قبل اكثر من ستة عشر قرنا ورغم ان الانسان العربي في الجزيرة العربية عاش قبل الاسلام في ظل الجاهلية وهي تسمية لاتعني بالضرورة الجهل ضد الحلم بل الجهل بالخالق والقيم الدينية وتداعياتهما لكنه على بساطته كان مجتمعا لديه الياته وقيمه في العمل والحياة , ويدلنا على ذلك من بين اشياء اخرى التراث الادبي الذي مازال متداولا بين بني البشر, وقد اخبرتنا الامثال العربية الكثير من الاعراف المجتمعية في ادارة وتنفيذ العمل , فهي التي اكدت اهمية حسن واجادة العمل ومن ذلك قولهم مثلا ( ما هكذا تورد ياسعد الابل ) وهو يقال لمن( يعمل بشىء ولم يحسنه) وقصة هذا المثل تذكرني كثيرا بعمل وزارة الكهرباء واعلان وزيرها السيد كريم عفتان بان ازمة الكهرباء في العراق ولت الى غير رجعة ’ وتتلخص هذه القصة بان صاحب الابل ويدعى مالك طلب من الراعي المكلف برعي وورد ابله واسمه سعد ان يطعمها جيدا ثم يجعلها ترد من الماء بعد ان تشبع , لكن سعدا الذي ذهب بالابل الى مناطق فقيرة العشب لم تستطع ان تسد غائلة جوعها لجا الى مكان سقي الابل وراح يشبعها سقيا وهي جائعة حتى انتفخت بطونها لكي تبدوشبعانة امام صاحبها وبشكل مؤقت وحين يمر الوقت وتشعر بجوعها فان امرها سيحله الف حلال ,لكن صاحب الابل كان يراقبه وهو يبالغ في وردها للماء فقال قولته تلك التي ذهبت مثلا بين القبائل وما زالت تضرب الى يومنا هذا .
ان وعود الازمة الزائلة للكهرباء والتي اكدها الوزير عفتان تحولت بين ليلة وضحاها الى ازمة داخل ازمة واصبح حالها حال ابل مالك منتفخة البطن لكنها ماانفكت جائعة تطلب المزيد ,فتارة كما تقول الوزارة بسبب وسائل وطرق التجهيز القديمة المتهالكة التي تحتاج الى كثير من الصيانة وتارة بسبب الامطار التي اغرقت المحطات واخرى بسبب التخريب وثالثة بسبب نقص الوقود واخيرا وليس آخرا وخلال اليومين الماضيين طلعت علينا الوزارة بمعلومة خطيرة مفادها ان حجم الطلب على الطاقة ازداد الى 16 ألف ميكاهذه الايام اي بزيادة 6آلاف ميكا عن فترة الصيف شديد الطلب على الطاقة , بمعنى آخر ان السقف الذي حدده السيد الوزيرللطلب على الطاقة هو 10آلاف ميكا سرعان ما انهار خلال بضعة شهور وبزيادة على الطلب تكاد تكون فلكية !!, لقد كان السيد الوزير مزهوا وبدا واثقا من عمل وزارته وهو يعلن انتصاره على المولدات الاهلية والحكومية وبرحيل الظلام الى الابد وواصال نشاطه الاعلامي في افتتاح المزيد من المشاريع وزيادة حجم الطاقة المنتج يقابل ذلك تزايدا مستمرا في ساعات الانقطاع يتجاوز ساعات القطع المبرمج , رغم اني كنت احس التردد باديا عليه حينما سأله مقدم المقابلة التلفازية عن امكانية استغناء المواطن عن المولدات طالما انه اعلن انتهاء الازمة فلم يجب اجابة مباشرة وباتة بل كان يدور حول حجم الطاقة المنتجة والفائض من هذه الطاقة وراح يتساءل هل سيحتاج المواطن لتلك المولدات بعد ذلك ؟ بمعنى آخر اعتبر مجرد الزيادة في حجم الطاقة المنتجة عن الحاجة الفعلية هو الحل واعتبره نهاية الازمة لكنه لم ياخذ في الاعتبار ما اشارت اليه وزارته لاحقا من حجج ومبررات, اعترفت بها واعلنتها عبر وسائل الاعلام ومنها ازدياد الطلب المفاجىء, ,مايوضح بان ادعاء الوزير بان الازمة قد انتهت انما لاغراض دعائية بحتة لامتصاص غضب الشارع وتفويت الفرصة على مجلس النواب ليمارس دوره الرقابي لغرض استجوابه.
ولكن هل يستمرمسلسل الضحك على الذقون هذا الى ما لانهاية وهل ان مسالة الكهرباء التي انفقت عليها المليارات اصبحت لغزا محيرا؟ في حين انها لاتحتاج سوى تخطيط سليم وادارة عالية الكفاءة وتنفيذ محكم ونزيه ! لكن المراقب يرى بان لاشىء يلوح في الافق يدل على انتهاء قريب ونهائي للازمة وازاء هذا الواقع فان لسان حالنا يقول كما قال صاحب الابل لراعيه ( ما هكذا تورد ياعفتان الابل! )