ماضٍ مجيد… لا يكفي وحده

ماضٍ مجيد… لا يكفي وحده

كما يقال “من لا ماضي له، لا حاضر له”، لكن من لا يصنع حاضره لا يكون له مستقبل.!
فالتاريخ معلمٌ لا سكن ، والمجد ليس وسادة ناعمة، بل نار تُوقظنا من رماد الركود.
لانرغب ان يغفو المواطن فوق وسادة الأحلام للعيش في التراث فكل الشعوب لها تراث مجيد ولكنها تعيش في الحاضر الذي ازدهر بجهود وحرص أبنائه.
الحديث عن نهوض العراق لا يمكن أن ينفصل عن تاريخه وعراقته، فكما نعلم أن هذه الأرض شهدت فجر الحضارات، وكتبت أولى الكلمات، ورفعت أولى المسلات. لكن المجد حين يُحبس في الذاكرة، يصبح عبئًا بدل أن يكون دافعًا. لأنه ببساطة ليس زينة نتغنى بها، بل شعلة نُضيء بها طريقنا إلى الأمام.
مشكلتنا هي:
 تبدأ حين ننام على التاريخ، ونكتفي بسرد الأمجاد، وكأنها تكفي لنعيش على أطلالها. الماضي المجيد، مهما كان عظيمًا، لا يصنع حاضرًا مشرقًا ما لم نُحوّله بأصرارنا إلى مشروع حيّ يبني الإنسان والدولة معًا.
اذن الهدف معلوم والبداية نهضة عزم وإصرار، لكن الأصعب هو ما بينهما؛ وأولى الصعاب هو
 أن نرى الواقع كما هو.
الخطوة الأولى نحو النهوض هي الاعتراف.
 الاعتراف بواقعنا كما هو، لا كما نتمنى. واقع يعاني من ضعف في المؤسسات، وخلل في التعليم، وتراجع في العدالة، وانقسام في الهوية. لا يمكن لأي أمة أن تنهض وهي ترفض أن ترى عيوبها، أو تبررها بأمجاد أجدادها. التاريخ الحقيقي لا يُلغينا من المساءلة، بل يفرض علينا النقد الذاتي والمحاسبة.
الدولة الحديثة ليست مجرد حكومة، ولا مجرد سلطة تمارس النفوذ. الدولة التي تنهض بشعبها هي التي تبني مؤسسات عادلة، تحكمها قوانين واضحة، وتخضع لرقابة مجتمعية حقيقية. المواطن فيها ليس تابعًا، بل شريك فاعل، له حقوق لا تُساوَم، وعليه واجبات لا تُهمَل.
ثانياً
الإنسان أولًا:
لا يمكن لبلد أن ينهض ما لم يؤمن بأن الإنسان هو اللبنة الأولى. التعليم يجب أن يتجاوز الحفظ والتلقين إلى غرس التفكير النقدي، والقدرة على التمييز، واتخاذ القرار. كما أن الصحة ليست ترفًا، بل كرامة، وتمكين الشباب والنساء ليس شعارًا، بل ركيزة لتقدّم أي مجتمع.
ثالثاً
لحظة مصالحة
العراق بحاجة إلى أن يصالح نفسه. إلى لحظة شجاعة يعترف فيها بتاريخه كله، بانتصاراته وانكساراته، وبتنوعه لا بانقسامه. لحظة يعيد فيها بناء هويته الوطنية على أساس الشراكة، لا على حساب طرف دون آخر. الهوية الموحدة لا تعني التماثل، بل الاحترام العميق للاختلاف.
اقتصاد لا يعيش على الهامش
الاعتماد على النفط وحده جعل من الاقتصاد العراقي هشًا ومتذبذبًا. لا بد من تنمية تقوم على الصناعة، الزراعة، والتكنولوجيا، وتفتح المجال أمام المبادرات الفردية، وتشجع على الإنتاج لا الاستهلاك، وعلى العمل المرتبط بالكرامة لا بالحاجة فقط.
ثقافة جديدة
نحتاج إلى ثقافة جديدة ترى أن قيمة الأمة تُقاس بما تنتجه اليوم، لا بما كانت عليه بالأمس. ثقافة لا تهاب النقد، بل تعتبره جزءًا من النضج. ثقافة تزرع في المواطن شعورًا بالمسؤولية، لا ترسّخ فيه دور الضحية.
القيادة والمجتمع
لا تنهض الأمم بدون قيادة صادقة، تملك رؤية ونزاهة، لا فقط كاريزما وخطابة. قيادة ترى في الحكم خدمة لا غنيمة. وفي المقابل، لا قيمة لأي خطة بدون مجتمع يقظ، لا ينتظر بل يشارك، لا يسكت بل يحاسب، لا يتكاسل بل يبادر.
وكما قال أحد الحكماء:
 “الأمة لا تُبنى إلا حين يؤمن كل مواطن أنه حجر أساس فيها، لا مجرد رقم.”
هكذا فقط يمكن أن يتحول مجد العراق من ذكرى جميلة، إلى واقع نحياه بكرامة وعدالة وازدهار.
ختماً أقول:
اذ كان لأهل الفضل” السلف” شواهد شاخصة..فلم لا نشهد لأحفادهم شواهد حاضرة؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات