23 نوفمبر، 2024 1:41 م
Search
Close this search box.

ماسمعت بهيج سايس

يحكى ان رئيس وزراء العراق ابان الستينيات طاهر يحي، اراد يوما ان يزور اسطبلات امانة العاصمة، فاصطحب احدهم وذهب، وعند اول اصطبل، استقبله سائس كردي، نظر رئيس الوزراء الى الخيل، واراد ان يلاطف السائس، فقال له: اتعرف طاهر يحي؟، فرد السائس:( ماسمعت بهيج سايس)، سائس، وسياسي، وسواس، وسياس، وربما جاء سواس برفع السين لمرض يصيب اعناق الخيل ، فتتيبس حتى الموت ، اما السياس، فهو الذي يقوم بامور البلاد، ويضع القوانين، مايعني انه يدير البلاد بطريقة ذكية خالية من التلاعب او اللعب.

اما السائس فهو من يعتني بالدواب، واستخدم بصورة واسعة للخيل دون الحيوانات الاخرى، وقد توفي احمد الجلبي، ورحل بين شامت وشاتم، ومادح وقادح، ومضى الرجل مودعا الاموال والتاريخ الطويل العريض لاسرة معروفة بالغنى الفاحش والثراء المسرف، كثير تهجم عليه، وآخر صوره بصورة نبي مرسل، وبين هذا وذاك تختفي حقيقة الرجل الذي رحل بسرعة فائقة لم يستطع خلالها ان يوصي او يكتب او ربما يعترف، احد الآراء التي تمدح الرجل ، تذهب الى انه اقنع اميركا باحتلال العراق، اميركا دولة المؤسسات الكبيرة، والقواعد السياسية المخضرمة تقتنع باحاديث رجل من العالم الثالث.

وان كانت اميركا اقتنعت برأي احمد الجلبي باحتلال العراق، فهذه سبة كبيرة ستكون ملاصقة للرجل على مر التاريخ، والذي طرق هذا الامر لايفكر بالرحمة لهذا المسكين الذي تجاذبته حمى السياسة والمال، فلم نستطع خلالها ان نميز الثري والوارث الكبير، عن السياسي المحنك الذي اقنع اميركا باحتلال العراق، وهل قام الجلبي باقناع اميركا ايضا بتدمير ليبيا ام سوريا ام غيرها، ربما اراد احدهم ان يمدح فذم، لان مايقولونه من ان احمد الجلبي هو مهندس دخول اميركا الى العراق، لعنة كبيرة سترافقه الى ابد الآبدين، وهذا يعني ان مانمر به من انكسارات نفسية وتفجيرات وموت وتشرذم ينبع من حجة الجلبي الدامغة.

لم تكن اميركا بحاجة الى رأي الجلبي ولا الى وثائقه، لقد دخلت الى العراق في عام 1991، ورأت بعينها مايفعله صدام، والاكثر انها ساعدته كثيرا في اجهاض الثورة العارمة التي بدأت في الجنوب وامتدت الى الوسط والشمال، واباحت له استخدام الطائرات المروحية في قصف الثوار، وكانت ترى الجيش المنكسر امامها، ولاتنبس

ببنة شفة او تطلق صاروخا او قذيفة باتجاهه، كان امرا محسوبا، وان الوقت لم يجن بعد لاسقاط صدام، لان الشعب العراقي في عام 91، لم يكن يشبه الشعب العراقي عام 2003، لقد توحش كثيرا، وترك السياسة وراح يهرول خلف القوت اليومي او الكسب بشتى الطرق.

وحتى لو سلمنا ان احمد الجلبي قد اقنع الادارة الاميركية باحتلال العراق، فاين دوره بعد الاحتلال، لقد عزل وحُجم وهذا دليل اكيد عن تجاهل اميركا له، ما دعاه ان يتخبط فيميل احيانا الى جهة ايران، ليغضب الصديق الاول، الولايات المتحدة الاميركية، واخرى يتكىء باتجاه آخر؛ من المسلم به ان الذي يقنع اميركا بالتحرك باتجاه العراق واحتلاله، قادر ايضا على ان يتسنم المركز الاعلى في هذا البلد، وبما انه كان عرابا للحركات الاسلامية والليبرالية، فهذا يؤهله ان يكسب ودها جميعا ويختار، لا ان يبقى متأرجحا بين هذا وذاك، وبالتالي يُحيد ويترك لا هو الى الجنة ولا هو الى النار حتى موته الغامض، انا لا اعرف سائسا بهذا الاسم ولاسياسيا ولا سواسا.

أحدث المقالات

أحدث المقالات