(لماذا دخل ملايين الايرانيين الى العراق هذه الاربعينية)
تمر على العراق ذكرى اربعين الامام الحسين على نبينا و آله افضل الصلاة والسلام ، هذه السنة بنكهة مختلفة وبأحداث مختلفة وبتوابع مختلفة ايضا ، للمشاهد المتعاطف المعتقد يبدو الامر مريحا بل وفخرا حيث ملايين الزائرين من اقطار اسيا والمنطقة و ابعد ، وللمتابع المتربص يبدو امرا مستفزا محتجا بتعطيل الحياة وانهاك البنية التحتية غير المؤهلة اصلا لاستقبال اعداد كهذه، وللمحب لال البيت والمستذكر لمصاب كربلاء سعادة واعتزاز فليس اكرم من العراقيين في تضييف زوارهم وزوار ابي عبد الله على وجه الخصوص من عشائر ومدن الوسط والجنوب ،
ولكن للمراقب النبيه رؤية اخرى اعمق وابعد لايراها اولئك الذين ذكرنا اصنافهم ، فبالالتفات قليلا الى الوراء وماحصل من دخول الجماهير المناهضة للكتل السياسية الايرانية في البرلمان والحكومة وللاحزاب المؤتمرة بامر الولي الفقيه ، مما تشكل تحت مسمى “الاطار” دخول الجماهير الى المنطقة الخضراء المحصنة سواء كانت المنتظمة منها (الجماهير) تحت جناح تيار الصدريين او الملتفين حولهم او الجماهير المستقلة التي تحلم بازالة حكم ايران في العراق ، ماحصل من اولئك قبل اسابيع بالاستيلاء على مقرات الحكومة والبرلمان والقضاء خلال ساعات وهروب رجال السياسة الى اربيل ولاكثر من مرة خلال اسبوعين ، شكل صدمة حقيقية للجانب الايراني ، خطر داهم كبير يتهدد عملية ابتزاز واغتصاب وتجهيل وتشييع صفوي منتحل وتدجين ونهب وسلب ارادة وتدمير حضارة وتغييب عقول مثقفة وتخريب بلد استمرت لعشرين سنة وتحت انظار العالم وبمساندة امريكا وموافقة شعبية ضمنية تحت حجج المذهب والثار التاريخي والمظلومية واخر الزمان والرجعة والمهدوية وامور كثيرة لا يمكن تلخيصها بكلمات ولايعرفها الا من عاشها معنا.
هذا الصرح الشيطاني الذي بنته ايران ورعاه العالم لايراد له ان ينهار خصوصا بعد تلافي نتائج انتفاضة تشرين المجيدة واطفائها بالكاد بتنصيب العميل “الابچم” مصطفى مشتت الغريباوي الكردي الفيلي تحت مظهر عربي وتسمية الكاظمي واضافة الشكل الشيعي عليه وتلبيسه دور المصلح بلعبة ساذجة انطلت على 39 مليون و 999 الف من مواطني هذا البلد الذي يتميز “بالنباهة والذكاء”!
ظهر لدى ايران من التجربة الاخيرة للجماهير بقيادة الصدريين ان هناك ثغرة اخرى و اخيرة يمكن ان تهدم كل شيء ، وهي خروج مئات الالاف من الناس وقد يتبعها ملايين من الشعب بامر رجل واحد واقتحام كل شيء ، وهذا ما لاحل له ولاعلاج ، وبعد الاستفاقة من الارتباك الذي يحصل اثر الصدمات المفاجئة ، احتالت ايران مرة اخرى وناورت وهدات الامور وبدات بتنفيذ خطة جديدة للقضاء على هذا الخطر المستجد ، استراحة بين الشوطين وتبديل الخطة ، وهذا ليس شوط اللاعبين بل شوط المدربين كما يعرف اهل الرياضة ،وكما هو معروف ،زاغالو او سكولاري ليسوا ك حكيم شاكر او عبد الغني شهد،
حايلت ايران الرجل صاحب الكلمة واستحصلت منه على سحب الجماهير تحت تاثير تقليده لمرجع معين او ربما بطلب او توسل او امر من الخامنئي نفسه ، ونفذ الرجل تحت نية انه ينتظر “الاصلاح” وتنفيذ طلباته و الا يخرج الجماهير مرة اخرى ، وتلك الجماهير قد تحرك سراياها المسلحة ايضا للوقوف بوجه مليشيات ايران بشكل مباشر “هكذا يظن” و اذ ليس هناك كتلة بشرية عراقية مجابهة يمكن ان تتبرع او تغامر للوقوف امام هذا المد والغضب المحتمل ، فظن الرجل نفسه مسيطرا ولا باس من التهدئة حقنا للدماء او لرأي في عقله ،و لكن الذي ليس في عقله خطة ايران واتباعها الجديدة ، وبضربة حظ مؤاتي لايران كانت الاربعين قريبة وبدل ان تكون ثورة عاشوراء الشعبية الاصلاحية اصبحت مناورة عاشوراء الايرانية الاطارية ، ادخلت ايران عشرات الالاف من مقاتليها ورجالها وشذاذها ومتطوعيها وكل ما ارادت من رجال دون اي شبهة او استغراب ، فهؤلاء شيعة ويتمنون الزيارة ولايجوز شرعا منعهم ،و ادخلت معهم الملايين من عوام الناس عوائل واطفال وحتى اليات وبلديات وشرطة وكل لون “حسب مصادر عراقية رسمية معلنة” فدخولهم بهذا العدد الاستثنائي الغريب هو لتخويف الصدريين ومن معهم او ربما لمجابهتم بالسلاح ان لزم الامر ولم يتورعوا عندما تحين ساعة الصفر ، و اشعارهم اولا انه اصبح على الارض قوة جماهيرية تتفوق عليهم وتتمتع بنفس المرونة في الخروج الى الشوارع بامر واحد وبساعة واحدة ، تلك هي الجماهير الايرانية المتوزعة على مناطق العراق الساخنة والمتغلغلة بين الناس دون رقابة او قيد ،
اذن عندما رات ايران ومعها اطارها ان الصدريين يزحفون بامر واحد من زعيمهم ويسقطون العملية السياسية برمتها ، ارتعبوا فالامر يختلف عن تشرين (التي اطفأوها بالتعاون مع الصدريين انفسهم) ويختلف عن اعتصامات السنة التي شيطنوها ثم ابادوها ،
الامر اكثر تعقيدا و ابعد منالا فهؤلاء شيعة ومقلدون ومطيعون وسوف يسقطون كل اتباع ايران كما بدا جليا ، هنا تدخل الخامنئي نفسه وعن طريق مرجع الصدر وناوروه طبعا كالعادة بحيلة مذهبية تعاطفية سياسية ومصير مشترك وما الى ذلك ، والرجل بسيط العقلية كما هو معروف غير سياسي ولا مداهن .
فدخول الايرانيين بالملايين هذا العام -وعدم خروجهم مرة اخرى الى بلادهم- امر لايتعلق بحب الحسين وانما يتعلق بالصدمة التي تعرض لها عمال ايران في العراق الكاظمي والمالكي وغيره حيث هربوا الى اربيل تحت السيل الشعبي الذي لاقبل لهم به فارادت ايران تحقيق التوزان عندما تحين ساعة الصفر او عندما يعاد المشهد ، فادخلت ملايين من البشر مع عوائل واطفال دون جوازات ولاتاشيرات ولا اوراق ثبوتية وبالاتفاق مع كل الذين في الحكم الان ابتداء من رئيس الوزراء المتلون الى اصغر شرطي في منفذ الشلامچة او مندلي او الشيب او غيره .
وربما هذا الاجراء سينهي الامر تماما ويلغي احتمالية التظاهر او التغيير مرة اخرى ، ويلغي معها التقاتل الذي كان متوقعا بين اطراف شيعية ،وربما هذه هي الحسنة الوحيدة او “الحجة الوحيدة” التي تقبل بها بعض الناس عودة الجماهير الى بيوتهم طلبا للسلم والسلامة فكل خلاف في العراق هو تقاتل ، وكل ذلك في النهاية يصب في مصلحة ايران ، وهنا لايفوتني ان أهنيء الموالين والمؤيدين والمنعاطفين مع الوجود الايراني في العراق جهلا او تغييبا او لتمذهب خادع او لقصر نظر او لقلة غيرة.