تصريحات مثيرة للرئيس الأمريكي تجاه حلفائه الذين وضعوا كل بيضهم في سلته يفاجيء الجميع بأقواله بُعيد ضرب منشآت أرامكو عصب الطاقة العالمي. ( نفط الخليج لم يعد يهمنا ، لم نَعِد السعوديين بالحماية ، على السعوديين ان يتولوا حماية انفسهم ، الحماية تعني التكلفة المالية
ماذا تعني هذه الرسائل ، وماذا يفهم السعوديون منها ، ولماذا يرددها ترامب على المسؤولين الخليجين؟
الرئيس ترامب يعمل بعقلية التاجر الذي يقتنص الفرص ، فضرب السعودية بالنسبة له فرصة كبيرة لكسب مزيد من الأموال الى خزينة الولايات المتحدة .
اما سر الرسائل الناعمة التي يرسلها ترامب الى ايران هل هي حباً بايران او خوفاً منها أم لغايةٍ في نفسه قضاها وستظهرها الايام القادمة .
يردد في اكثر من مرة (لانريد حربا مع ايران ، الايرانيون أمة عظيمة ، لا نريد إسقاط النظام في طهران ، هناك متسع من الوقت للدبلوماسية مادام الامر يتعلق بايران ، سألتقي بروحاني في واشنطن بلا شروط ، يبدو ان احدهم اسقط الدرون الامريكية بالخطأ …. كلها تصريحات لا تعكس حالة العداء والتأزم بين البلدين، بل ان هناك ما وراء التصريحات قراءة اخرى ، يا ترى ماهي وما سرها ؟ .
هذه رسائل موجهة ومدروسة ، فلا يمكن اعتبار الرجل لايفقه بالسياسة ، وان تصريحاته متناقضة ومختلطة كما يقول عنه البعض ، يبدو انه فاهم لأصول اللعب مع دول المنطقة يلعب على التناقضات بمهارة عالية.
يتحدث مع أنظمة أوكلت حماية بلدانها الى جيشة واعتمدت على قوته ، فهو يعلم هذه الحقيقية تماماً وقد قالها سابقاً.
لذا علينا ان نفهم ونحلل لماذا لا يقوم ترامب برد حاسم على ايران وما الذي يوقفه او يمنعه ؟
كما ان ايران تعلم انها اضعف من امريكا وان ميزان القوى يميل لصالح الولايات المتحدة .
بلا شك هناك جملة من الأسباب تجعل الرئيس ترامب يَحجُم عن ضرب ايران ، أولها أنها البعبع الذي يستخدمه لإخافة الخليجيين ، فإذا ضربها ولم ترد على سبيل الفرض ستنتهي اللعبة، ولم يعد بمقدوره حلب السعودية ودوّل الخليج .
ثانياً : لو قام بضرب ايران وردت ايران فسيكون الرد قاسياً وموسعاً وأول المتضررين دول الخليج وسيتوقف تصدير النفط. وترتفع أسعاره وستتضرر اوربا وبقية دول العالم اقتصادياً ، وسيصبح الخليج ساحة حرب ، وستدمر المدن الزجاجية وفِي هذه الحالة سيخسر ترامب أسواق الخليج وأمواله وتنتهي عملية الحلب ، لهذا هو يحسبها بعقلية التاجر السياسي وليس السياسي التاجر .
ثالثاً : ترامب يعلم ان الحرب مع ايران لا تعني ضربة واحدة او ضربتين محدودتين ، ولن تتوقف وستتعرض مصالح امريكا للخطر ، كما انه يعلم ان ايران تعني روسيا والصين وتركيا بالاضافة الى أذرعها العسكرية المنتشرة في المنطقة . فلماذا يخاطر بعملية غير محسوبة النتائج في معركة لا تخصه ، لذا قال على السعوديين حماية أنفسهم، وهذا كلام واضح ان المعركة ليست امريكية ولا تخص المصالح الامريكية، ولا يمكن لأمريكا ان تقاتل من اجل السعودية بالمجان ، فالشرط الأمريكي واضح وصريح . من يرغب بالتدخل الامريكي عليه ان يدفع ، البعض اعتبر ما يطالب به ترامب من اموال لقاء الحماية هو وقاحة ونكران جميل و خيانة لحلفائه، الا ان السعودية فهمت ما يرمي اليه الرئيس الأمريكي بشكل جلي، و ان تكلفة الحرب ليست بضع مليارات بل ثمنها البترول باكمله لامريكا ، بالإضافة الى مباركة سعودية لضم الضفة الغربية وغور الاْردن وشمال البحرالميت لإسرائيل.
انه باختصار يقايض ويبتز بشكل علني ، لكن شروط اللعبة تقتضي ذلك .
والسعودية وقعت بين نارين وخيارين أحلاهما مُر ، اما ان ترضخ لمطالب ترامب لكسر التفوق الإيراني أو الرضوخ لإيران ، فكان الخيار الاول هو المقدم وعلى قاعدة ( هين فلوسك ولا تهين نفوسك ) . وقالت انا ومن بعدي الطوفان فلتذهب الضفة الغربية وغور الاردن الى الجحيم
وأخيراً حصلت السعودية على فتات أمريكي تمثل باعلان الرئيس ترامب بتشديد العقوبات على ايران وهي عقوبات لاقيمة لها ، وارسال وزير خارجيته ليقول ان ضرب المنشآت النفطيةعمل حربي، لكنه لم يتحدث عن نوع الرد ، وهذا يشير الى ان الوزير بومبيو لم يتفاهم مع السعوديين على حجم الدفع الذي يجب ان تتحمله المملكة قبل القيام باي عمل عسكري . وفي كل الحالات لن يكون العمل العسكري ان وقع في الداخل الإيراني بل سيكون على الأرجح في اليمن او العراق او سوريا. وبهذا لن تحصل مواجهة مباشرة بين الطرفين . فحينما يصرح الطرفان انهما لايريدان الحرب فانهما يعنيان ما يقولان .
رابعاً : الامر الأهم في هذه المعركة هو الصراع الصيني الأمريكي والتقارب الإيراني الكبير من الصين ، فقد وقعت ايران والصين مؤخراً صفقة استثمارية بقيمة 400 مليار دولار ، هذه الصفقة التي أرعبت ترامب وجعلته يتأنى باتخاذ أي قرار تجاه الحرب ، لذا يسعى الى تحييد ايران في هذه المعركة وان لا تكون الى جانب الصين ان لم تكن في الجانب الأمريكي .
فقد اصبح واضحاً لماذا ترددت امريكا في اعلان موقف واضح وصريح من ايران فليس من المعقول ان رئيس اعظم واقوى دولة في العالم يعرض سمعة أمريكا للخطر ويتحمل العناد والرفض الإيراني ولا يرد