غير المعدنية التي يمكن مرورها خلال اجهزة أمن المطارات دون كشفها .
مجموعة خراسان لم يسمع أحد بها من قبل وكانها ولدت فجأة من العدم ، وصارت بحسب الدعاية الرسمية وغير الرسمية الاميركية تهديدا طغى على التهديد الذي كنا نظنه الاكبر ( الدولة الاسلامية ) . فما هي حقيقة هذه المنظمة ؟ وهل جرى اختراعها ؟ ومالاهداف التي تكمن وراء كل ذلك ؟
أولا نبين انه ليست هناك اية منظمة او مجموعة تسمي نفسها بـ ” خراسان ” ، فالتسمية أطلقتها المخابرات الاميركية للدلالة على أعضاء قدامى من القاعدة لا يتعدى عددهم بضع عشرات قدموا من منطقة جغرافية كانت تعرف بخراسان (وتضم الان مناطق من غرب باكستان وشرق ايران واجزاء من طاجيكستان واوزبكستان وتركمانستان) حسب مايؤكد الباحث ( ارون زيلين من معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط ) ، وخراسان معروفة في التاريخ العربي الاسلامي بشدة مقاتليها ومنها خرج ابو مسلم الخراساني الذي ساند العباسيين في الاطاحة بالدولة الاموية قبل ان يقتله المنصور تحسسا من طموحاته الكبيرة . ومنطقة خراسان كانت اهم المناطق التي رفدت ومازالت الحركات الجهادية الاسلامية في كل مكان بالمقاتلين المتحمسين .
حسب المصادر الاميركية ، يقود المجموعة محسن الفضلي ( سعودي الجنسية على الاغلب ويقال ايضا باكستاني ) ، وكان من المقربين لزعيم القاعدة بن لادن قبل هجمات سبتمبر 2001 . وفي عام 2002 اتهمته المخابرات الاميركية بالهجوم على الناقلة الفرنسية في بحر العرب وادى الى مقتل احد افراد طاقمها . وفي عام 2005 اعلنت الخارجية الاميركية ان الفضلي هو أحد كبار ممولي القاعدة واحد كبار قادتها ، واتهمته بدعم تنظيم ابي مصعب الزرقاوي في العراق ( الذي قتل في ديالى في حزيران 2006 ) .
في عام 2012 حددت وزارة الخزانة الاميركية ( ضمن برنامجها لتعقب تمويل المجموعات الارهابية ) محسن الفضلي كزعيم خطير للقاعدة لتمويله المقاتلين في سوريا وجنوب اسيا ( طبعا لم يتم تسليط الضوء على هذا الاتهام الرسمي الاميركي بارتباط مجموعات من المعارضة السورية المدعومة من اميركا وحلفائها بالارهاب العالمي وتمولها من القاعدة )
ويبدو ان تطورات الوضع في سوريا ونشوب الخلاف بين جناحي القاعدة فيها ( النصرة وداعش ) فرضت على زعيم القاعدة ايمن الظواهري ايفاد الفضلي الى سوريا عام 2013 ( لاحظ سهولة تنقل كبار قادة القاعدة رغم ان الفضلي مطالب دوليا ووضعت اميركا جائزة 7 مليون $ لاية معلومات عنه ، بل ويتنقل ضمن بلدان حليفة لاميركا على حدود سوريا ) ليكون ممثله الشخصي وحل الخلافات ، فيما ترى المخابرات الاميركية انه أرسل خصيصا لتشكيل خلية داخل جبهة النصرة
في سوريا لشن هجمات على اهداف اميركية واوربية يتم فيها الاستفادة من جهاديي جبهة النصرة من حملة الجنسيات الاميركية والاوربية لسهولة تنقلهم ومرورهم على النقاط الامنية في مطارات وحدود الدول الغربية .
الاعضاء القياديون الاخرون المفترضون في مجموعة خراسان هم ( ابو يوسف التركي ) القناص السابق في القاعدة والمشرف على شؤون التدريب ووضع الستراتيجيات ، و ( سنافي النصر ) المنّظر والمفكر الجهادي .
والان نأتي على سر الاكتشاف المفاجئ لمجموعة خراسان . فبعد أن سوقت اميركا للحملة الجوية الجديدة ومايعقبها من حرب بحجة الهجوم الخطير والوشيك للمجموعة على اميركا والذي بسببه حصلت الحرب الجديدة على قبول 70% من الاميركيين ( هل هناك من يشكك في حماقة الشعب الاميركي في تصديق كل ما تعرضه وسائل الاعلام لغسل مخه ؟ ).
جيمس تومي – مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي المسؤول عن الامن الداخلي لاميركا ، قال في مؤتمر صحفي بعد الضربة ، انه ليس لدى الحكومة الاميركية معلومات دقيقة عن المكان والزمان الذي تخطط له المجموعة لهجومها ….وأن اجهزة المخابرات لم تكن لديها رؤية كاملة ومعلومات مؤكدة ( استخبارات ) عن ذلك ، وما اذا كان الهجوم غدا او بعد 3 اسابيع او بعد 3 اشهر ، لكنه يرى ” انه من الصواب توجيه ضربات للتنظيم داخل سوريا …والتعاطي مع التهديد على اساس الافتراض انه سيحدث غدا ” .
المتحدث بأسم البنتاغون – الاميرال جون كيريا ، اعترف هو الاخر بعدم وجود معلومات دقيقة عن التنظيم قائلا : “لا يهم ان كانت الحكومة تفتقر الى تفاصيل محددة ودقيقة بشأن الهجمات التي قيل انها وشيكة ..فهم في كل الاحوال ( اعضاء خراسان ) رجال سيئون ، والفضلي أحد رجال بن لادن قبل 11 سبتمبر 2001 ومن الافضل القضاء عليهم عاجلا أم اجلا “..
هذاهو المنطق الاميركي…فكما أن اسم ” خراسان ” مخترع ، والتهديد غير محدد ولا دقيق ، ووقت الهجوم ومكانه غير محددين …تماما كما في كذبة اسلحة العراق …وعدم اكتشاف داع شالا مؤخرا ….تبقى القضية برمتها من اختراع المخابرات لخدمة اهداف التهويل وتخويف الناس لسوقهم وراء حرب جديدة غير واضحة الستراتيجية ولا الاهداف…
فكيف لبضعة عشر مقاتل من مناطق بعيدة انظموا الى جبهة النصرة ويقاتلون في شمال حلب مع غيرهم من المقاتلين أن يهددوا أميركا واوربا بـ ” اكبر واخطر هجوم ” دون اية اثباتات او معطيات …أم انها الحرب الاستباقية التي تقوم على افتراض امر او اختلاقه وتصديقه ثم العمل عليه ..؟ وهل هذا المنطق يصلح لقيادة العالم ؟
وان افترضنا انه من حق اميركا ان تفترض ماتشاء …الا يثير ذلك الاستغراب في ان اميركا التي كان لها معرفة بتحركات الارهابيين وتحشدهم في بلد عربي ( في سوريا والعراق على الاخص ) وتركتهم كل هذه الفترة يعيثون فسادا وتخريبا لكنها مع ذلك تركتهم ينمون ويستفحلون …هل لانه كان يخدم أهدافا محددة لها او يخدم مصالحها ..ثم انقلبت عليه بعد عبوره للخطوط الحمر الموضوعة؟
هل هناك ارهاب مقبول وارهاب غير مقبول اميركيا ؟ … هذا يدل ان اميركا تتعامل مع موضوع خطير كالارهاب معاملة انتقائية منفعية وفقا لمصالحها هي وليست مصالح الشعوب المبتلاة بالارهاب المدعوم في كثير من الاحيان من قبلها ومن قبل حلفائها الاقليميين والغربيين .
يبقى سؤال : هل يعرف العربان الذين سارعوا بركوب القطار الاميركي في حرب داعش والارهاب الى اين تؤدي بهم السكة ؟ أم هي فقط ضريبة يجب دفعها للعراب الاميركي لقاء السكوت عن غيهم وظلمهم لشعوبهم ؟
ملاحظة : بعد كل التهويل والضجة التي رافقت الحملة الاميركية على مجموعة خراسان لم نعد نسمع بها ثانية ، فان كانت لدى أحد ما معلومات جديدة فلينورنا بها مع الشكر .