هناك حقيقة مطلقة نؤمن بها جميعنا، بصرف النظر عن تعدد أجناسنا وأدياننا ومعتقداتنا وثقافاتنا، تلك الحقيقة هي الموت، فكل فرد منا على يقين انه سيموت يوما ما إن عاجلا أم آجلا! وهناك من قال: (عش كل يوم في حياتك وكأنه آخر أيامك، فأحد الأيام سيكون كذلك). ونحن كمسلمين لنا في كتاب الله، خير واعظ وأعظم مربٍّ ومعلم، بأن الموت ليس نهاية المطاف، بل هو بداية الحياة الأبدية الخالدة، تلك الحياة العليا التي كنا قد وضعنا لبناتها الأولى باختيارنا في حياتنا الدنيا، وقد صور البيتان الآتيان هذا الجانب:
لادار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت بانيها
فمن بناها بخير طاب مسكنها
ومن بناها بشر خاب بانيها
كذلك قيل:
الموت ما عف عن عبد ولا ملك
كالنهر يجرف الأقذار والذهبا
ولو أردت إنشاد ما نُظِم، وقول ما نُثِر، وسرد ماقيل عن الموت وعاقبته، لاحتجت صحائف وأسفارا لذلك. لكن عجبي على من يوكَل اليه أمر جماعة أو قوم أو شعب، وهو يعلم علم اليقين أنه سيحاسَب ويُسأل عنهم يوما أمام خالقه، ولايوليه حسن بدء ودوام فعل وختام مسك..!
والعجب كل العجب، لمن يرفل بالخير والنعيم في ظل منصب قيادي أو وظيفة مرموقة أو جاه يُحسد عليه، ولايصونه بما يرضي الله بتطبيق ما أمره به من العدل والإنصاف والحسنى بالرعية، أعني على وجه التحديد ساستنا وأرباب الكتل والأحزاب والوزراء ووكلاءهم، وكل من تبوأ منصبا في الحكومة او في مؤسسات الدولة، ممن له تأثير مباشر أو غير مباشر على حياة الفرد العراقي الآنية والمستقبلية. فهل أنساهم المنصب ومغرياته الدنيوية النهاية الحتمية لوجودهم؟ وهل أحَلَّ لهم كرسي السلطة، ما حرمه الله والمنطق والعرف والأخلاق والإنسانية.
في أيامنا هذه، بعد أن استقر مطاف سفينة منصب رئيس الوزراء على السيد مصطفى الكاظمي، يستشف البعض بصيص أمل من كوة ضيقة في ما نعيشه من ظلام حالك، ولعلهم يوعزون أملهم هذا بأن الرجل له من يسنده من الداخل والخارج، وهنا على المسؤولين في مراكز القيادة ومناصب صنع القرار التحلي بالتنزه عن صغائر الأمور الدنيوية، تلك التي عهدناها بالعشرات بل المئات من متبوئي المناصب المرموقة في البلد، وما صغائر الأمور التي قصدتها إلا الجانب المادي والمنافع الشخصية التي سعى اليها السابقون، والتي على اللاحقين تجاوزها، وأخذ العبرة والعظة من النتائج التي أفضت اليها مع غيرهم.
إذ لو استرجعنا ما آلت اليه سياسات خاطئة، كان قد انتهجها مسؤولون مروا على دست التحكم في مفاصل الدولة كافة، للمسنا أن الضرر الأكبر يقع على كاهل المواطن، وهو الخاسر الأول من تهورات ساسته، لاسيما الذي سبق له أن اشار إليهم ببنانه البنفسجي يوما ما. وفي حقيقة الأمر هناك خاسر ثانٍ في العملية، إلا وهو المسؤول نفسه..! إذ كما يقول مثلنا: (مال الماي للماي.. ومال اللبن للبن). ومامن مال مسروق إلا استحال الى جمرة في بطن سارقه، والسارقون قطعا يعلمون “إنما يأكلون في بطونهم نارا”، لكن، ولسوء طالع العراقيين أن تأنيب الضمير، ومحاسبة النفس ليست عاملا فاعلا لدى أغلب ساسة (هالوكت)، الأمر الذي سول لهم بإطلاق العنان لنفوسهم في تنفيذ السرقات تلو السرقات، غير آبهين بالنار التي ستستقر في بطونهم، وهم لايرعوون من ردع المجتمع لهم، بل هم يتمادون في غيهم بكل أنانية، كما يقول أبو فراس الحمداني: “… إذا متّ ظمآنا فلا نزل القطر”.
وهنا يجب أن يكون لسطوة القانون صوت مدوٍّ، يعلو فوق الأصوات الناشزة المتصيدة في عكر المياه، والتي تنخر في مؤسسات الدولة وتدعو وسط دهاليزها المدلهمة؛ “حي على الحرام.. حي على الفساد.. حي على صيد الفرص”.
[email protected]