دهشت أم ماسة حين دخلت الغرفة. ما الذي تفعله ماسة؟
كانت ماسة تقف أمام الحائط وتحمل بيدها مسطرة خشبية وتتحدث كالمعلمة: انتبه، هنا. لا تلعب بالأقلام الملونة، انتهى درس الرسم، الآن درس الحساب، جدول الضرب …
توقفت قليلاً، وقالت لأمها: ماما، ماذا تريدين؟ نحن الآن في الدرس، ألا ترين ذلك؟
قالت الأم: ولكن لا أحد هنا، من الذي تعلّمينه؟
أجابت ماسة: أُعِلّم صديقي الوحش الأليف، اسمه لطّوف لأنه لطيف.
قالت الأم: وحش؟!
أجابت ماسة: نعم، وحش، ليست كل الوحوش سيئة، هل وحش الكعك في “افتح يا سمسم” سيء؟ لطّوف لا أحد يراه سواي. لو سمحت ماما، سنكمل الدرس، ممكن تتركيني أكمل الدرس، لو سمحت اغلقي الباب.
ضحكت الأم بصوت منخفض وهي تنظر إلى الكرسي الصغير مقابل ماسة وعليه أقلام ملونة ودفتر رسم مفتوح. قالت “آسفة مس ماسة” وخرجت وأغلقت الباب بهدوء.
ومنذ ذلك اليوم صار لطّوف فرداً من العائلة لا يراه أحد سوى ماسة.
الوحش لطّوف كما تصفه ماسة لعائلتها يمكن أن يغير حجمه وشكله، فقد يكون صغيراً جداً بحيث يدخل حذاءها ويكركر قدمها. وقد يكبر ويمشي معها في الطريق إلى المدرسة وهي تمسك يده، ويحاول أحياناً الإفلات منها فتقول له: لا تفعل هذا يا لطّوف، امسك بيدي، هناك سيارات في الشارع.
حين تجلس العائلة إلى طاولة الطعام تطلب ماسة من أمها أن تضع صحناً إضافياً من أجل لطّوف. وعندما لا تطلب الصحن الإضافي تسألها الأم عن ذلك، فتقول لها إن لطّوف يلعب في الخارج مع أصحابه، أو إنه ليس جائعاً الآن.
في أحد الأيام طلبت ماسة ثلاثة صحون إضافية، ولما استغربت أمها، أوضحت لها: لقد جاء صديقي لطّوف مع أمه وأبيه.
سألت الأم متظاهرة بالجدية: وهل يحبون الدجاج المشوي؟
أجابت ماسة: نعم، إنهم يأكلون الدجاج المشوي، ولكن من النوع العادي وليس من النوع الحرّاق.
قالت الأم وهي تنظر إلى والد ماسة وتمنع نفسها من الضحك: الحمد لله أننا لم نضع الكثير من الفلفل، تفضلوا.
وحش ماسة مطيع جداً، تحدثه حين تشاء، وعندما لا تريد منه أن يزعجها بالحديث أو الحركة تطلب منه أن يصير صغيراً جداً وتضعه في جيبها أو في حقيبتها الصغيرة.
ويمكنها أن تطلب منه أن يصبح طائراً ضخماً لكي تستطيع أن تركب عليه وأن يحلق بها إلى حيث تريد.
بالأمس قالت له: اليوم أنت إوزة كبيرة بجناحين كبيرين وأريد منك أن تأخذني في جولة عند النهر الذي تسبح فيه أسماك ذهبية بأحجام مختلفة.
طار لطّوف وماسة تمسك بأسفل رقبته الطويلة.
تضايق لطّوف من شدة قبضة ماسة على رقبته، قال لها: أكاد أختنق، خففي يدك عن رقبتي.
اعتذرت ماسة: آسفة، لم أقصد، ولكنني أخاف أن أسقط.
أكّد لها: لا تخافي، أنا أطير بهدوء، فقط تمسّكي جيداً حين نهبط.
رأت ماسة البيوت والشوارع والسيارات والأشجار جميعها صغيرة، ثم أصبحت صغيرة جداً، ولطّوف يحلق بها عالياً.
صرخت ماسة عندما رأت غيمة تقترب منها، ضغطت على رقبة لطّوف وصاحت من الخوف: انتبه يا لطّوف، سندخل في الغيمة.
قال لها لطّوف: لا تخافي، سنعبر الغيمة بهدوء، الغيوم مجرد بخار ماء، إنها كالهواء، إنها ليست صلبة حتى تخافي الاصطدام بها.
قالت له: أعلم ذلك، لقد قالته معلمتنا في درس العلوم، ولكني نسيت، شعرت بالخوف من الغيمة الضخمة ونحن نقترب منها.
قال لها: ولكنك خفت، لا تنكري ذلك. عموماً لقد دخلنا الغيمة، وبعد قليل سنهبط عند النهر.
ضحكت وقالت له: لا تقل لي كما يقول قائد الطائرة “سنربط الأحزمة”. لقد تذكرت الرحلة التي قامت بها العائلة في الصيف الماضي لزيارة خالها في أوروبا.
ضحك لطوف، وقال: بعد قليل ستهبط الطائرة وعلى الراكبة ماسة أن تربط الحزام.
ضحكت ماسة وقالت: أمرك كابتن.
قبل أن يهبط بها عند ضفة النهر، طلبت منه أن يقترب كثيراً ويطير فوق سطح الماء لترى الأسماك من فوق، ففعل. صاحت منفعلة: واو، واو، ما أجمل الأسماك الذهبية وهي تسبح في النهر.
سألها: هل تريدين أن أغطس وأمسك لك سمكة أو سمكتين أو أكثر؟ واقترب من الماء حتى لامست قدمها الماء.
صاحت: لا، لا أريد أسماك ذهبية، فقط أريد أن أراها. ألا ترى ماذا فعلت؟ لقد بللت حذائي وجوربي عندما اقتربت زيادة من الماء.
اعتذر لها وارتفع وسألها: ماذا تريدين مني أن أفعل الآن؟
قالت: سامحتك هذه المرة، انتبه مرة ثانية. لنرجع إلى البيت، ولكن دعنا نمر على حديقة الأشجار العجيبة. أريد أن أقطف بعض ثمار الترقان، إنها ثمار كبيرة ولذيذة، نصف الثمرة برتقال والنصف الثاني تفاح.
في الغرفة خلعت ماسة جوربها ووضعته على مسند الكرسي قرب الشباك ليجف.
وفي يوم من الأيام ذهبت ماسة مع والديها إلى الحديقة العامة التي تحتوي على ألعاب للأطفال.
قالت للطّوف: عليك أن تكون كبيراً مثلي لتلعب معي، من أجل اللعب على السيسو لا ينفع أن تكون صغيراً، يجب أن تكبر، وطلبت منه أن يذهب إلى الجهة المقابلة من السيسو.
لم تتحرك السيسو، فطلبت من أمها أن تساعد صديقها لطّوف بالضغط على الطرف الآخر لتتحرك السيسو، ونبهتها ألاّ تضغط كثيراً حتى لا تطير في الهواء من قوة الضغط، فصديقها لطّوف أيضاً يضغط.
أقبل أبوها يسأل: لماذا تركتما الجهة المقابلة فارغة؟
ردت ماسة: ليست فارغة، صديقي الوحش اللطيف هناك وماما تساعده.
رد الأب: أها! فهمت الآن، لا بأس.
وأثناء ذلك وصلت إلى الحديقة عائلة صديقها سامر. كان سامر مع أمه وأبيه، وكانت أم سامر تدفع عربة أطفال فيها أخوه الصغير. سامر وماسة في الصف نفسه. طلب منها أن يشاركها في اللعب على السيسو، فوافقت وأشارت للطّوف بعينيها أن ينزل ليركب سامر محله، وشكرت أمها على المساعدة.
عادت ماسة من المدرسة، دخلت بهدوء على عكس عادتها، تعجبت الأم من الهدوء الزائد لماسة، وانتبهت لوجود دمعة على خدها.
كانت ماسة تحمل بيدها ورقة.
سألتها أمها: ماذا حصل؟ لماذا تبكين؟ هل حصلت على علامة سيئة اليوم؟ حبيبتي، لا داعٍ للبكاء، …
قاطعتها ماسة: لا يا ماما، أنا علاماتي جيدة والمعلمة مسرورة مني.
زادت الأم استغراباً: وماذا إذن؟ لماذا تبكين؟
ردت ماسة وهي تمسح الدمعة عن خدها: لطّوف ترك لي رسالة، وجدتها في جيبي، وضعها دون أن أشعر. لطّوف قرر أن يسافر، يقول إن عائلته قررت السفر إلى بلاد بعيدة جداً، ولن يعود. هذه هي الرسالة، خذي اقرئيها.
أخذت الأم الورقة وتفحصتها.
“ولكن الورقة فارغة يا حبيبتي، بيضاء، ولا حرف فيها”، قالت الأم.
ردت ماسة: طبعاً، إنه لا يكتب مثلكم، الوحوش اللطيفة يكتبون بحبر سري، فقط أصدقاؤهم مثلي يستطيعون قراءته.
“الآن فهمت، وهل ترك لك عنواناً لتراسليه؟”، قالت الأم
“لا، الوحوش اللطيفة ليس لهم عناوين مثلنا، ولا يصلهم البريد”، قالت ماسة
ودخلت غرفتها ووضعت الورقة في حقيبتها.
ومنذ ذلك اليوم غاب لطّوف ولم تعد ماسة تتحدث عنه، ونقصت الصحون التي توضع على طاولة الطعام في بيتهم صحناً.