23 ديسمبر، 2024 12:18 ص

مافيا الفساد والتراخيص النفطية في العراق

مافيا الفساد والتراخيص النفطية في العراق

يتجدد الحديث بين الحين والآخر حول ملفات الفساد في جولات التراخيص النفطية التي وقعتها الحكومات السابقة,مما جعل ثروات العراق النفطية ومستقبل الأجيال في موقف غامض بالرغم من الحديث عن الشفافية الذي ساد توقيع عقود التراخيص, إلا أن السرية في توقيع العقود كانت السمة البارزة للوضع الجديد بعد الاحتلال الأميركي عام ٢٠٠٣.

ارتبطت فضيحة فساد عقود التراخيص بوزير النفط السابق حسين الشهرستاني الذي روج لها بالتنسيق مع زعماء احزاب الاسلام السياسي لإحلال الشركات الاجنبية محل الخبرات الوطنية التي سبق أن ادارت صناعة النفط العراقية بكفاءة عالية.

كما منحت الشركات الاجنبية امتيازات مجحفة بحق العراق وكبلت العراق قيود والتزامات مالية بددت ثروات البلاد دون أي مردود على مستوى التكنولوجيا وتطوير الكوادر المهنية العراقية.

وكان وزير النفط السابق حسين الشهرستاني قد ادلى بتصريحات استعراضية في أكتوبر ٢٠٠٩ بوصول طاقة انتاج العراق الى ١٢ مليون برميل يوميا خلال ٦ سنوات, ليصبح من أكثر الدول المصدرة للنفط في العالم, وفسر مراقبون بأن تلك التصريحات العشوائية ما هي إلا دعاية روجها الشهرستاني لتمرير صفقة جولات التراخيص, حيث لا زال العراق عند حدود ٤,٦ مليون برميل يوميا بعد أكثر من ١٠ سنوات على تلك التصريحات الجوفاء.

فيما كشفت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية بأن عقود التراخيص قد وضعت من قبل خبراء في وزارة الخارجية الأميركية ,ونقلت الصحيفة عن عدد من المسؤولين ان مجموعة من المستشارين الذين يقودهم فريق صغير من وزارة الخارجية الاميركية هي التي ساهمت في إعداد نصوص هذه العقود, ويأتي الكشف في وقت كان يتباهى وزير النفط حسين الشهرستاني بقوله( ان اي شركة اجنبية تريد التقدم بعروض للحصول على عقود طويلة الاجل لتطوير حقول في العراق, يجب ان تفتح مكتبا في بغداد,) ولم يشر الشهرستاني لاي صلة بصياغة العقود من قبل المسؤولين الاميركيين , مما يعني بان الشهرستاني قد سمح بعودة اربع شركات نفطية غربية عملاقة الى العراق للمرة الاولى منذ اربعة عقود من تأميم النفط العراقي.

فيما لا زالت تثار كثير من التساؤلات حول تفاصيل العقود التي لم يكشف عنها حتى اليوم, لان كل ما تسرب لحد الآن عن تلك العقود شحيح جدا وكل ما يعرف عنها أنها عقود خدمة لتطوير الحقول النفطية, وإذا كان بالفعل فما معنى ان تبقى الحقول النفطية باحتياطاتها الهائلة رهينة بأيدي الشركات الخادمة لمدة عشرين عاما وربما يزيد عن ذلك, ذلك بأن عقود الخدمة قد تستغرق أشهر وربما عدة سنوات لاعقود من السنين.

وأقرت لجنة الطاقة في البرلمان العراقي بأن عقود الترخيص تتضمن نهبا مبرمجا للنفط العراقي, ولكن كل من يحاول التعرض لها او محاولة الغاءها تظهر بعض الاحزاب السياسية والمافيات المرتبطة بالكارتلات النفطية, مما يحول دون فتح ملف التراخيص ويعتبر الاقتراب منها خطا أحمر.

ويذكر ان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي طالب لجنة النزاهة بالتحقيق بالمعلومات واتخاذ الاجراءات القانونية حول ما تم نشره على موقع فيرفاكس ميديا الاسترالي صحيفة هافينغتون بوست الاميركية تحت عنوان( هكذا اشترى الغرب العراق) وهو ما اطلق عليه اكبر فضيحة رشوة في العالم متورط فيها وزير التعليم العالي حسين الشهرستاني ووزير النفط السابق كريم لعيبي ومسؤولون عراقيون آخرون بتسهيل بيع حصص من النفط لدول غربية بمليارات الدولارات عن طريق شركة اونا اويل المملوكة لرجل اعمال ايراني يدعى عطا حساني, الا أنه اصطدم بنفس المافيات التي تعرقل فتح ملفات فساد التراخيص النفطية.

وعلى نفس المنهج المدمر في تبديد ثروات العراق النفطية قام رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بتوجيه وزارة النفط لتوقيع المرحلة الثامنة من جولات التراخيص النفطية, وهذا الامر ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال , فيما اعتبر وزير النفط العراقي السابق عصام الجلبي(انها تورط العراق بعقود مجحفة بحق العراق لأكثر من ٢٥ عاما وتشكل ضربة مؤلمة لمصالح العراق الاقتصادية وصفحة سوداء في تاريخ كل من ساهم في صياغتها والترويج لها وتوقيع العقود المتعلقة بها)

ووفقا للبيانات الرسمية تؤكد أن السياسة المعتمدة منذ عام ٢٠٠٣, تتعمد عرقلة قيام صناعة وطنية عراقية, مشيرة الى استمرار حرق٥٨% من الغاز المصاحب للإنتاج النفطي في حقول الجنوب, ويتساءل الخبراء بقلق عن أسباب الإصرار على عدم استثمار الغاز المصاحب مما يضاعف من حجم المشكلة ويزيد من تعقيدها, ويبدو أن الهدف من وراء ذلك هو بقاء اعتماد العراق على الاستيراد من ايران, حيث يستورد العراق نحو ٢٨ مليون متر مكعب من الغاز الإيراني لتشغيل المصانع ومحطات الطاقة الكهربائية العراقية.