23 ديسمبر، 2024 8:33 ص

مافيات صحيفة عراقية ؟

مافيات صحيفة عراقية ؟

تبدو لي هذه الاستعارة العنوانية ، خير دليل و مثال و مدلول، على ما تقوم به بعض مافيات كوادر صحافتنا العراقية في الداخل . فهي عبارة عن تسلسل عصابات راسخة ، بقوة دلالات العلاقات الشخصية الحكومية ، و تسلسل سيادات مبادىء المحسوبيات و المنسوبيات . لذا تبعا لهذا سوف أشخص في كلامي هذا نموذجا و هي صحيفة الصباح العراقية ، التي تصدر بشكل يومي منظم ، صانعة لذاتها كيانا حضوريا و أعلاميا زاهيا و مخيفا في الشارع العراقي اليوم ، كل هذا لا بأس به من ناحية أعلامية و جماهيرية للصحيفة و من ناحية القارىء العابر لها خارجيا و ليس داخليا ، غير إن المتغلغل داخليا في أقسام و زوايا هيئة تحرير هذه الصحيفة ، و على وجه التحديد القسم الثقافي هناك ، فأنه بالحال سوف يواجه ثمة محررين ، بل و أقسم برب السماء ، إنهم ليسوا صحفيين بل ( مافيات ؟ ) متآلفين مع بعضهم البعض و متكاتفين ، دون السماح للبعض الآخر بالنشر عندهم ، أو لمجرد حتى السؤال عن حال نصه المفقود في ثقافية الصحيفة ذاتها ، و عند الدخول في أعماق أقسام الصحيفة الأخرى ، لربما سوف تواجه ثمة حشود غفيرة من الأدباء و الصحفيين و الأصدقاء الذين هم مقربين من قبل هيئة رئيس التحرير و مدير التحرير أيضا ، غير إن الأمر يبدو غريبا نوعا ما في

هذه الصحيفة ، و هو إن حتى الأصدقاء الذين يعرفوك من قبل ، عندما يجيدوك سائرا داخل تلك الردهات ، يبدو كما لو إنهم لا يعرفوك أبدا ، بل و لم يتعرفوا بك في يوم من الأيام . فأنا بمقالي هذا ، أود الأستفسار عن سبب كل هذه السرية و المخاوف داخل أرحام شخوص هذه الصحيفة بكافة كوادرها ، بيد إن المتجول في أقسامها من جهة ، لربما تساوره الظنون بأنه متواجد داخل حرمة دائرة عسكرية أو أمنية أو رئاسية مثلا ، و لكن هذا الحظر بدوره لربما ليس جاريا على كل الناس ، فهناك ما يسمى بأصدقاء الصحيفة ذاتها و منسوبياتها التي لا يعلم بأمرها ألا الله ، هذا الحظر جاري فقط على من هم لم يكتبوا ألا القليل في صفحات هذه المؤسسة الأمنية . على أية حال ، لربما ليس هناك مشكلة مع بعض الأقسام الأخرى من الصحيفة ، لنذهب و نتحدث قليلا بحكم كوننا أدباء ، الى أسرة الهيئة الثقافية و الذين هم أيضا من الأدباء . غير إننا و نحن نهم في دخول القسم الثقافي ، وجدنا هنالك بعض من الأصدقاء الأدباء على ما أعتقد خارج حدود الصحيفة على ما يبدو فحسب . و لكن الغريب في الأمر إننا لم نجد نصوصنا داخل حواسيب برامج الخزن للمواد لدى أولئك الأصدقاء الأدباء و الذين هم من أبناء بغداد طبعا ، كما وجدنا هناك بالحفظ و الصون فقط مواد لأدباء يعدون أنفسهم من المشاهير على حد قولهم في مدن العراق . و أخيرا عندما خرجنا من بوابة الأستعلامات ، راحت نظرات الحراس تتفحصنا بالمزيد من النظرات القاسية و المريبة و المتشككة في أوضاعنا الشخصية ، و على نحو كما لو إننا قادمون من جهة دولة معادية . غير أن ما لفت ذاكرتي و أنتباهي و حقدي أكثر هو قول بعضهم لي وكان من كادر هيئة التحرير ذاتها هذا القول الذي بقي راسخا في نفسي لزمن طويل : ( نعم

أعرفك حيدر عبد الرضا فأنت تكتب كثيرا في صحيفة الزمان؟ إذن لما أنت هنا اليوم لعل صحيفة الزمان لا تمنح الأجور لكتابها بعد اليوم ؟ ) . و بطبيعة الحال كان ردي هو الأبتسامة فقط و الخجل و البكاء في نفسي و الخروج سريعا من هذه الصحيفة التي بقية ردهاتها و شخوصها و حتى الأدباء الأصدقاء فيها تراودني كعفاريت طوال الليل و كوابيس و مافيات قاتلة أو تحاول قتلي . إن قارىء مقالي هذا لعله سوف يتصور أني أجتهد في سرد وقائع أحداث قصة بوليسية أو حكاية فنتازية ، دون أن يعلم هذا القارىء ، بأن هناك مافيات حقيقية ، لربما تتعدى مافيات أفلام هوليود و السينما الأيطالية و خرافة التنين الأحمر في الأدب الصيني و الهندي ، بل لربما أكثر من ذلك أتساعا و عمقا ، لحسن حظي أني لم أكن وحدي في تلك الرحلة داخل ردهات صحيفة الصباح الغراء ، و على أية حال ، فأن ما لفت نظري و أندهاشي أكثر ، هو تلك المشاهد الخيالية من شخوص الصحفيين و الأدباء العاملين هناك ، و كيف يتصرفون بطرق متندرة في غاية اللباقة و الحذق ، في التملص من اللقاء مع من يعرفوه من الأصدقاء الذين هم يكتبون موضوعاتهم خرج حدود كابوسية هذه الصحيفة . و في الختام أقول و بكل أسف . إن ما مر علي من مشاهد و مواقف في أقسام تلك الصحيفة، هو ما دفعني إلى كتابة هذا المقال ، و إلى الخوف طويلا لمجرد أني أفكر بأسم تلك المافيات الصحفية . و زيادة على كلامي هذا ، لا يسعني سوى القول إلى تلك الصحيفة و إلى كافة كوادرها : إن القلم الصحفي و المؤسسة الصحفية بشكل عام ، ما هي ألا قيمة عليا ، و قوة سيادية خاصة و متنفذة في إيصال و سائل الأخبار و الأبلاغ إلى وعي القارىء ، و لكن من المؤسف حقا ، هو أن تتحول هذه الخصائص الأيجابية

السامية على أيدي بعض من الوسخين و الجاهلين ، بكيفيات هذه المهنة العظيمة و إلى حد تحويلها إلى مجرد أداة و آلية ، تحكمها المحسوبيات و الصداقات و الأنفتاحات على جهات حكومية و سياسية متنفذة بشكل آحادي و مخصوص : هل هذه هي في نظر المسؤولين هناك في تلك الصحيفة ، الديمقراطية الصحفية العراقية ، بعد زمن طاحن من الدكتاتورية و الأحتكارية الأعلامية ؟ . أن ما نشاهده اليوم من خلال صفحات صحيفة الصباح و نظام العاملين فيها ، ما يذكرنا كثيرا بأحوال دائرة أستخبارية في زمن الحكومة العراقية السابقة ، حيث كان من يدخلها لربما لا يكتب له الخروج منها ألا بوصايا رعاية سماوية خاصة ، و الحال الذي وجدناه في هيئة تحرير تلك الصحيفة ، لربما هو محكوم بوصايا خاصة و لكنها قادمة من جهة التعاطي السري ما بين تلك المافيات و بين أصدقاء و أحباب الصحيفة ذاتها .