18 ديسمبر، 2024 7:41 م

ماهية السلوك السياسي

ماهية السلوك السياسي

مقدمة

   أن كل الانفعالات أو الأحكام التي تصدر عن الأشخاص حول موضوع ما يخص حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية ، يفسر ما ينتج من سلوك اتجاه موضوع سياسي مطروح على الساحة وهذا يعني أنالسلوك السياسي للإنسان هو جزء من وجوده ، لذا وجب الاهتمام بما يصدره هذا الشخص من انفعالات وأحكام اتجاه المشهد السياسي وأفضل طريقة لتحليل السلوك السياسي هو اعتبار الإنسانعنصر سياسي ضمن التكوينة المجتمعية بما تتضمنه من علاقات بين الأشخاص وقيم ومعتقدات تلعب دورا أساسياً في بلورة ثقافة الأفراد وبالذات الثقافة السياسية التي تتبلور من النظرة الطبيعية للفرد وعلاقته وتوجهاته مع رفاقه التي بالتالي ترتبط ارتباطا وثيقا بالاتجاهات السياسية  .

أولاً :- مفهوم السلوك السياسي .

        السلوك السياسي هو نمط مهم من أنماط السلوك الاجتماعي ، إلا انه يركز على النشاطات والفعاليات المتعلقة بحكم وقيادة وتنظيم وتنسيق المجتمع بغية تحقيق أهدافه وإشباع طموحات وتطلعات أفراده شريطة أن تنسجم هذه الطموحات والتطلعات مع طبيعة النظام الاجتماعي التي تحاول المشرع أو القيادة تعزيزه والحفاظ على نهجه من الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية وفي نفس الوقت تعمل جاهدة على ترسيخه وتنميته وتطويره خدمة لأهداف النظام الاجتماعي .

ثانياً :- تعريف السلوك السياسي .

  إن السلوك السياسي هو ذلك النشاط والفاعلية التي يمارسها فرد أو مجموعة أفراد يشغلون أدوارا اجتماعية معينة يستطيعون من خلالها تنظيم الحياة في المجتمع وتحديد مراكز القوى فيه وتنظيم العلاقات بين القيادة والمجتمع .

ثالثاً :- شروط السلوك السياسي .

يشترط في السلوك السياسي تواجد المتغيرات التالية :-                      
أ‌- وجود دور أو عدة أدوار اجتماعية يمكن من خلالها المشرع اتخاذ القرارات المثمرة                     .
ب‌- وجود علاقة اجتماعية صميمية بين الأدوار التشريعية التي تشرع القرار والأدوار التنفيذية التي تنفذه والأدوار الجماهيرية التي تتبعه                                         .
ج‌- وجود مجموعة أحكام وقوانين مدونة أو غير مدونة تحدد كيفية الوصول إلى القرار وكيفية تنفيذه ومدى علاقة الشكل ومضمون القرار بحاجات وطموحات المجتمع الكبير .

د – شمولية وشرعية وعقلانية القرار الذي يتخذه المشرع .

رابعاً :- أشكال السلوك السياسي .

يتألف السلوك الإنساني من طوائف متعددة وغير متجانسة من السلوكيات , كالسلوك الاقتصادي, والسلوك الاجتماعي , والسلوك الثقافي, والسلوك السياسي وغيرها. كذلك , فالسلوك السياسي لا يمثل وحدة متجانسة من السلوكيات , وإنما يتكون من أشكال وطوائف متعددة يصعب حصرها , وإن كان يمكن تحديد أهم أشكالها فيما يلي :-

1  السلوك الانتخابي .

ويقصد به كيف ولماذا بصوت الفرد لمرشح أو لحزب أو لنقابة أو لتنظيم معين, وكيف ولماذا تصوت دولة في التنظيمات الدولية على القضايا المختلفة المعروضة أمام تلك التنظيمات , لماذا يشارك الفرد في الانتخابات ولماذا يمتنع عن المشاركة في الانتخابات , وهكذا .

2  السلوك التشريعي .

ويشمل سلوك أعضاء الهيئات التشريعية فيما يتعلق بكيفية وأسباب تصويت هؤلاء الأعضاء على مشروعات القوانين , وكيف تتم عملية التوفيق بين الآراء المتعارضة لأعضاء الهيئات التشريعية.

3  السلوك الحكومي .

ويشمل السلوك التنفيذي بشقيه السياسي والإداري ,أي سلوك القائمين على السلطة التنفيذية بشقيها السياسي والإداري في ثنايا سعيهم لتطبيق السياسات التنفيذية , وتطبيق القواعد القانونية. فقرار الحكومة بزيادة الإنفاق الدفاعي أو إنشاء مدن جديدة , أو خفض الرسوم الجمركية , أو تكثيف الحملات ضد تجار المخدرات , كلها نماذج للسلوكيات السياسية الحكومية.

4  السلوك القضائي .

لا يقتصر دور القضاء على مجرد تطبيق القانون في حالة التنازع . فللقضاء أيضا دور فى تفسير القوانين, والاجتهاد في أسلوب تطبيقها , وذلك بشكل أخص على مستوى المحاكم العليا والمحاكم الدستورية وتتأثر تلك التفسيرات والاجتهادات بالخلفية الإيديولوجية والعقائدية للقضاة , وفى هذا الإطار يعد سلوك القضاة في ميدان إصدار الأحكام بناء على اجتهادات وتفسيرات معينة , بمثابة شكل من أشكال الدستورية العليا في مصر والتي أثرت في حركة النظام السياسي خلال السنوات العشرين الأخيرة , كحكم المحكمة بخصوص إلغاء الاستثناءات في القبول بالجامعات

5- السلوك الحزبي .

ويقصد به سلوك الأحزاب السياسية في سعيها للوصول إلى السلطة أو الاحتفاظ بها بما في ذلك سلوكها لاجتذاب ولاء الناخبين سواء من حيث الدخول في العملية الانتخابية أو مجرد تقديم خدمات اجتماعية للمواطنين. ويشمل السلوك الحزبي أيضا سلوكيات الأحزاب تجاه بعضها (التحالفات والائتلافات التي تتم بينها.

6سلوك التنظيمات المدنية في القضايا العامة .

تنشأ في المجتمعات التي وصلت إلى درجة معينة من التطور الاجتماعي تنظيمات مدنية , كالنقابات المهنية والاتحادات العمالية وغيرها, وهى تنظيمات تنشأ لرعاية مصالح أعضائها أساسا, ولكنها أيضا تلعب أدوارا فيما يتعلق بالقضايا العامة للمجتمع . ومن ذلك مثلا تأييد اتحاد العمال المصري لسياسة الحكومة المصرية , أو سلوك نقابة الأطباء المصرية تجاه قضية البوسنة والهرسك . بيد أن سلوك التنظيمات المدنية في القضايا المهنية الخالصة لا يعد في رأينا سلوكا سياسيا.

7  السلوك السياسي الدولي .

وهو كل سلوك تقوم به الوحدات الدولية المختلفة الدول , التنظيمات الدولية والأفراد حين يهتمون بالقضايا السياسية في سعيها لتحقيق أهدافها في المحيط الدولي , كإعلان الحرب على دولة أخرى ’ أو إعطاء المعونة الاقتصادية بدولة أخرى, وهكذا .

 

خامساً :- شكل ومضمون السلوك السياسي لقرارات المشرع .

1- أن شكل ومضمون السلوك السياسي للقرارات التي تتخذها الأدوار التشريعية في المجتمع الكبير ينبغي أن تحدد أنماط وانساق التفكير الاجتماعي المنسجم والوسائل الإدارية المشتركة التي ينتهجها الأدوار التنفيذية على كافة مستوياتهم وتخصصاتهم الوظيفية وفي نفس الوقت تحدد أيضا مدى استجابة الأدوار الجماهيرية لمنظومات المجتمع المدني لها في متابعة مسارها سلبيا أم ايجابيا على واقع حياة المجتمع من خلال قيام هذه المنظومات باستبيان الآراء من مؤيدين ومعارضين لأصوات الأغلبية والأقلية من الرأي العام للمجتمع المعني وبالطرق العلمية المتبعة دوليا إزاء نتاج كل قرار يتم تشريعه وتنفيذه حسب مفاهيم علم الاجتماع السياسي وهي إما الطريقة التاريخية أو طريقة المقارنة أو طريقة الملاحظة بالمشاركة أو طريقة المسح الميداني .
2- السلوك السياسي الذي ينتهجه المشرع لابد أن ينبعث دوما من بنية فكرية اجتماعية محددة لتحقيق الأهداف القريبة والبعيدة الأمد للنظام الاجتماعي في المجتمع المعني الذي من الطبيعي أن يمثله المشرع .. ويدافع عنه إزاء كل التحديات وإذا أراد المشرع أن يغير عن مساره المجتمعي الطبيعي هذا بدون استشارة رأي المجتمع فان مردود ذلك يكون سلبيا وطالما كان المشرع يعبر في سلوكه السياسي خير تعبير عن رأي المجتمع فالمشرع سيلعب الدور القيادي والحاسم في عملية التغير الديمقراطي وسيلقى التأييد الجماهيري الكبير الذي يقود إلى نجاحه واستقراره وفاعليته في التأثير على مجرى الأحداث والظروف الآنية .

سادساً :- أثر الأزمة على السلوك السياسي .


    لقد تركت أزمة المفاهيم تداعيات مهولة على سلوك الفرد السياسي ورجالات السياسة, وآثار سلبية خلفت أزمة ضمير في كل أركان المجتمع ومؤسساته الإدارية والسياسية. مما جعلت تلك الآثار ترتكن في حجرة الشخصية العراقية. وقد أنتجت سلوكيات طالت المؤسسات الجديدة في ظل التغيير والتحول نحو الديمقراطية والتعددية في اللون السياسي. فقد تغلغل السلوك السياسي المنحرف إلى تلك المؤسسات مما خلق تفشي كبير في فساد المؤسسات المالية والإدارية , كما تركت تلك الأزمات فجوة ثقة بين الفرد وحكومته الشرعية, مما جعلت البعد الشخصي فوق البعد الجماعي, أي تفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.

    فقد أصبح السلوك السياسي يخضع إلى متطلبات الانتهازية في الحصول على المكاسب الشخصية والاستحواذ على الحق العام دون الاكتراث بمصلحة الشعب. فالقيم الإنسانية والأخلاقية الصحيحة تحصن المرء من أوتون الصراعات والتناقضات النفسية التي تقوده إلى العفوية في السلوك السياسي في كل مفاصل الحياة ومجالاتها. وبخلاف ذلك يتحول سلوك الفرد السياسي إلى سلوك ازدواجي يتبنى قيم مشوه تتضارب فيها المصالح التي تؤدي إلى أزمة قيمية سلوكية.

    وتتصدع الأسس النفسية عندما يتعرض المرء إلى صراعات وتناقضات قيمية , تنعكس على سلوكه السياسي والاجتماعي وأنماط تفاعلاته في العلاقات الاجتماعية التي تربطه مع بعض الأفرادوالجماعات والوطن. وتؤثر تلك الأزمة على السلوك السياسي للأحزاب والقيادات السياسية والجماعات الضاغطة على الرأي العام وأسس الإدارة العامة . وهذه الأزمة والتناقضات القيمية تنعكس على سلوك كل المستويات الجماعية في المجتمع مما تجعل الجميع يدور في حلقة من النزاعات النفسية والاجتماعية التي تهدم كيان المجتمع وسلوكه السياسي والإنساني وتأخر عجلة تقدمه السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.


   والسلوك السياسي هو نتاج مجموعة من القيم الإنسانية الأخلاقية والثقافية المتأصلة في المجتمع والمتراكمة عن تجربة الشعب عبر التاريخ. فكلما زاد الوعي السياسي والثقافي والاجتماعي تراكمت القيم الأخلاقية لدى المجتمع. مما تخلق تلك النتاجات أنماط وظواهر سلوكية محكومة بتلك القوانين الأخلاقيةالتي تؤُمن السلوك السياسي السليم. وعلى القيادات السياسية والأحزاب المشاركة في السلطة عندما تتوجه نحو النظام الديمقراطي يتطلب منها تصحيح مسار سلوكها السياسي والإنساني وبناء مواقف سياسية مشتركة تعزز من خلالها ثقة الجماهير بالقوى السياسية. وعلى الكتل السياسية المتصارعة التخلي عن مشروعها الطائفي المتشظي وتوحد خطابها السياسي من أجل تأسيس مجتمع مدني ديمقراطي. 

الخلاصة

  إن أي سلوك سياسي ينتهجه السياسي في جميع أعماله تكون نابعة من خلال مفاهيمعلم الاجتماع السياسي للمجتمع الذي يمثله و الذي لا مفر للمشرع إلا أن يعتمده كوسيلة وغاية وهدف اجتماعي في تشريع قراراته الصائبة الذي يعتمد قطعا بدون أي تردد وشك إتباع الوسائل العلمية والأهداف الجماهيرية الواسعة والواقعية أي بالموجز انه يكون مشرعا سياسيا مؤسسيا يعكس حقيقة النظام الاجتماعي لواقع مجتمعه وتنشد العلمية المؤسساتية والتنظيمية في تخطيط وإدارة حياة المجتمع وتنميته ويهدف إلى نقلة المجتمع برمته إلى مرحلة حضارية متقدمة وديناميكية التي هي بمثابة حجر الزاوية لتلاحم الأغلبية على اقل تقدير من الرأي العام للمجتمع مع المشرع تلاحما مصيريا , فالمجتمع من خلال منظماته المدنية والمهنية والنقابية تساهم مساهمة فعالة في إنجاح وإفشال السلوك السياسي للمشرع عند سوء استيعابه لمبادئ الشورى المجتمعية , وما المطلوب من المشرع ليس إلا أن يكون عازما على إدراك هذه الحقيقة وتعميقها في المجتمع لكي تنتفع منها ويتطور المجتمع من خلالها في شتى الميادين الحياتية , لذا فالتفاعل العضوي بين المشرع والمجتمع الذي يهدف إلى تحقيق الصالح العام ونشر الحق والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والإنسانية والتنمية الاقتصادية هي من المقومات المركزية الثابتة للطبيعة الديمقراطية التي يتسم بها النظام الاجتماعي المتقدم وطالما مثل هذا التفاعل موجودا بين المشرع والمجتمع ويعبر عن نفسه في سلوكه بشتى ميادين الحياة فإننا نستطيع القول بان المجتمع بنظامه الاجتماعي والمشرع بسلوكه السياسي سائران معا في الطريق الصحيح طريق التقدم والنهوض والازدهار

ــــــــــــــــ

كمال محمد الاسطل , السلوك السياسي والمفاهيم السلوكية , 2013 , من على الموقع الالكتروني .http://k-astal.com/index.php?action=detail&id=254
زينل أغا اوجي , السلوك السياسي , 2011 , من على الموقع الالكتروني .http://www.bizturkmeniz.com/ar/index.php?page=article&id=20831