23 ديسمبر، 2024 5:44 ص

الماستيك كلمة تطلق في العراق على مادة القير التي تطلى بها الفواصل بين مربعات القوالب الاسمنتية المعروفة بـ (الاستايكر) والذي يغطي أسطح المباني. مادة القير أو الماستيك لها أهمية قصوى في منع تسرب المياه من خلال هذه الفواصل إلى السطح الأساسي للبناء ومنع الأسطح الكونكريتية من امتصاص الماء الذي يسبب الرطوبة للبناء. العملية مزعجة جداً وهي بحاجة إلى التجديد كل عام.

وأنا في دوامة البحث عن عمال يقومون في تغيير ماستيك السطح في داري توجهت إلى السوق. عمل الماستيك في العادة يقاس بالأمتار للطول. أي أن حساب العمل يكون بقياس الأمتار المنجزة على مساحة السطح. وجدت الأسعار متفاوتة بين المحلات والاسطوات، فمنهم من يطلب مبلغاً قدره 2500 دينار ومنهم من يطلب 2000 دينار للمتر الواحد. والكل يدّعي أن عمله درجة أولى وأن المواد التي يستخدمها باب أول ولا منازع له. هذا أمر طبيعي فهم يجهدون في اقناع المشتري لأخذ العمل ومن ثم الاستيلاء على ما في جيبه من أموال. فكل شيء من أجل المال أولا وأخيراً.

في تجوالي في هذا السوق وبين أصحاب هذه المهنة وجدت شخصاً عرض عليّ مبلغاً أقل من الآخرين. حيث طلب مبلغاً قدره 1500 دينار للمتر الواحد وهذا السعر يشمل العمل مع المواد. إنه سعر تنافسي حقاً وهو مغري جداً مقابل ما وجدته لدى الآخرين من عمال الماستيك. الحقيقة هذه الأسعار المتفاوتة أثارت لدي الظنون وبعثت في نفسي الشك، فأيهم أصوب يا ترى لا سيما وأن الكل يصر بأن بضاعته الأولى في العالم وعمله لا يمكن المساومة عليها؟!

وأنا أرتمي من محل إلى آخر قلت لاحدهم أن هناك من يعرض عليّ مبلغاً مقداره 1500 دينار للمتر الواحد وهذا الفرق في السعر كبير جداً بينكم. حتى أخبروني أن سعر الـ 1500 دينار للمتر الواحد هو ماستيك الدوائر.

مصطلح ماستيك دوائر أسمع به للوهلة الأولى فكانت العبارة جديرة بأن أسارع إلى السؤال عن معناه. فما هو ماستيك الدوائر؟

ماستيك الدوائر يعني أسوء أنواع الماستيك وأردأ أنواع العمل، يسمى في السوق كذلك بـ (شغل تلزيك). أي عدم مراعاة الكفاءة في العمل وعدم احتساب الجودة في المواد. ماستيك الدوائر يعني عملاً سيئاً ورديئاً ويعني عدم وجود الدقة والهدف منه هو الحصول على الأجر لا غير. العاملون في السوق يعللون ذلك بعدم وجود رقابة عليهم وليس هناك من يطالبهم بالعمل المثالي. العمل في أسطح الدوائر يختلف عن العمل في المنازل والمواقع الخاصة فليس المطلوب منهم سوى النهاية. أي انجاز العمل كيفما كان ومن ثم تسليمه والتوقيع على وصل الاستلام. حتى اخبرني أحد العاملين أن بإمكانه إنجاز الماستيك للدوائر الحكومية بمبلغ 1000 دينار فقط لا غير وهو يلعب على راحته والربح جيد وهو الممنون.

تبين أن الأعمال المنجزة للدوائر تكون خالية من الرقابة والمطلوب الشكل النهائي فقط ولا يهم إن كانت المواد الاولية جيدة أم رديئة. الأعمال في هذه الدوائر يكون بقصد الربح المادي وتوقيع الوصولات مهما كانت النتائج المستقبلية والقائمون على إنجاز العمل لا تهمهم الجودة. يعني تخطي المرحلة دون الاهتمام بأي مساوئ حتى وإن كانت ستؤدي إلى نتائج غير محمودة أو كارثية. والسؤال الآخر الذي من الواجب طرحه هنا هو: هل يهمل المشرفون على العمل جودة المواد وكفاءة العمال فيما إذا كان العمل في بيوتهم كما يفعلونه في المواقع التي يسترزقون فيها؟ بالطبع الجواب هو لا وألف لا.

قس على ذلك في كل الأمور التي تسري في شريان الدوائر. كل ذلك نابع تماماً من عدم الإحساس بالمسؤولية وعدم الاهتمام بالصالح العام. فإذا كان الفرد منا يفكر بالمصلحة العامة كما يفكر بالمصالح الخاصة لكنا اليوم في أحسن شأن وأفضل حال.