22 ديسمبر، 2024 4:17 م

مالم يقله النائب مشعان الجبوري ( حاشا أبو سمرة )

مالم يقله النائب مشعان الجبوري ( حاشا أبو سمرة )

تتحدث واحدة من النكات العراقية المشهورة والمعروفة ، عن ( القطة ) التي شتمت جميع ( العتاوي ) ولكنها فجأة رأت أحد ( العتاوي السود ) وهو يحدق فيها ، ويستعد للهجوم عليها ،فما كان منها الا ان تبادر لتخليص نفسها من هذا المأزق ، مستنجدة بالاستدراك والاستثناء بقولها ( طبعا حاشا أبو سمرة ). وبما ان الامثال تضرب ولا تقاس ، فأن هذا المثل أعلاه يصلح ان يكون لسان حال ما جرى ويجري في العراق ، فالجميع يتكلم عن الفساد والفاسدين ، ولكن الجميع أيضا وضع لنفسه ساترا يحميه اسمه ( حاشا أبو سمرة ). لدرجة ان أحدا لم يجرؤ على تشخيص او تسمية كتلة او حزبا او حتى شخصا بعينه من السادة المسؤولين الذين عاثوا فسادا في الأرض العراقية بل بدأوا بتصدير فسادهم الى الدول الأخرى التي نتعامل معها في شراء واستيراد حاجيات البلد التجارية والعسكرية وغيرها ، وكأن من سرقنا وضيعنا وأوصلنا لما نحن فيه هم أشباح أو كائنات غريبة قادمة من كواكب أخرى ؟!. ولكن السيد النائب ( مشعان الجبوري ) كسر القاعدة وفتح النار على الجميع ، ولم يستثني حتى نفسه ، مما سبب له مشكلة كبرى مع جميع الكتل والأحزاب التي في السلطتين التشريعية والتنفيذية على حد سواء ، بل أنه حقق معجزة لا تحصل الا نادرا ، الا وهي لم شمل جميع الفرقاء على كلمة واحدة ، هي محاسبة السيد ( الجبوري ) على صراحته ؟!.

ولكي يكون الامر واضح فاني هنا لست في مقام الدفاع عن النائب ( الجبوري ) في هذا المقال ، فالرجل يحسب له وعليه الكثير من المواقف السابقة واللاحقة مما لا يخفى على أحد ويكفيه من الذي عليه اعترافه على نفسه بأخذ ( الرشى ) .ولكن اليس من الشجاعة ان يقف برلماني عراقي ، يتمتع بمميزات السادة ( النبلاء ) ومن الذين صعدوا على اكتاف( أولاد الخايبة)ليقول كلمة حق بوجه الكثير من(لصوص ) النهار وسراق الشعب ؟! .

ولكيلا اذهب بعيدا عن الموضوع ، أرى من الواجب التذكير بالحقائق الاتية :

1- ان المنظمات الدولية اثبتت وأقرت طيلة السنوات الماضية والحالية ، وبما لا يقبل الشك ان ( الفساد ) المالي والاقتصادي والسياسي في الدولة العراقية ومؤسساتها الحكومية ، هو فساد تستحق ان تنال عليه المراتب الأولى في التصنيف العالمي للفساد ، ولا استبعد ان يدرج ضمن ( موسوعة غينيس ) للارقام القياسية في هذا المجال . خاصة وان الحكومة العراقية اقرت ( مشكورة ) بصحة ما ورد في التقارير الدولية .

ان قيمة ما دخل من واردات مالية من عوائد الذهب الاسود في السنوات السابقة ، في فترة ( الربيع النفطي ) كبيرة جدا ، لدرجة كان بالإمكان ان نبني بها دولا وليس دولة ، لو انها فقط وقعت بأيد ( امينة ونظيفة ) ؟ خاصة إذا علمنا ان الفرق بين الأرقام التخمينية التي اعتمدتها موازنات الأعوام السابقة لسعر برميل النفط، وبين الأسعار الحقيقية التي كان يباع بها، هو فرق كبير جدا، ونحتاج الى من يدلنا اين ذهبت هذه المليارات ؟!. وكذلك ان قيمة ما صرف من موازنات الأعوام السابقة، ماعدا الرواتب وما يلحق بها من ميزانيات تشغيلية، قليل جدا، وهذا باعتراف وتصريحات رسمية موثقة، لدرجة ان البرلمان العراقي ناقش والمرات عديدة محاسبة السادة المسؤولين الذين لا يصرفون ميزانياتهم في (الوزارات او مجالس المحافظات).

2- ان كل من يطل علينا من شاشات القنوات الفضائية التلفزيونية ، يقر بحجم الفساد الكبير المستشري في الدولة العراقية ، ولكنه بالتأكيد لا ينسى ان يستثني نفسه وكتلته ؟! بعد ان يلقي كرة الفساد في ملعب الاخرين ؟!. علما ان من حكم ويحكم العراق منذ سقوط النظام السابق ، هي نفس الأحزاب والكتل مع تغيير بسيط في المسميات ، وان شعار الخطوط الحمراء التي رفعتها وما زالت ترفعها لحماية الوجوه الفاسدة بل والمجرمة هي التي تسببت بمأسي العراق وشعبه .

3- ان المرجعية الدينية العليا الرشيدة في النجف الاشرف ،لطالما نبهت ونوهت ونصحت السادة في الحكومة والبرلمان الى وقفة حقيقية بوجه الفساد والفاسدين ، وما الشعارات التي رفعت على لسان المتظاهرين ،والتي عبرت عن مدى غضب وسخط ونقمة الشارع العراقي مما جرى ويجري من سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، الا خير دليل على فشل الحكومة والبرلمان في تحقيق ( أضعف الايمان ) لهذا الشعب المظلوم ، ولكن اسمعت لو ناديت حيا ؟

4- ان الذين يصرخون اليوم بوجه ( الجبوري ) ومطالبين بمحاسبته على تصريحاته ، نسوا او تناسوا ان الرجل هو نفسه من صرخ طيلة الأشهر الماضية ، طالبا من السادة أعضاء البرلمان الحصول على (50 ) من تواقيعهم ( الشريفة ) لكي يتمكن من استجواب رئيس كتلته في القضية المعرفة ب ( اتهام السيد الجبوري للسيد المطلك بسرقة أموال النازحين ) ولكنه عجز عن إيجاد خمسين توقيعا ( شريفا ) ؟!.

أيها السادة (الامراء والنبلاء ) في المنطقة الخضراء ، ان كنتم تريدون ان تعرفوا مكانتكم في نفوس الشعب العراقي فعليكم بالنزول الى الشارع العراقي ، ومقابلة الناس وجها لوجه ، ولكن من دون حماياتكم وحراسكم ، لتعرفوا مقدار ما بقي لكم من رصيد في نفوس ناخبيكم ، والذي اجزم بأنه نفذ منذ زمن ليس بالقصير.

أيها السادة : ان مهمتكم وعملكم في البرلمان ، يكاد ينحصر في مفصلين هما ( التشريع والرقابة ) وقد عجزتم وبجدارة ان تقوما بهما لكي تستحقوا رواتبكم ومخصصاتكم التي يفترض انها اجرة عليها ؟.

أيها السادة : لو ان تلميذا في مدرسة ، ادعى ان معلما ( أخذ ) منه قلما ، لقامت الدنيا ولم تقعد ، ولكانت مجالس التحقيق قد شكلت ، وأوامر التوبيخ والعقوبة قد صدرت بين ليلة وضحاها ، بينما سرق وضُيعَ بلد بأكمله ، وسلمت محافظاته الغربية الى عصابات الإرهاب والاجرام ، وسرقت خيراته وأمواله جهارا نهارا من قبل من كان يعيش على مساعدات الغرب ، وأصبح بين ليلة وضحاها من ورثة ( قارون ) وأصحاب المليارات ، من دون ان نسمع او نرى حاكما او وزيرا او محافظا او نائبا في قفص الاتهام ؟!. ومن يرفع صوته بوجه الظلم والعدوان والفساد فهو ( مدان وبعثي ) ويجب إيقافه ومحاسبته ؟!. اعتقد أن الخطأ الذي أرتكبه السيد الجبوري هو ليس ما قاله بحق السادة ( النبلاء ) ولكن الخطأ هو ما لم يقله ، وكان عليه أن يكون كغيره من الذين إذا تكلموا في هذا الامر تذكروا وذكروا قاعدة الاستثناء وجملة ( حاشا أبو سمرة ) .

[email protected]