رغم ان الاعلام العربى كان ولايزال مقلدا لنمط الاعلام الغربى فى احسن احواله .الا انه بقى مرعوبا من فكرة الحداثة والنقد وبقى عند بوابات الباحثين عن عطايا السلاطين .اذ لم نسمع على مدى عقود ان الاعلام العربي ذهب الى ابعد من نقل المعلومة الخبرية .او الى رصد احتمالات تفاعلاتها الانية مع الواقع دون النظر الى ستراتيجية نتائج الحدث. او الى مايرقى الى راى مدروس يمكن الاستناد اليه فى رسم طريق واضح المعالم والاليات لما يجب ان يكون علية الفعل .وبقى التساءول عن ماهية الدور الذى يفترض للاعلام ان يلعبه ليس كابداع فكرى فى الحياة الانسانية فقط وانما فى احداث صدمة الوعى بحقائق الحدث؟. اذ ان تصويرالواقع وعكسه بكل ماله وعليه دون المساس بالاسباب التى قادت الى هذا الواقع . يصبح دون ذا جدوى اذا مافشل الاعلام فى بناء اولويات راى عام . وتطوير ذلك الواقع الى رؤية واقعية لملامح المستقبل . ان بناء اعلام استراتيجى يرتقى الى مستوى الاحداث .فى غاية الاهمية .اذ انه يعبئ الشعوب ,على الاقل الجزء المتعلم منها ببعض الحقائق ,والادلة الداعمة, لضرورة الارتقاء الى اسمى من المهاترات المخجلة, والزعيق المهرج ,وكسب المواقف.ان وضع الحقائق الدامغة على طاولة البحث سيجعل من التصورات الواقعية لديناميكية الحياة الانسانية .وخطوط مساراتها.والابتعاد الكلي عن نمطية الادوار الانسانية فى الحياة العام امرا ممكنا .ويجعل فعالية التاثير الفكرى للاعلام الدافع باتجاه تصور هذا المستقبل حقيقة لامفر من تقبلها . المستقبل الذي تختاره الشعوب .لا الذي تتم رسم مساراته بعيدا عن ارادتها . والاستغلال البشع لطاقاتها الابداعية. وتسخيرها لخدمة هدف محدد .تضيق فيه حرية التعبير حد التلاشى . والتى لم تنتج على مدى عقود غير خيبات الامل . والتى دفعت فى احيان كثيرة .الى الانزواءت الطويلة والعميقة . للابداع الفكرى. وفى احسن الحالات الغوص بعيدا فى اللامعنى . لقد كان الاعلام المرئى اوالمقروء او المسموع خاضع فى احيان كثيرة لحالة الانقياد والاذعان تلك التى اريد له ان يتقوقع فيها .وربما كان ضروريا الاخذ بدقة التصور والمنهجية والتعميم فى صناعة الاعلام. وخاصه فى جانبه التثقيفى الموْثر فى الحياة العامة للشعوب . وقدرته اللامحدودة فى صياغة واقع ثقافى فعال .قادرعلى قراءة ابجديات المستقبل وتحديد مستلزماته. حيث الافق الرحب لشكل المستقبل الذى تفرضه الضرورات الموضوعية .والتى كان الاعلام يحبو على هامشها .مرتعدا من ادراك ماهوموضوعى قائم وضرورة موازاته لما هو ذاتى . بل على الضد من ذلك اختار الرافدين للمادة الاعلامية الناْى بعيدا .والجلوس عند ابواب اصحاب الثروة والنفوذ متسولين عطاياهم .باستثاء البعض ممن تلبستهم قيم اخلاقية كان من الصعب عليهم وضعها .لقد كان واضحا منذ عشرينيات القرن الماضى ماهية المسووْلية التاريخية الملقاة على عاتق
الاعلامى .ولقد ابدع العديد منهم حتى فى تجاوز ماكان سائدا فى عصره .بطرحه موضوعات واسئلة لازالت تنتظر اجاباتها حتى عصرنا الحاضر.الا ان ذلك كان استثناءا انتظر طويلا قبل ان تتضح معالمه ليكون نهجا انضوى تحت لواءه ايضا عدد محدود من الاجيال الاعلامية التى جاءت من بعده . اذ ان اشكاليتهم الوحيدة كانت وما زالت ذلك البحر المترامى الاطراف من الجهل والفقر والمرض .او مااطلق عليه الجيل الاول منهم ” مثلث التخلف” .وكانت طروحاتهم بحد ذاتها. قفزه نوعية فى تشخيص ماهو ذاتى لابد من ايجاد اليات لتطويره ووضع اساسا له. لبناء واقع موضوعى فاعل فى مختلف جوانب الحياة .والذى بذلوا فى محاولة تحقيقه الكثير من الجهد والمعاناة .ووعيا منهم. لدورهم الموثر فى دفع المجتمع نحو مزيد من الادراك لجوهرالتطور.من خلال الضخ الاعلامى للمعرفة المتوازنه . والتى تلعب دورا فاعلا فى زيادة وتعميق الوعى العام كما ونوعا . وصولا الى نضوج الضرورات الموضوعي. مبتعدين مااستطاعوا عن التعبئة الايديولوجية . املا فى قلب معادلة التوازنات الذاتية الداخلية للمجتمعات العربية .من مشرق الوطن العربى حتى مغربه. ولكن التباطوْ واحيانا التخاذل فى تحمل المسووْلية الاخلاقية المفترضة لقطاعات واسعة اخرى منهم .اضاع عقود زمنية ثمينة كان يمكن لها ان تضع المجتمعات العربية فى مصاف المجتمعات التى تصنف بانها راقية . وهيئت الفرصة لصعود قوى اجتماعية بديلة ركبت موجة قلب المعادلة لتعيد هى ترتيب اولويات جديدة للمجتمع .بعيدة كل البعد عن الغاية الاصلية التى نادى بها الجيل الاول من الاعلاميين.لتستمر عجلة المعرفة بالدوران فى فراغ او فكر مؤدلج. والحقيقة الماثلة اليوم هى ان الاعلام العربى قد اخفق على مدى عقود فى تحقيق اى تقدم باتجاه رفع مستوى الوعى الاجتماعى العام. وتاجيل طرح الاختلافات والبحث عن ارضية فكرية مشتركة تجد الاراء المختلفة ممثلة فيها .وربما كان من اهم اسباب ذلك .تلك الفجوة الواسعة بين النخب الثقافية(.وهى الرافد الاساسى للمادة الاعلامية الفاعلة.) وعامة الشعب .فتلك النخب الثقافية والتى كانت تنشط فى فترات معينة من تاريخ شعوبها.والتى كانت على الدوام محددة فى قدرتها على ايصال افكارها .مترددة فى قراراتها . والتى كان لديها افكار جريئة فى رسم معالم ماتراه . الا انها كانت ولازالت تعانى ازمة حقيقية فى حريتها التى لم تكن ذات جذور راسخة .كماانها غالبا ماتكون. جزءا من الطبقة الفقيرة .او انها قد تدربت على العبودية .فى مجتمعات تتفن فى قهر ابناؤها .ذلك القهر الذى كان الاعلام يرزح تحته بطرق متعددة .زادت من عمق واتساع الهوة بينها وبين عامة الناس
ولم يستطع الاعلام العربى على مدى عقود عديدة . التقدم خطوة واحدة نحو اى من الاتجاهين .تقليص الفجوة الفكرية واللاانتماء .او البحث عن البدائل المتاحة .فى الوقت الذى كان للقمع الفكرى السلطوى .والاعلام المرتشى دورا فاعلا فى ترسيخ مقولة مليئة بالانكسار والنكوص ان “ليس بالامكان اكثر مما كان “مع الترويج للجمود الفكرى دعما لابقاء الواقع الاجتماعى مغرق فى البلادة الفكرية ومحاولة لابعاد فكرة التطوروالتغيير عن اى امكانية للتحقيق .واستمر الاعلام العربى فى لعب هذا الدور. ناسيا او متناسيا ان الواقع الاعلامى فى تقوقعه هذا .كان على الدوام يخلق فرصا تراكمية للمعرفة تسخر مما يروجه .اذ ان ثورة الاتصالات والمعلوماتية وحرية التعبير والشفافية قد بدات.وان عمليات الافراغ الفكرى والنفسى .قد بدات تلعب دورها المضاد لما خطط لها .وان اعلاما موازيا قد بدا فى كشف الحقائق .وان العد التنازلى لنهاية عصر من التضليل الاعلامى قد اخذ طريقه الى عقل ونفس المتلقى.وان القدرة على التواصل المباشر على بساطته قد بدا يعطى ثماره .ورغم انه كانت هناك على الدوام فرصة للتامل لتدارك حدوث الازمات. لقد تسبب مفهوم اعلام المراحل بفراغ فكرى كان من اخطر نتائجه ذلك الصعود السريع لاعلام يرتكز
اساسا على استغلال مكامن الضعف فى ذهن قطاعات واسعة من الشعوب العربية لملا الفراغ الذى تركه الاعلام الرسمى. مع ابقاء القدرة على الفرز والتدقيق فى المعلومة فى سبات تام .ولربما تبقى الشعوب العربية عقودعديدة قبل ان يكون باستطاعتها تجاور اعلام الممكن الى اعلام مايجب ان يكون . مالم تتجاوز المجتمعات العربية تلك المرحلة برمتها . من خلال اعلام يتخطى ادلجته الى فضاء الحقائق .اعلام قادر على الحياد وتسمية الاحداث بمسمياتها