18 نوفمبر، 2024 12:28 ص
Search
Close this search box.

 ماضاع حقٌ وراءَه مُطالِب

 ماضاع حقٌ وراءَه مُطالِب

-1-
اذا كانت القواعد الشرعية والقانونية تحصر العقوبة بالجاني طبقا لمبدأ (شخصية العقوبة) ، فانّ الحكّام الطواغيت – ولفرط قسوتهم وتنمرهم لمن يخالفهم – لا يكتفون بانزال العقوبة بالمخالف وحده ، وانما يجعلونها ممتدة الى أهله وأقربائه …

-2-

وربما خُيّل للكثيرين أنّ ما اعتمده الدكتاتور المقبور من شمول أقرباء المُعارِض الى الدرجة الرابعة بتبعات قرار تجريمه انما هو من مبتكراته، وليس الأمر كما يظنون ، بل انّ كتب التاريخ تنقل لنا ” وقائع” تُثبت ان هذا المنحى موجود منذ قرون بعيدة ..

ومن ذلك ما أورده (ابن كثير) في كتابه (البداية والنهاية) ج10 ص 2432 حيث قال :

” جاء رجل الى الحجّاج فقال :

انّ اخي خرج مع ابن الاشعث ،

فضُرب على اسمي في الديوان ،

ومنعتُ العطاء ،

وقد هُدمت داري “

قاتل أخوه مع ابن الاشعث ، فقطعوا رزقه ، وهدموا داره، مع انه لم يشهد القتال مع أخيه ، ولكنّ الحجاج غضب على أخيه، ورغبته العارمة في الانتقام منه، جعلته يحرم أخاه من عطائه ، ويأمر بهدم داره …

فقال الحجاج :

أما سمعت قول الشاعر :

ولرُبَّ مأخوذٍ بِذَنْبِ قريبِهِ ونجا المقارِفُ صاحبُ الذَنْبِ

بهذا الجواب البارد ، البعيد عن كل الموازين العادلة ، كان جواب الحجّاج ..!!

” فقال الرجل :

أيها الأمير :

إنّي سمعتُ الله يقولُ غير هذا ،

وقول الله أصدقُ من هذا ،

قال :

وما قال ؟

قال :

{ قالوا يا ايها العزيزُ إنّ له أبا شيخاً كبيراً فَخُذْ أَحَدَنا مكانَه إنّا نراك من المحسنين .

قال معاذَ الله أنْ نأخذ الاّ من وَجَدْنا متاعَنَا عِندَهُ إنا لظالمون }

يوسف 78-79

قال :

ياغلام :

أعد اسمه في الديوان ،

وابنِ داره

وأعطه عطاءه

ومُرْ مناديا ينادي :

صدق الله وكذب الشاعر “

ومن المفارقات الكبيرة أنْ يعترف (الحجّاج) هنا بأخطائه ويُبادر الى تصحيحها، بينما يُصرّ بعض السياسيين العراقيين المكابِرين على أخطائهم..!! دون رغبة في الاعتراف بالخطأ أو التصحيح …

-3-

انّ هناك مَنْ يُهضم حَقّهُ ، فيكتفي بالشكوى وذرف الدموع ..!!

وهذا مسلك لا يوصل الى ارجاع الحقوق في الغالب، لانّ الحق لن يضيع اذا كان وراءَهُ مُطالِب ..

وقد استطاع هذا الرجل المظلوم، عبر المطالبة المدعومة بأقوى الحجج استعادة حقّه .

-4-

ومن المؤسف للغاية ، أنْ نشهد اعتقالات عشوائية لأقرباء بعض المطلوبين للسلطة، كأنْ يعتقل (الأخ) للضغط على أخيه المطلوب الهارب، أو تعتقل (الأم) ليسارع ابنها المطلوب لتسليم نفسه، فهذه الممارسات مما لم ينزل الله بها من سلطان

أيُّ ذَنب للأم لكي تمتد لها يدُ الاعتقال ؟

وأيّ ذنب للأخ لكي تمتد له يد الاعتقال ؟

انها اجراءات باطلة مرفوضة بكل الموازين …

-5-

لا ينبغي أنْ يَخْدَعَ السلطويون أنفَسَهم ببضع ركعات من صلاة أو بضع ايام من الصيام … ويحسبون أنفسهم من أهل الدين وهم يرتضون زج الابرياء في السجون ، وكأنّ الأمر لا يحملهّم اية مسؤولية ..!!

انهم مسؤولون عن كل ما يجري في البلاد ، وعن كل ما يُلاقيه العباد من مظالم وانتهاكات لحقوقهم ……

*[email protected]

أحدث المقالات