18 ديسمبر، 2024 7:05 م

مالذي يجري في الغربية “سياسيا”

مالذي يجري في الغربية “سياسيا”

تحاشيا للاطالة التي يتجنبها بعض ضعاف القراء سألخص الامر في اول السطور ثم افصل للاحتياج.
الذي يحصل هو (كسر الانفراد والتفرد لغرض تغيير قواعد اللعبة) التفرد الذي يسير نحو خلق الدكتاتورية ، وانا كتبت قبل الانتخابات (اوقفوا الدكتاتورية قبل ان تتغول) ونشر اعلاميا “يمكن مراجعته على گوكل”
لكن لم يكن الاخرون قد تنبهوا لذلك بعد لأن -كما ظنوا- في وعيهم السطحي ان الموضوع لايعنيهم “في قاموس المصالح طبعا”
اليوم وبعد ان ادركوا ان اخلاء الساحة من المنافسين الكبار اصحاب القوة العشائرية والشعبية الجماهيرية -التي اتت من تاريخ او نفوذ سابق بين الناس- مهد لظهور من استغل الساحة للتفرد وفرض مايريد ، وازاحهم جميعا دون تردد فارادوا تدارك الامر ، وليس التحرك المتدارك العاجل هذا الان آت من شرف وطني او مصلحة عامة او خوف على شؤون الناس ومعايشهم، و انما اسفا على ضياع الامتيازات الشخصية والمناصب والاموال (يعني اختلاف على الغنيمة لا اكثر)،
و إلا فاغلب الناس اليوم تحمد الله وتشكر لأصحاب اليد في الاعمار و إن بدا فوقيا وليس اساسيا في اغلبه- ويشكرون للذين صرفوا على مدنهم مبالغ ضخمة من اصل التخصيصات من الموازنة وان كان المصروف لايعادل ربع المخصص ،ولكن قياسا لبغداد العاصمة ومدن ومناطق اخرى من العراق فان ماجرى في المنطقة الغربية اليوم هو انجاز. انا اقر انه لم يستطع من كانوا متنفذين في الدورات الانتخابية السابقة ان يحققوا عشره. ونسبة الامان واطمئنان الفرد على ماله واهله كبيرة ومبشرة ، -ونسبة الاستقلالية عن خنق المركز لتلك المحافظات بما يجره من تصرفات حكومية طائفية مضرة احيانا-نسبة طيبة. وهذا اغلب ماينشده المواطن البسيط.
لم تفقد هذه المناطق تحت سلطة السياسيين الجدد الا الحرية في التعبير ، والقدرة على المنافسة الشريفة ، وانتشار الفساد الوظيفي، -وهذا الداء الاخير مستشري في العراق كله وليس مقتصرا على مناطق الغرب -فالذين حققوا نسب الاصلاح العمراني هذا و الامن رأوا انفسهم احق بالتسلط او التحكم بمقدرات وتفاصيل هذه المنطقة الحيوية من العراق ، وهذا ليس بدعا او جديدا في العالم العربي كله، فالرجل العربي بطبعه لايقدم منجزا في السياسة الا ليتفرد بعده ويرى ان الشعب اصبح ملكه ، و اذا اعطي المساحة وهاوده الناس يسصبح مستبدا وربما فرعونا ، على عكس كرمه في بيته فهو يعطي بلا حساب ، والغربي على النقيض من ذلك ، ففي بيته لايكرمك الا لشان يريده ، وفي السياسة وادارة الدولة يقدم كل انجاز على شكل واجب وحق مكتسب للمواطن لا فضل له هو فيه.
وفي التفصيل ايضا،،
فان الذين بيدهم قانون الدولة اليوم وسلطتها وجيشها والتي شارفت ان تخرج من ايديهم ، وهم انفسهم الذين اوصلوا المتنفذين الحاليين الى سدة السلطة ومفاصل قرارها ، ادركوا ان الامور تفلت من ايديهم ، “فالولد المطيع الطامح” اصبح -دون رصد منهم-رجلا قويا آمرا متمردا متنفذا ، وذاع صيته بين ابناء جلدته ونجح عند ناخبيه وسيطر على مخالفيه وحبس معارضيه وانقلب على المحليين من داعميه ، بل و أثر على موازين المكون الآخر وتشكيلاته ، والحق انه اثبت “سياسيا حصرا” انه افضل منهم جميعا واذكى وابرع بأضعاف ، بل انني ارى ان جميع سياسيي الصدفة اليوم في العراق هم اطفال مقارنة اليه. فالنجاح السريع والتغلغل في دهاليز السياسية محليا واقليميا والصراع مع اشرس المنافسين المتضلعين في شان العراق منذ عقدين وقبلها في معارضة خارجية وعمالة اجنبية لمدة عقد آخر ، والانتصار عليهم والتغلب على نفوذهم سواء بالمكيدة او غيرها ، هو دليل براعة في السياسة ، فما السياسة المعاصرة الا كتلة من الالعاب والمكائد والمصالح البحتة والتقلبات وما الى هذا من صغائر الامور وسوافل الاخلاق ، فلا يخدعنا احد بالإعابة على غيره , فزمن شرف الكلمة وحسن الجزاء وحفظ العهود ولى مع اهله.
ولذا فان الذين استيقضوا وانتفضوا اليوم ليكسروا الانفراد ليس غايتهم “وقف الدكتاتورية قبل ان تتغول” وان بانت علاماتها فعلا منذ حين ، وليس هدفهم تداول السلطة لخدمة بسطاء المواطنين ، وليس همهم انقاذ المحرومين واجتثاث المرتشين ولا اصلاح الفاسدين ، انما غايتهم خدمة فريق منافس آخر من الداعمين الدوليين ، وجد ان الامور بدات تغيب عن ناظريه وان الثروات الهائلة السائبة ستفلت من يديه،
وقد استغلوا تمادي المجموعة الواحدة وتجاوزها على حريات الناس وحبس ضعفائهم وترهيب وجهائهم وتهديد مثقفيهم وعقلائهم ، حتى بدا الخوف يتسلل الى قلوب الرجال كما كان في عهد الاستبداد القريب ، فزجوا بالاقوياء ذوي السند الذين لايمكن لتلك المجموعة الحديثة القوة حبسهم ولا وقفهم -طالما الدولة العميقة معهم- مع رئيس وزراء كارتوني استعراضي هزيل، مما سيزعزع موقع الطامحين الى التفرد في نفوس الشيوخ العشائريين ، ويكسر مهابتهم في عيون العامة من المواطنين ، وهذا سيؤثر لاحقا وسريعا على شعبية المتفردين “الناجحين” وربما يدفعهم للتفاوض والقبول بالتقاسم او الخسارة والانسحاب.
و لكني اؤكد ان الذين زج بهم الى الساحة السياسية اليوم من جديد سوف لن ياتوا -ان انتصروا سياسيا- بأي جديد ، ورغم انني على الصعيد الشخصي -ولمعاناتي الطويلة ولحساسيتي الشديدة من الاستبداد والتكميم- افضل وقف الدكتاتورية على غيره من الانجازات ، الا انني اعلم يقينا ان رجلا واحدا ناجحا وان اصبح دكتاتورا خير من عشرة فاشلين وان كانوا متحررين.
واطمئنوا فلن تحدث اي بلبلة باذن الله ، مجرد ان السوق الناضج سيطرد البضاعة الرديئة وتستقر البضاعة الجيدة لأن المشري اصبح واعيا،، ولا تنسوا ان جميعها مستورد.