أصبح الطابع المميز للدول ذات النظام البرلماني قيامها على ركيزة أساسية هي التعاون المتوازن بين الهيئة التشريعية والتنفيذية، ووسائلها في ذلك الرقابة المتبادلة بينهما، وذلك من أجل أن تنسجم تصرفات وأعمال سلطتي التشريع والتنفيذ مع مبدأ المشروعية على البرلمان المتمثل في حق الحل وحق دعوة البرلمان للانعقاد وتحديد جدول أعمال البرلمان. وكذلك بواسطة النفوذ الذي يكون للبرلمان على الحكومة المتمثل في حق توجيه الأسئلة والاستجوابات وتأليف لجان التحقيق وغيرهما من الأدوات الرقابية.
يقصد بمبدأ المشروعية خضوع جميع سلطات الدولة للقانون في جميع تصرفاتها، والالتزام بأحكام القانون بمفهومه العام الذي يضم جميع القواعد القانونية النافذة في الدولة أيًا كان مصدرها. وأن المقصود بخضوع الدولة للقانون خضوع كل من فيها من سلطات ومحكومين للقانون؛ وذلك يعتبر ضمانة محورية لتحقيق الصالح العام. لذا يجب على البرلمان أن يمارس مهامه وفقًا لما هو مرسوم إليه في الدستور أو القانون الأساسي، ويجب على السلطة التنفيذية أن تزاول مهامها في تنفيذ القوانين طبقًا للحدود المنصوص عليها في القوانين النافذة. كما يجب على السلطة القضائية أن تخضع للقانون وتلتزم بإحكامه بإنزال حكم القانون على المنازعات المعروضة أمامها. الاختلاف بين مبدأ الشرعية والمشروعية، على الرغم من أن كلاهما منبثق من أصل واحد هو الشرع أو الشريعة. فإن مصطلح الشرعية أوسع وأعم من مصطلح المشروعية؛ وذلك لارتباطه بالفلسفة التي يعتنقها المجتمع والمبادئ القانونية العامة المستلهمة من الشرائع السماوية والقانون الطبيعي وإعلانات حقوق الإنسان، فهي نموذج أخلاقي ومثالي تحمل في ثناياها معنى العدالة وما يجب أن يكون عليه القانون، في حين تعني المشروعية احترام النصوص القانونية السارية المفعول على اختلاف درجاتها بغض النظر عن عدالته.
تختلف صور الأنظمة السياسية في الدساتير المقارنة تبعاً لطبيعة العلاقة بين السلطات العامة في الدولة، وبخاصة فيما يتعلق بتنظيم تلك العلاقة بين سلطتي التشريع والتنفيذ. قد تنتهج بعض الدساتير الخلط بين السلطتين، حيث تجعل مناط الحكم بيد هيئة واحدة وهي البرلمان ولا يكون هناك دور ملموس للسلطة التنفيذية إلا من خلال المجلس النيابي. ويطلق على هيئة الحكم في هذه الحالة حكومة الجمعية أو الحكومة المجلسية، لأن المجلس النيابي هو الذي يقوم بممارسة مهام السلطة التشريعية والتنفيذية، ويكون الوزراء في ظل هذا النظام تابعين للبرلمان. وتعد سويسرا نموذجًا للدول التي تطبق هذا النظام. وقد ينتهج الدستور نظام الفصل الجامد بين السلطة التشريعية والتنفيذية، ويطلق على هذا النظام الرئاسي، ومن أشهر الدول التي تطبقه الولايات المتحدة الأمريكية. في هذا النظام تكون الصدارة والغلبة في السيطرة على نظام الحكم للسلطة التشريعية. ويسمى هذا النظام بنظام حكومة الجمعية نسبة إلى البرلمان أو المجلس النيابي الذي يمثل هذه السلطة. هو النظام الذي يقوم على أساس ترجيح كفة ميزان السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الدولة ومجموعة من معاونيه، ويسمى هذا بالنظام الرئاسي نسبة إلى رئيس الدولة. حينما نتحدث عن مسألة الفصل بين السلطات في النظام الأمريكي يجدر بنا التنبيه على أن الفصل التام بين السلطات هو أمر متحقق فقط من ناحية العضوية – لكنه غير متحقق بمثل هذه الأحكام من الناحية الوظيفية. فأما مظاهر الفصل من الناحية العضوية فتتمثل في عدم الجمع بين عضوية الكونجرس وعضوية السلطة التنفيذية أو القضائية وذلك طبقًا لنص الفقرة السادسة من المادة الأولى من الدستور الأمريكي (لا يجوز لأي سناتور أو نائب أن يعين خلال فترة توليه في أي منصب مدني خاضع لسلطة الولايات المتحدة، كما لا يجوز لأي شخص يشغل أي منصب خاضع لسلطات الولايات المتحدة أن يكون عضواً في أي من المجلسين أثناء استمراره بمنصبه). وبالرغم من ذلك فهناك استثناء واحد لتلك القاعدة يتمثل في حالة نائب الرئيس الأمريكي وشغله رئاسة مجلس الشيوخ. فطبقًا لنص الفقرة الرابعة من المادة الأولى – فإن نائب الرئيس الأمريكي هو الذي يرأس مجلس الشيوخ لكنه لا يدلي بصوته بالمجلس إلا إذا كان هناك تعادلا بالأصوات. برغم تحقق مظاهر فصل السلطات في النظام الأمريكي من ناحية العضوية فإن العلاقة بين السلطات الثلاث لا تقوم على مبدأ الفصل بين تلك السلطات – بصورة مطلقة أو تجريدية، بل يمكن القول بأنها اقرب إلى علاقة مؤسسات منفصلة لكنها تتقاسم أو تتشارك في السلطة. حيث يوجد بعض التداخل في وظائف تلك المؤسسات لكي يمكن تحقيق التوازن بينهم. ويطلق الفقه الأمريكي على ذلك المراجعة والتوازن.
وقد يتبنى الدستور منهجاً وسطاً بين النظامين السابقين، يميل إلى الفصل المتوازن ومشربًا بروح التعاون والرقابة المتبادلة بين سلطتي التشريع والتنفيذ، ويتم ذلك بتمكين السلطتين أدوات للرقابة المتبادلة، وهو ما أطلق عليه النظام البرلماني . ويستتبع ذلك القول أنه وفقاً للنظام البرلماني للسلطة التنفيذية جملة من الحقوق اتجاه البرلمان منها، الحق في التدخل بانعقاد البرلمان، إلى جانب الإسهام في تكوين البرلمان، بالإضافة إلى الجمع بين عضوية البرلمان ومنصب الوزارة. كما تسهم السلطة التنفيذية في عملية التشريع. النظام البرلماني هو النظام الذي يقوم على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، يؤسس هذا التوازن على ما تمتلكه كل سلطة من وسائل رقابية اتجاه الأخرى. ولقد نشأ البرلمان في انجلترا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. ويتطلب النظام البرلماني وجود هيئات أساسية تعد دعائم النظام البرلماني وأعمدته التي يرتكز عليها تميزه عن غيره من صور النظام النيابي.
للسلطة التشريعية جملة من الحقوق في مواجهة السلطة التنفيذية؛ تتمثل في الرقابة البرلمانية لأجل تأمين التعاون المتوازن بين السلطتين وتسيير دفة الحكم على الطريق القويم. وتتجسد تلك الحقوق في قيام السلطة التشريعية بمناقشة السلطة التنفيذية في سياستها ومراقبة مختلف تصرفاتها، ومحاسبتها على جميع أعمالها. والهدف من أعمال هذه الرقابة ليست تصيد أخطاء الحكومة، وإنما إرشادها وإسداء النصح إليها حتى تتجنب مواطن القصور والزلل هادفة بذلك المصلحة العامة. وتطبيقًا لذلك منح البرلمان وسائل رقابية عديدة منها ما نص عليه في الدساتير واللوائح الداخلية، والتقاليد البرلمانية ومن أهمها الأسئلة البرلمانية، الاستجوابات، والتحقيقات. وعلى هذا الأساس تجد الرقابة، وفق هذا التصوير، مستقرها وأساسها في النظام البرلماني حيث إن الارتباط بينهما يفضي إلى اعتبارها معياراً لتوضيح طبيعة النظام ذاته. فحيثما توجد الرقابة البرلمانية فثمة نظام برلماني، وحالما تنتفي يكون النظام مغايرًا. ويترتب على هذا القول أن حق البرلمان بالرقابة على تصرفات السلطة التنفيذية ليس في حاجة إلى نص للإقرار به طالما أعلنت النصوص الدستورية برلمانية النظام؛ لأنه لا يستمد وجوده من النصوص. يقصد بحق الحل إنتهاء مدة المجلس النيابي قبل نهاية المدة المحددة للفصل التشريعي، والحل قد يكون حل وزاريًا، وقد يكون حل رئاسيًا، مع ملاحظة أن المرسوم بالحالتين يصدر عن الرئيس. وباستعراض غالبية الأنظمة الدستورية نجد أن مجال استخدام هذا الحق مقصورًا على النظام البرلماني فقط، حيث لا يتصور وجوده في ظل حكومة الجمعية أو النظام الرئاسي.
ونخلص إلى القول بان أساس الرقابة البرلمانية مستمدة من طبيعة النظام السائد في الدولة وذلك من أجل خلق توازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، على أساس أن السلطة تحد السلطة حتى لا تنقلب إلى سيطرة، وتصبح السلطة التنفيذية خاضعة تماما للبرلمان، وبالتالي ينهار مبدأ الفصل بين السلطات، الذي هو أساس الحكومات الديمقراطية وشرط الاستقرار السياسي.
أن من أهم الركائز والمقومات الديمقراطية هي أن هذه الأخيرة في بدايات ظهورها كانت عبارة عن أفكار فلسفية، للتحول فتصبح مذهبًا سياسيًا ومنهجًا ونظام حكم قائم على أساس مشاركة الشعب في إدارة الدولة بمختلف طرق ووسائل المشاركة الشعبية، في ظل نظم دستورية وقواعد قانونية معينة. فالديمقراطية كنظام حكم سياسي يهدف إلى مشاركة الشعب في الحكم بطريقة مباشرة في الحالات التي يكون فيها ذلك ممكنًا، أو بطريقة التمثيل النيابي، تستخدم العديد من الوسائل كالانتخاب بكل تفاصيله من ضمان حق الانتخاب والترشيح وغيرها من الضمانات والحقوق، فضلا عًن وجود آليات قانونية كفيلة بضمان تجسيد الديمقراطية عمليًا. فهذه الفكرة تبقى مجرد خيال ونظريات إذا لم يوجد نظام قانوني ودستوري وقضائي يضمن تجسيد هذه الديمقراطية، ومحاسبة ومنع كل ما من شأنه انتهاكها أو قمعها.
فالديمقراطية إذن لها بعض الوسائل التي تهدف من ورائها إلى ضمان حسن استخدام الشعب لسيادته، كالانتخاب والاستفتاء الشعبي، ولكن هذه الوسائل تبقى حبرًا على ورق ما لم تجعل الحكومة نفسها مسئولة عن ضمان حسن تطبيقها من ضمانة فعالة لحماية الحقوق والحريات للشعب وحسن نفاذ القواعد الدستورية محققة في ذلك دولة القانون والمشروعية.
والجدير بالذكر أن الرقابة البرلمانية التي تمارسها السلطة التشريعية يفترض أن تكون في النظام البرلماني هي أهم السلطات وأعظمها لكونها الممثلة للشعب والمعبرة عن نبض أعماقه. ولذلك فإن رقابتها على السلطة التنفيذية تعتبر من أهم الاختصاصات التي تمارسها، وتعتبر وفق هذا التصور سلطة أصيلة قابلة متوجهة في ظل الأنظمة البرلمانية المعاصرة.
تتعدد أشكال الرقابة على أعمال السلطات، فالرقابة قد تكون إدارية تمارسها الإدارة بنفسها على أعمالها وموظفيها وتسمى الرقابة الذاتية سواء كانت خارجية تمارسها أجهزة مركزية مستقلة، أم كانت داخلية تمارس من داخل الجهاز المركزي. وقد تكون رقابة مالية تستهدف التأكد من حسن استعمال المال العام، بما يتفق مع غايات التنظيم الإداري، أو قد تكون رقابة قضائية تباشرها المحاكم المختلفة باختلاف مسمياتها واختلاف الهياكل القضائية داخل كل دولة. وقد تكون رقابة سياسية تمارس عن طريق أعضاء المجالس النيابية الممثلة لطوائف الشعب. وما يعنينا في هذا المضمار الرقابة البرلمانية حيث يقرر النظام البرلماني جملة من الحقوق للسلطة التشريعية في مواجهة السلطة التنفيذية، وذلك من أجل مراقبة الاختصاصات المنوطة لها. الأصل أن الرقابة الإدارية تنصب على التصرفات الإدارية غير المشروعة، فتستطيع الإدارة إلغاء هذه التصرفات أو سحبها أو الاكتفاء بتعديلها. أما التصرفات الإدارية الصحيحة، فالقاعدة العامة أنه لا يجوز سحبها أو إلغاؤها حتى ولو كانت مخالفة لمقتضيات ملاءمة إصدارها إلا استثناءا لاعتبارات معينة.
أما فيما يتعلق بالسلطة القضائية فلابد أن تكون منفصلة ومستقلة في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفي مواجهة الأفراد حتى تتحقق الغاية المنشودة من وجودها. تعتبر الرقابة القضائية هي الضمان الفعلي للأفراد في مواجهة تجاوز الإدارة حدود وظيفتها وتعسفها في استعمال سلطتها وخروجها عن حدود مبدأ المشروعية. بالرغم من اختلاف تنظيم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة من دولة لأخرى فإنه يمكن رد كافة التنظيمات إلى أسلوبين، فإما أن يتأسس هذا التنظيم على وحدة القضاء، وإما أن يتأسس هذا التنظيم على ازدواج القضاء – وجود قضاء اداري -. علاوة على الرقابة على دستورية القوانين، حيث قد تمارس من خلال المحكمة الدستورية العليا بالنظر في دستورية القوانين وكافة الأعمال القانونية الأخرى.
بوجه عام بأنها التحقق والتأكد من التزام الإدارة بالقوانين والأنظمة والتعليمات في أدائها لعملها لتحقيق الأهداف المرسومة وفق الخطط الموضوعة، بكفاءة وفاعلية، والوقوف على نواحي القصور والخطأ، ومن ثم العمل على علاجها ومنع تكرارها.
أما فيما يخص الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية فتتعدد من حيث موضوعاتها سواء في مجال السياسة الخارجية من خلال دوره في التصديق على المعاهدات أو التعاقدات الدولية أو في مجال السياسة الداخلية للسلطة التنفيذية من خلال مناقشة نشاطها المالي أو الإداري.